مبادرات لحماية التراث الإسلامي للأجيال القادمة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
استضافت العاصمة البحرينية المنامة مؤتمر "الآثار الإسلاميّة من منظور عالمي" وهو المؤتمر الأول من نوعه من حيث مشاركة خبراء آثار يعملون في 14 دولة إسلامية حول العالم.
ويهدف المؤتمر لإلقاء الضوء بشكل مباشر على أحدث الخبرات العملية في الدول التي تمزقها الحروب ومدى تأثير ذلك على علم الآثار.
ومن بين المشاركات كانت كوريساند فينفيك المحاضرة في آثار الشرق الأوسط بجامعة كوليدج لندن، والتي تحدثت عن دراسة مضنية أجرتها على بقايا الطعام التي تشير إلى الوقت الذي توقف فيه الناس عن تناول لحم الخنزير، وبالتالي الكشف عن الوتيرة التي ترسخ فيها الإسلام في منطقة المغرب.
وتقول فينفيك إن التقييم الغربي للاكتشافات الأثرية قبل فترة منتصف الخمسينات من القرن الماضي يعود إلى تفسيرات استعمارية.
وأضافت: "إذا عدت للوراء قبل الاستقلال، فإن الاكتشافات الأثرية كلها كان ورائها خبراء استعماريون."
وتابعت: "كان (هؤلاء) مولعين باكتشافاتهم الغريبة، وهذا عزز من فكرة أن العالم الإسلامي كان مختلفا شيئا ما وتنبغي السيطرة عليه من قوى استعمارية."
أما خبير الآثار النيوزيلندي آلن ولمزلي، أستاذ الآثار والآداب الإسلامية في جامعة كوبنهاغن، فقال إن الدراسات التي يُجريها تهدف إلى تقديم صورة كاملة للتطورات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في التاريخ العربي والإسلامي.
وأضاف: "أبحث في الروايات التاريخية الضعيفة والمغلوطة."
وبدأ ولمزلي بالتمحيص في الاهتمام الغربي السابق بمنطقة بلاد الشام، المعروفة باسم "سوريا الكبرى".
وقال إن "الاكتشافات الإسلامية كانت أمرا ثانويا بالنسبة لهدف الاهتمام الأثري بسوريا الكبرى. كان التركيز ينصب على العصر التوراتي والعصر الهيليني والكلاسيكي. وهذه الفترات التاريخية القديمة كانت لها الأسبقية في البحث."
وقال اليستر نورثيدج الأستاذ بجامعة "باريس 1" الفرنسية إن "العداء بين الإسلام والغرب زاد من عدم الاهتمام بالآثار الإسلامية".
وتحدث نورثيدج عن اهتمام الغرب الواسع بدراسة التاريخ الخاص به، وذلك في سياق زيارة قام بها مؤخرا إلى العراق. وقال إن "هناك مثال جيد للغاية في العراق. بابل على ما يبدو مكان يرتبط به الغرب."
لم تكن فقط الأجندة الغربية هي المحرك لأنشطة الكشف عن الآثار في العالم الإسلامي، إذ أن المسلمين أنفسهم لم يكونوا مهتمين دائما بحماية التراث المادي للمقدسات، حسبما أفاد نورثيدج.
وقال نورثيدج: "لا يشمل ذلك فقط مكة والمدينة (المنورة في السعودية)، بل أيضا الأضرحة الشيعية في النجف وكربلاء بالعراق."
وأضاف: "هناك اهتمام أكثر على ما يبدو ببناء شيء جديد بدلا من ترميم القديم لأن التركيز ينصب على الطبيعة الروحانية لهذه الأماكن وليس أهميتها المادية."
لكن ظهور رؤية أوسع وزيادة أنشطة الحفر في جميع أنحاء منطقة الخليج يشهدان على وجود اهتمام ناشئ بالتاريخ المادي. ويقول سانت جون سمبسون خبير الآثار و كبير أمناء المتحف البريطاني إن إحياء الاهتمام بالآثار الإسلامية تأخر كثيرا.
وأضاف: "إنه جزء لا يتجزأ من البحث عن الهوية الثقافية الإسلامية. وهو أيضا فرصة لمعالجة المفاهيم الخاطئة السابقة."
وتابع سمبسون: "منذ القرن التاسع عشر وحتى فترة كبيرة من القرن العشرين أدت عمليات التنقيب عن الآثار لأهداف تجارية يقودها تجار في أجزاء من العالم إلى تدفق أشياء إلى السوق اعتاد مؤرخو الفنون الاحتفاء بها."
