أطفال سوريا يجدون في الثلج نقاء ينسيهم مآسيهم موقتًا

من جبال كردستان العراق، يحاول أطفال سوريون تناسي ما أصابهم وبلادهم ولو لبعض الوقت، فيلهون بالثلجويحاولون التزلج بإشراف مدرب إسباني كان أطلق بمبادرة فردية مدرسة لتعليم التزلج، لمساعدة أطفال العراق على تخطي عقد الحرب النفسية.

متع الحياة صغيرة وبسيطة جدًا بالنسبة إلى الأطفال، فقد تكون لعبة أو ضحكة أو أغنية ربما. لكن أطفال سوريا ما عادوا يجدون هذه المتعة، ويبحثون عن ضحكة في خضم ما تمر به بلادهم، فيحصلون بدلًا منها على خوف وقتل ودمار.

بعدما هربوا من بيوتهم، التي ما عادت آمنة، ولجأوا إلى دول أخرى، حمل أطفال سوريا معهم مشاهدات قاسية عايشوها في الحرب التي تعصف ببلادهم. هذه الاختبارات المبكرة سبّبت لهم صدمات نفسية، وحوّلتهم إلى "أطفال شيوخ"، فما عادوا إلى الضحك ولا إلى البراءة التي كانوا عليها.

علاج من الصدمات
جبال كردستان العراق، التي اكتست بالثلوج، أعطت الأطفال السوريين اللاجئين فرصة للشعور بطفولتهم من جديد، فمدرّب التزلج الأسباني إيغور أوريزار، يحاول تنظيم نشاطات ترفيهية للأطفال من مخيمات اللاجئين لمساعدتهم على التعامل مع صدمة الحرب.

حسن خشمان (11 عامًا) يشعر بسعادة غامرة للتزحلق على الثلج للمرة الأولى منذ أن غادر بلاده، فيقول إن رؤية الثلج أعادت إليه الذكريات الجميلة، التي قضاها مع أصدقائه في سوريا.

قرية بنجوين الجبلية على الحدود الإيرانية، التي تبعد نحو 185 ميلًا إلى الشمال الشرقي من بغداد، كانت مركزًا رئيسًا للاجئين الفارّين من حملات الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. كما إن قوافل المهرّبين، التي لا تزال تعبر الوديان الحدودية الوعرة والألغام المزروعة في الطريق تشكل تهديدًا للسكان.

لكن رغم قساوة هذا الوضع، عادت بلدة بنجوين، لتفتح ذراعيها للاجئين الفارّين هذه المرة من الرئيس السوري بشار الأسد، كما إن السكان المحليين اختاروا منحدرًا بعناية فائقة تجنبًا للحوادث، وخصصوه للتزلج واللعب، مما شكل مفاجأة سعيدة لأطفال سوريا.

مبادرة فردية انطلقت من العراق
أشارت صحيفة الـ "غارديان" البريطانية إلى أن نشاطات التزلج لأطفال مخيمات اللاجئين السوريين تنظَّم بمبادرة من مدرب التزلج إيغور أوريزار، الإسباني الذي قام بإعداد أول مدرسة لتعليم التزلج في العراق، لمساعدة الأطفال العراقيين على نسيان ذكرى الحرب المريرة.

الآن حان دور أطفال سوريا، بقدر ما تبدو هذه المداورة مؤلمة. يقول حسن الذي غادر مسقط رأسه الحسكة، وعبر الحدود قبل عام تقريبًا: "هربنا من سوريا بسبب الحرب. مات العديد من بيننا على الطريق، وقتل كثيرون في الحرب، وأصبح الطعام مكلفًا للغاية".

وبعدما استطاع مراوغة الموت، يعيش حسن الآن في مخيم أربد للاجئين في محافظة السليمانية، 160 ميلًا إلى الشمال الشرقي من بغداد، وهو واحد من ستة مخيمات للاجئين في المنطقة الكردية ذات الحكم الذاتي.

هربنا بسبب الإسلاميين
وفقًا للأمم المتحدة، فيعيش أكثرمن 200 ألف لاجئ سوري في المنطقة الشمالية من العراق، حيث يقبعون في خيام لا تقيهم من أشد فصول الشتاء برودة في المنطقة. هيلين قصير (14 عامًا) فرّت من سوريا منذ ثمانية أشهر تقول: "بسبب الوجود المتزايد للإسلاميين في منطقتنا هربنا"، مشيرة إلى أن الكثير من أصدقائها قتلوا أو خطفوا في أحسن الأحوال.

بالنسبة إلى قصير، فأن تحظى بفرصة للتزلج كان مفاجأة ضخمة، وهي سعيدة بها جدًا، على الرغم من حسرتها، لأن العديد من أطفال المخيم يرغبون في ذلك، لكنهم غير قادرين.

أما أوريزار (38 عامًا) فيقول إنه اضطر لاستبعاد باقي الأطفال، بسبب نقص المعدات، مضيفًا: "المعدات المتوافرة لنا محدودة، كما إن الحصول على التصريح اللازم لمغادرة الأطفال ليوم واحد من المخيم أشبه بكابوس حقيقي"، في إشارة إلى صعوبة الأمر.

ويسعى المدرّب الإسباني بجهد إلى إضحاك الأطفال علّه ينسيهم كوابيسهم اليومية، لكن محمد إبراهيم (13 عامًا) من شمال شرق العاصمة دمشق يقول إن لا شيء يمكن أن يساعده لينسى ما شاهده في سوريا.

لحظات مسروقة
"بدأ الجهاديون بتعذيبنا وقتلنا. لم يكن هناك طعام أو غاز، لذلك غادرنا في أول فرصة للهروب. لم أخف هكذا في حياتي"، يقول بائسًا. يمضي الأطفال نهارهم على المنحدرات الثلجية، يتقاذفون بالثلج، ويضحكون وكأنهم عادوا أطفالًا لفترة قصيرة. لكن الحافلة تعود بهم آخر النهار إلى الواقع الأليم، حيث يجدون أنفسهم قد عادوا إلى خيامهم وبؤسهم وذكرياتهم.

"لايسعني سوى التفكير في أن هؤلاء الأطفال سوف يضطرون للنوم في تلك الخيام مرة أخرى. أتمنى أن أتمكن من إسعادهم مرة أخرى سواء بالتزلج أو أي نشاط آخر يساعدهم على استعادة طفولتهم، وإن لبضع ساعات فقط".