قراءات

قراءة في صفحات الذاكرة

-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
&حين أريد ان اختار بين مؤلفاتي، فان بعضها هو الأقرب لي، ولا سيما ما يجمع بين السياسة والأدب. ومن هذه الكتب، كتابي (بغداد ذلك الزمان) عن عراق العهد الملكي وبعض ايام تموز.. وقد صدر أواخر التسعينيات. ومنها كتابي (أبو هريرة الموصلي) عن القصاص والسياسي الراحل، ذي النون أيوب، وقد اخترت العنوان لان الراحل كان يحب القطط مثلي، ولأنه ينحدر من مدينة الموصل المستباحة حاليا بعد ان اصدر المالكي أوامر الانسحاب الكامل من الموصل، وبلا قتال... عرفت ذا النون أيوب من قراءاتي له، قبل تعرفي عليه شخصيا في براغ الستينيات، كما كان يصدر مجلة (المجلة) اليسارية الرائجة عهد ذاك. وكان ذو النون من قيادات الحزب الشيوعي، ثم انفصل. وفي عهد الثورة كان قريبا من عبد الكريم قاسم، وتبوأ مركزا إعلاميا هاما.. ومع أحداث العامين الأول والثاني من عهد الثورة، وتغيرت التحالفات وابتعد من ابتعد.. وكانت براغ ذات النظام الشيوعي محط هجرة عدد من الشخصيات العراقية المعروفة، ومنها احد رواد اليسار، عبد الفتاح إبراهيم والجواهري والوزير الجامعي فيصل السامر و ذو النون أيوب والشخصية الديمقراطية عبد المجيد الونداوي. وكنت عهد ذاك أمثل الحزب الشيوعي في مجلة (السلم والاشتراكية) وحين وقع الانقلاب الدموي ألبعثي- الناصري في شباط 1963 تنادينا لتأسيس (لجنة الدفاع عن الشعب العراقي) برئاسة الجواهري. كنا نصدر البيانات والمقالات في فضح الانقلاب والتضامن مع المناضلين العراقيين. في تلك الأيام توثقت علاقتي بذي النون أيوب، وكذلك الشخصيات الأخرى التي يجب ان يضاف إليها نوري عبد الرزاق، الذي كان في قيادة الاتحاد الديمقراطي الدولي للطلبة، وكان اتحاداً يسارياً...تغيرت الظروف والعهود ورحلت لباريس في حين حلّ ذو النون في فيينا، بلد الموسيقى و(ليالي الأنس). وهي أيضا وبرغم جمالها، أصبحت مسرحاً لواحدة من أبشع جرائم الإرهاب التي نفذها عناصر دولة الفقيه في أواخر الثمانينيات، وكان الضحايا، عبد الرحمن قاسملو، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني ورفاق معه.. وقد نصب النظام الإيراني فخاً لهم بحجة المصالحة والتفاوض.. وفي حينه اتهمت الصحافة النمساوية، احمدي نجاد بالمشاركة في العملية، حيث كان هناك تحت ستار تجميع مواد لدراسة جامعية.عادت العلاقة مع ذي النون، مابين باريس وفيينا، عبر المراسلات. وكنت أرسل له بعض مسوداتي الأدبية ليبدي فيها رأيه. وكنت أتلقى منه أجزاء من مذكراته التي توقفت لديها كثيراً في كتابي (أبو هريرة) وقد خالفت بعض ما ورد فيها من حديث صريح عن علاقات شخصية ماجنة على النمط الغربي، وكتبت ان مجتمعاتنا لا تتحمل مثل هذه المكاشفات الصريحة وبالأسماء العلنية.. رحل عنا ذو النون وهو برعاية صديقته الجيكية التي كانت تدعوه باللغة الجيكية (ياهري). ورحل من بعده في فيينا الصحفي والأديب القصاص الدكتور رياض الأمير، صديقي العزيز الذي لن أنساه. كتبت عن رحيل المبدعين، ان الإبداع الفني هو الابقى والاسمى من بين الانجازات البشرية، فالقصص المتميزة والسفر والموسيقى والرسم والنحت والتمثيل المسرحي والسينمائي، تظل خالدة وذات إشعاع وعطاء، لأنها تمس الجوانب العاطفية في الإنسان. و ذو النون هو من ينطبق ذلك عليه في قصصه أكثر مما في الجانب السياسي، برغم أهميته.هذه صفحات من الذاكرة اكتبها مع بداية العام الجديد الذي حمل معه فظائع وبصمات الإرهاب الجهادي الذي تحول الى مصدر قلق دولي.. جحافل الإرهاب الجهادي، بكل أنماطهم ومذاهبهم، يروعون البشر ويحاربون العلم والحضارة. وقد انتقل العالم الى عامه الجديد تحت هاجس هذا الإرهاب.. وسيمضي هذا النمط من البرابرة الجدد الى مزابل التاريخ ويبقى في الخلود المبدعون والمصلحون والمجددون.. ولا بد من وقفه عن دور وأهمية العطاء الفكري والفلسفي والعلمي، الذي يظل هو الأخر خالداً من حيث التأثير والإشعاع، أمثال فولتير وآينشتين وأمثالهم، وفي العراق الدكتور علي الوردي. وكل ما مر لا يعني بحال من الأحوال إنكار ادوار الساسة الطلائعيين الذين ينطلقون من حب المواطن والبشرية، والمُثل الإنسانية والديمقراطية ويعملون دوماً من اجل التقدم والإصلاح بشجاعة ونكران ذات، دون أنانية او انطوائية. وكان مانديلا مثلاً من هذا الطراز، فأين نحن اليوم من نوعية الطبقة السياسية العراقية الحاكمة؟؟؟هذه ملاحظات وتداعيات بالمناسبة، هي مجرد رؤوس أقلام، والحديث متشعب وذو شجون.. ولا يمكن ان لا نرى ما وصلت إليه في العالمين العربي والإسلامي أوضاعنا الثقافية والسياسية وما أصابها من تصحر وجفاف وغلبت السطحيات والمسلمات العتيقة، تحت تأثير تيارات الإسلام السياسي بكل تفرعاته. وهذا ما سبق لي الكتابة عنه بعنوان (مأزق الثقافة العربية) ومن العراق مثلاً أين نحن من النهضة النسائية والفنية التي سبق ان شهدناها وعشناها، أي كبار الفنانين والشعراء والمسرحيين والمفكرين أمثال علي الوردي.... تحولنا إلى عهد الخرافات واللطميات والزيارات المليونية، وتعطيل دوائر الدولة وإهمال المسارح والسينمات والهجمات على النوادي الثقافية........ وا أسفاه.............&&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
مقال جميل
محمد موسوي -

فكرة جميلة ان تكتب عن العلاقات التي ارتبطت بها مع المبدعين العراقيين في كافة المجالات السياسية والادبية والاجتماعية وكل عام وانت بالف خير.

...............
عراقي -

لاتزال الذاكرة العراقية على قيد الحياة بوجود أمثالك من الوطنيين وقريحتك الحية لتخليد ذاكرة هؤلاء للأجيال القادمة !!؟..