وأردف: "احتفى (مؤرخو الفنون) بجمال هذه القطع (الأثرية) ولذا أعادوا بناء الثقافات المادية بناء على هذه الآثار."
يمثل هذا الاهتمام بالآثار الذي تدفعه الناحية الجمالية وجهة النظر المعتادة لمؤرخي الفنون الذين يقدرون الجماليات أكثر من وظيفة الآثار.
وقال سمبسون: "لهذا السبب مُنح اهتمام أكبر قليلا بالمعادن ومواد معينة من الزجاج والخزف المزجج بشكل غير متناسب مع القيمة الوظيفية الحقيقية (للآثار) في الماضي."
وأوضح: "كان هناك اهتمام كبير بالمعادن والزجاج والخزف المزجج أكثر من الفخار والنحاس أوالزجاج العادي، وللأسف أعطى هذا الأمر انطباعا منحرفا نوعا ما."
تُسلط هذه المرحلة الجديدة الضوء أيضا على جوانب غير معروفة في العالم الإسلامي. ويقول عالم الآثار السعودي سعد بن عبد العزيز الراشد إن الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في السعودية بصدد توسيع نطاق عملها أبعد من الأماكن المقدسة.
وقال إن "السدود والآبار والينابيع والحصون على طول الطرق السياحية للحج كلها عناصر مهمة لفهم انتشار الإسلام".
وأضاف: "إننا نحافظ على الهوية الثقافية الإسلامية مع ضمان استدامتها في المستقبل."
وتابع: "هذه المواقع مهمة ليس فقط للمسلمين عموما، بل أيضا للعلماء غير المسلمين، وكجزء من العمل الأثري نحن ندعم نقل ونشر الحقائق المحيطة بالتاريخ الإسلامي".
وأشار سعد عبد العزيز الراشد إلى الآثار الغنية لمدن النبطية والعُلا ومدائن صالح، وهي أبعد نقطة جغرافية للحضارة التي كانت متركزة في البتراء بالأردن. وقال إن "هذه المقابر التي تعود للقرن الأول هي الآن منطقة جذب سياحي".
وفي الوقت نفسه يشير اليستر نورثيدج إلى أن الرؤية المعاصرة والأكثر شمولية للإسلام تعمل كقوة مقابلة لاهتمام المتطرفين بعهد النبي (محمد)."
وقال: "كل هذه الألفية ونصف الحضارة الإسلامية الكبرى والعصر الذهبي، تتجه نحو الاندثار. وهذا يعني نسيان الاكتشافات في الفلسفة والعلوم والتي يمكن أن تخبرنا عن الكثير".
يسعى المسلمون المثقفون الآن إلى إسلام متسامح منفتح يمكنهم الارتباط به، ويتجاهل خطاب ما يُعرف بتنظيم الدولة الإسلامية.
يمكن لعالم الآثار اليوم أن يعبر الحدود السياسية الحديثة ويُحطم النماذج التقليدية التي أنشأت داخل الحدود. يرى عالم الآثار مناصرو العولمة أن الخبراء يمكنهم التعاون معا في بلدان مختلفة في العالم الإسلامي.
يقول سانت جون سيمبسون إن المتحف البريطاني يعمل بالفعل مع علماء آثار عراقيين لبناء قدرات لجيل جديد تماما من خبراء الآثار.
ويضيف: "بالنسبة لعالم ما بعد داعش حيث يمكننا ممارسة أعمال الحفر في العراق بأمان، تُساعد خطط التدريب في جنوب وشمال العراق في إعداد علماء الآثار".
ويعمل بعض المتدربين العراقيين حاليا في الموصل في ظل الصراع ويجرون تقييما للآثار والأضرار التي لحقت بالممتلكات الثقافية حتى يتسنى إعادة ترميم الآثار بعد استعادة السلام في البلد.
وليس بعيدا عن مقر المؤتمر الذي يُعقد في المسرح الوطني في البحرين، يتفقد سلمان المحاري بعض شواهد القبور المكتشفة حديثا.
ويقول المحاري: "هذه من نفس نوع الحجارة التي اكتشفت في شيراز، في جنوب وسط إيران. إنها تعكس التبادل الثقافي والاقتصادي بين هذين المكانين في القرن الحادي عشر وربما حتى قبل ذلك".
فضلا عن دخول مفهوم العولمة إلى علم الآثار الإسلامي الحديث، فإن المؤتمر يبشر باحتمالية إجراء تقييم موضوعي للاكتشافات الحالية والسابقة التي من شأنها أن توفر رؤية منقحة وأكثر توازنا للتاريخ الاجتماعي للإسلام.