قراؤنا من مستخدمي تويتر يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر إضغط هنا للإشتراك
&مر وقت كان على كل مفكر يحترم نفسه ان يواكب احدث التطورات في الفلسفة. لكنه وقت مضى، ومفكرو اليوم إذا لم يتجاهلوا الفلسفة بالكامل فانهم يكتفون بقراءة كتاب أو كتابين عن الماضي. وهناك مئات الأعمال التي تكتب تاريخ الفلسفة، كلها متشابهة تروي القصة نفسها بالأبطال أنفسهم.&البداية مع الفلسفة اليونانية حيث يفترض سقراط وجود عالم مثالي ما واقعنا فيه إلا خيال. ثم تأتي الفلسفة الغربية التي تبدأ بالقرن السابع عشر عندما حاول ديكارت ان يشك في كل شيء متسبباً في اشعال حرب بين العقلانيين الذي يقولون ان المعرفة تقوم على العقل والتجريبيين الذين يقولون انها تعتمد على الخبرة. ويدور الفصل الثالث من القصة حول الفلسفة المهنية التي يدرس فيها ايمانويل كانط منطق الاختلاف الفلسفي واضعاً الفلسفة على طريق التحول الى نزعة تخصصية تقنية انطوائية تخضع للعلوم الطبيعية. وقد تكون تفاصيل الحبكة مبهمة في القصة ولكن الرسالة واضحة هي ان الفلاسفة اذكياء جدا ولكنهم أغبياء ايضاً يعدون بالكثير ولا يقدمون إلا القليل القليل. المؤرخ الفلسفي ورئيس تحرير مجلة الايكونوسمت السابق انتوني غوتليب يرفض ذلك كله ويأخذ على عاتقه مهمة ان يُرينا ان الفلاسفة القدماء أُسيء فهمهم ويستحقون ان نأخذهم مأخذ الجد. ويقول غوتليب في كتابه الجديد "حلم التنوير: صعود الفلسفة الحديثة"، ان هؤلاء الفلاسفة ما زال لديهم شيء يقولونه لنا ولهذا يمكن ان نبخس حقهم بكل سهولة.&في كتاب غوتليب الأول "حلم العقل" الذي صدر عام 2000 ليعيد فيه سرد قصة الفلسفة اليونانية، اولى المؤلف اهتماماً بفكرة افلاطون القائلة ان الحقيقة والسعادة والفضيلة لا تنفصل عن احداها الأخرى، وقدم ارسطو مفكراً جدياً في الطبيعة والفن والمجتمع. ويواصل غوتليب في كتابه الجديد هذا السفر الفكري مع ديكارت حتى بدايات الثورة الفرنسية. وفي حين ان العقلانية كانت موضوعة الكتاب الأول فان الكتاب الثاني يركز على ما هو جديد. ويقول غوتليب "ان الفكرة الجديدة القائلة بأن كل الأفكار القديمة موضع شك" بدأت تهيمن على الفلسفة في القرن السابع عشر. واشتهر ديكارت بمحاولته اطلاق بداية جديدة بشعاره القائل "أنا أُفكر إذاً أنا موجود" ولكن لا أحد يعرف على وجه التأكيد ما كان يعنيه، وبحسب غوتليب فان ديكارت "أُسيء فهمه على نطاق واسع". ويختلف غوتليب مع الأمير تشارلس ولي العهد البريطاني والبابا يوحنا بولص الثاني، من بين آخرين، لتصويرهما ديكارت على انه "ذاتوي" مسؤول عن بداية الحداثة بداية سيئة بمحاولته جعل الـ"أنا" أساس كل شيء. كما يرفض غوتليب النظر الى ديكارت على انه "عقلاني" لم يعترف بأهمية العلوم التجريبية ويقول انه كان، على النقيض من ذلك، مدافعاً جريئاً عن المبدأ القائل بأن الظواهر الطبيعية هي وليدة تفاعلات ميكانيكية بين جسيمات دقيقة. والأكثر من ذلك ان غوتليب ينفي القصص التي تتحدث عن معركة بين العقلانيين والتجريبيين بوصفها "خرافة" روجها فلاسفة في القرن التاسع عشر لمآرب خاصة بهم.&يلاحظ الفيلسوف والمؤرخ البريطاني جونثان ري في مراجعته لحلم التنوير ان غوتليب يدحض عشرات الخرافات الأخرى. وعلى سبيل المثال ان من يفترض ان توماس هوبز كان ملحداً صاحب نظرة سوداوية الى الطبيعة البشرية عليه ان يعيد النظر في افتراضه هذا ومن يظن ان جاك جاك روسو كان يؤمن بـ"المتوحش النبيل"، المحب للسلام فانه على خطأ مبين. ويقول غوتليب ان جون لوك ايضاً أُسيء فهمه في أحيان كثيرة وذاع صيته بدعوى تفضيله "الخبرة" على "الأفكار الفطرية" ولكن وجهة نظره الرئيسية كانت ان العقل ليس متلقياً سلبياً بل هو ذات فاعلة مستقلة في بناء المعرفة، ورغم الاحتفاء بلوك على انه صانع الحريات الحديثة فانه كان بعيداً عن كونه ليبرالياً "حتى بمعايير زمنه"، على حد تعبير غوتليب. في هذذ الأثناء يقدم غوتليب محاولة باروخ سبينوزا ان يساوي بين الله والطبيعة على انها فكرة جذابة وجائزة، ونعلم انه عندما تحدث غوتفريد لايبنيتس عن كون كل شيء "الى الأفضل في أفضل كل العوالم الممكنة" فانه لم ينكر ان الحياة يمكن ان تكون بائسة الى حد اللعنة ايضاً بل كان بكل بساطة يذكّرنا بأن لا حول ولا قوة لدينا إزاءها. اما ديفيد هيوم فانه لم يأخذ نفسه هو على محمل الجد وكان يقوم بمناورات فلسفية خطيرة بروح فكاهية.&يختتم غوتليب برسم صورة مؤثرة للمفكر ديفيد هيوم الذي يقول انه اصبح القدوة المفضلة لفلاسفة القرن الحادي والعشرين. ويبدو ان هيوم كان "طبيعانياً" يروق له ان يصور الكائنات البشرية على انها حيوانات ذات احساس متضخم بأهميتها. وكانت لديه موهبة يُحسد عليها "لتعكير السلام"، بالمعنى الفلسفي للعبارة. ولكن انجاز هيوم الرئيسي انه لم يأخذ نفسه على محمل الجد: قام بمغامرات فلسفية على درجة عالية من الخطورة بفكاهة طيبة لا تكل، وكان دائماً على استعداد للاعتراف بأن قناعاته النظرية التي توصل اليها بجهود مضنية يمكن ان يتضح كونها مواطن ضعف تثير السخرية في شخصيته. وقال ان مَنْ تزعجه الجدالات المجردة عليه ان يخرج أكثر ويتواصل مع "حياة العامة" وبعد فترة سيتمكن من الاسترخاء حين يراها كلها "تتبدد هباء منثورا". &يكتب غوتليب "ان كل فيلسوف يحب ان يعتقد انه توصل الى خلاصاته نتيجة تعليل صارم" وفي القرن السابع عشر يبدو "ان الوقوع في حب الهندسة الرياضية كاد ان يكون من مخاطر المهنة". ولنأخذ ديكارت الذي نجد "ثقته بما يملكه من نور العقل المشرق" ولكن "ربما لم تكن لديه كل الاجابات". أما هوبز فهو كان "مأخوذاً" بهندسة رياضية قَبْلِية حتى انه "انجرف" وانتهى به المآل الى المبالغة في أحكامه الفلسفية. ولكن لايبنيتس هو الجدير بالاهتمام لأنه "يميل من الناحية العملية الى الخلط بين عقله وعقل الله". ويحذر الفيلسوف جونثان ري في مراجعته كتاب غوتليب الجديد من ان المؤلف يواجه خطر إضعاف دفاعه عن الفلاسفة الكبار بتصويرهم فنظازيين لا رجاء منهم، ضاعوا في احلام العقل والتنوير. يعمل غوتليب على الجزء الأخير من ثلاثيته بعد "حلم العقل" وحلم التنوير". ويمتد هذا الجزء من كانط حتى الوقت الحاضر. واعرب ري عن الأمل بأن يلجم غوتليب في كتابه الثالث تهكمه المتعالي ويعامل ابطاله بقدر أكبر من الاحترام.&Dream of Enlightenment: Rise of Modern PhilosophyBy Anthony GottliebW. W. Norton & Company, Inc.&&&
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
ما بعد الحداثة
غسان -
فعلاً انه حلم، وانتهى بيقظة العقل عن عبادة العقل.
شكرا لكل من ينشر الفلسفة
محمد الشعري -
أعتقد أن بالإمكان ، أو أعتقد أنه ليس من المستحيل تدريب نسبة معتبرة من عامة المثقفين على التفلسف بما يتضمنه من منهج علمي و مقاربات نقدية و تطورية و نسبية و مقارنة إذا إستطعنا نشر العقلانية من خلال حوارات راقية حول نصوص منتقاة بعناية من جهة و من خلال القدوة الأخلاقية في كافة الشؤون الخاصة و العامة من جهة مقابلة . أعتقد أن عدد الفلاسفة العقلانيين قد ينمو و أن تأثيرهم المجتمعي قد يزداد إذا نجحنا في إقناع عامة الناس بجدوى التفكير المنطقي و بأهمية الوعي و بضرورة بلورة مفاهيم أكثر صدقا و كرامة مما في الثقافات القديمة . فغالبية الناس في الفئات الشعبية الكادحة و ذات التعليم التقليدي و الثقافة التراثية لا تزال على يقين أن المنطق تهديد للنظام العام و محرض على التمرد فضلا عن أنه مخيف معقد مناقض لقوانين المجتمع و قد يرتد على صاحبه بإنتقام كل المستفيدين من الظلم أو من الجهل . إن تلك الغالبية الصامتة المهمشة من طرف المثقفين الحداثيين و طرف الأحزاب العلمانية لا تزال على يقين أن المنطق لا يجلب لها ما تحلم به و لا يمنحها راحة المجنون أو سعادة السكران ، و أن الوعي يؤدي بها إلى الشقاء بينما الإدمان على التدخين أو على الخمر أو على المخدرات يسكن معاناتها و يوفر بها بعض العزاء الوهمي . إن غالبية الناس لا تزال على يقين أن الصدق سذاجة تستحق الشفقة أو السخرية ، و أن الكرامة محض سراب أو مجرد توزيع أدوار بين من ينشر الفساد و من يتظاهر بمعارضته . إنها أغلبيية مقهورة بأنظمة إجرامية متخلفة و تغبوية و همجية تهين البشر بفرض الخرافات و بتمجيد الحروب و بتعظيم المجرمين . إنها أغلبية مظلومة و طيبة و مقهورة بعصابات مسيطرة على الشعوب كما على الحكومات بترويج الإدمان و الدعارة و شتى أنواع الإجرام المنظم و الأحقاد الدينية و السياسية بين البشر لإستعبادهم جميعا . إنها أغلبية صابرة تواقة للكرامة و للصدق و متطلعة للأخلاق رغم سوء أوضاعها الراهنة و رغم خوفها من إنتقام المافيات . وهذا الإستعداد الأولي الموجود حتى في حالة مفارقات و تناقضات لدى تلك الأغلبية قد يحفز بأشكال متعددة و متنوعة على نشر الفلسفة العقلانية و الأخلاقية إذا أدركت النخب مسؤوليتها في توعية شعوبها بالقدوة لا بالشعارات . و لهذا السبب أشعر بالإحترام و الإمتنان لكل من يساهم في نشر هذه الفلسفة .