قراءات

نيويورك تايمز تعتبرها واحدة من اهم روائيات هذا العصر

ايلينا فرانتي: الكتابة فعل ينبئ عن تباه وافتخار

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
&&اثار اثنان من الكتاب الأجانب اهتماما واسعا بهما في الاوساط الادبية على مدى العام ونصف العام الماضي بعد ترجمة بعض اعمالهما الى الانكليزية وهما النرويجي كارل اوفي كنوسغارد والايطالية ايلينا فيرانتي. واهتمامنا هنا بفيرانتي التي ما تزال شخصيتها الحقيقية مجهولة ولا تتوفر اي صورة لها وهي ترفض ان تسمح للاعلام بالتعرف عليها او بالتعريف بها وبتسليط الاضواء عليها حتى ظهرت تكنهات عديدة بشأن هويتها الحقيقية وشك البعض في انها كاتب رجل وليس امرأة. أما ما نعرف عنها حتى الان فهو انها في عمر الستينات وأنها من مدينة نابولي وأن كتاباتها رائعة للغاية. آخر رواياتها التي ترجمت الى الانكليزية تحمل عنوان "اولئك الذين يرحلون واولئك الذين يبقون" وهي روايتها السادسة ولكنها الثالثة ضمن سلسلة روايات عن فتاتين هما ليلا سيرولو وايلينا غريكو اللتين ترتبطان بعلاقة صداقة منذ الطفولة إذ كبرتا معا في احد احياء نابولي الفقيرة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.&ايلينا هي التي تروي القصة وتقول إنها بدأت تسردها بعد اختفاء ليلا المفاجئ في عام 2006. وفي الكتاب السابق الذي يحمل عنوان "صديقتي اللامعة" نكتشف أن ليلا شخصية شجاعة وفتاة جميلة تحظى بإعجاب الحي كله بها ثم نتابع والديها وهما يمنعانها من اكمال تعليمها ويدفعانها دفعا وهي في سن 16 الى صفقة زواج للحصول على شئ من المجد والمال.&وبعدها وفي رواية ثانية تحمل عنوان "قصة اسم جديد" نكتشف المشاكل التي يسببها هذا الزواج الذي لا يلبث ان ينفرط عقده. في هذه الاثناء، تتخرج ايلينا من الجامعة وترتبط بنجل اسرة لها مركز فكري وثقافي مميز ثم تبدأ تحت اشراف والدة زوجها بكتابة اول رواية عن سيرتها الذاتية.يتميز اسلوب فيرانتي في الكتابة بنفس محارب إذ تترك المجال لبطلتي رواياتها الثلاث التعبير بكل حرية وصراحة وجرأة عن مشاعر غضب واحباط أمام ضآلة الخيارات المتوفرة لفتيات من الطبقة العاملة داخل مجتمع يسيطر عليه الذكور والكنيسة. وربما يتجلى ذلك بأوضح أشكاله عندما تبدأ الفتاتان بتعلم اللغة الايطالية والتمكن منها وهي لغة الطبقة الوسطى المثقفة بعد ان كانتا تتحدثان بلغة نابولي الشعبية.&ويغطي الكتاب الثالث الفترة بين 1968 - 1976 التي تميزت ببروز حركات متطرفة في اوربا مثل مجموعة بادر ماينهوف في المانيا والألوية الحمراء في ايطاليا. وتعيش ايلينا في الرواية في حالة ميسورة تقريبا في مدينة فلورنسا مع زوجها واثنتين من بناتها وتبدو وكأنها حققت ما تريد من حياتها. أما ليلا فتعمل في مصنع لانتاج الصوصج وتربي ابنها لوحدها ثم تقوم بفضح عمليات فساد داخل المصنع ولكنها تتحالف في هذه الاثناء مع عدو سابق.&
أسئلة وأجوبةتبادل الكاتب الايطالي نيكولا لاجيويا (بدأ حياته الروائية في عام 2001) رسائل الكترونية مع الكاتبة فيرانتي طرح فيها اسئلة عن رواياتها ولاحظ في سؤاله الاول أن أهم ما يجذب الانتباه في رواية "صديقتي اللامعة" هو ذلك الترابط اللامعقول بين الشخصيات فعندما تختفي ليلا من حياة ايلينا مثلا، تبقى موجودة فيها في الواقع، مع افتراض ان العكس صحيح ايضا. وهذا الامر واقعي في الحقيقة إذ لا يتوقف الاشخاص المهمون في حياتنا عن البقاء فيها والتفاعل معها وملاحقتها وحتى توجيهها بشكل او بآخر رغم موتهم او ابتعادهم او انقطاع العلاقة معهم لسبب او لآخر بحيث من المستحيل التخلص او التنصل من هذا التأثير حتى يبدو الامر مثل لعنة او نقمة او ربما حتى مثل نعمة كما لاحظ لاجيويا. &وردت فيرانتي في الرسالة الالكترونية تقول "من اين أبدأ الحديث؟ من طفولتي ام من فترة المراهقة؟ بعض الاحياء الفقيرة في نابولي كانت مكتظة بالساكنين... نعم، ومكتظة بالمشاكل ايضا. من المستحيل ان يتمكن المرء من لملمة شتات نفسه هناك ومن التحدث وعادة ما يتعلم بأنه يصل الى اعلى مراحل التركيز مع بلوغ المشاكل ذروتها". وتضيف الكاتبة "في تلك الاماكن لم تكن الفكرة القائلة بأن كل (أنا) هي عبارة عن (آخرين) ومن انتاج (آخرين) مجرد نظرية، بل كانت واقعا معاشا. فأن تكون حيا معناه أن تصطدم بشكل مستمر بوجود الاخرين وان يصطدم الآخرون بك" وعندما يحدث وان تثير الاصطدامات حالات عدائية وعدوانية، يبدأ كل طرف بجذب الموتى من قبورهم ليشاركوا في المشكلة. وتضيف "لا أحد يكتفي بمهاجمة الاحياء واهانتهم بل جرت العادة ان تتم الاساءة ايضا الى العمات والخالات واولادهن والى الاجداد وآباء الاجداد الذين ما عادوا في عالمنا". وتقول الكاتبة إنها وصفت في رواياتها نساءا يعشن لحظات وحدة مطلقة غير انها تنبه الى أن الوحدة المطلقة او الصمت الكامل امر غير ممكن حتى لو قطع المرء جميع علاقاته منذ زمن بعيد سواء بسبب البعد المكاني او بسبب خصومات او بسبب الموت ثم تشرح بالقول "لا يمكنني أن افكر دون أصوات الآخرين، ناهيك أن أكتب. ولا اتحدث هنا عن اقرباء او صديقات او حتى اعداء بل اتحدث عن آخرين، نساءا ورجالا، ممن يوجدون اليوم في شكل صور فقط. انا اتحدث هنا عن الماضي، عن التركة، عن كل هؤلاء الاخرين الذين كانوا في احد الايام في هذا العالم والذين تحركوا او يتحركون الان من خلالنا". وترى الكاتبة ان كل امرئ في هذه الحياة مرتبط بالاخرين بشكل او بآخر وتقول "نحن عبارة عن حشد من الاخرين وهذا الحشد شئ مفيد جدا بالنسبة للادب" فمن خلال سرد قصة ليلا تسرد فيرانتي قصص حياة كل الاخرين بمن فيهم حياتها هي نفسها. &
لا خلاصاما السؤال الثاني الذي طرحه لاجيويا فيتعلق باللحظات التي تسوء فيها الامور في حياة ابطالها حيث يشتبك كل شئ وتضيع الخيوط والمديات وتشتد الازمة ملاحظا ان الكاتبة لا تفتح اي باب لتجاوز ما يحدث. غير ان الكاتبة عبرت عن استغرابها لذكر هذه الملاحظة وقالت إنها لا تؤمن بفكرة الخلاص والانقاذ وما شابه لأن ما يحدث في الواقع هو ان المرء يأخذ عادة خطوة الى الوراء عندما يواجه ازمة حادة او منعطفا ينشر في مفاصله الرعب وبعدها يقوم برسم قصة حياة خيالية جديدة لنفسه تساعده على البقاء والاستمرار. وتقول "أتشبث بالقصص المؤلمة، تلك التي تصعد من ازمة أوهامنا العميقة. احب الاشياء غير الحقيقية عندما تعطي إشارات عن إدراك أولي لحالة الرعب، وهو ما يعني بالنتيجة وعيا بأنها ليست حقيقية وبأنها لن تصمد طويلا أمام مجمل الاصطدامات" وتضيف الكاتبة متحدثة عن طبيعة البشر بالقول "البشر حيوانات عنيفة جدا والعنف الذي هم على استعداد دائما لاستخدامه لمنح انفسهم سترة الحياة الابدية التي تنجيهم وتمزيق ستر نجاة الآخرين، مخيف للغاية".&&التعليم، خلاص أم لا؟وفي سؤاله الثالث يتطرق لاجيويا الى قضية التعليم باعتباره ضمانة في الحياة ووسيلة لتحقيق التطور والصعود داخل المجتمع منطلقا في ذلك من مصير ليلا التي لم تكمل تعليمها. ورأت الكاتبة في ردها بأن التعليم في ايطاليا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عزز الهياكل الهرمية القديمة القائمة لكنه سمح ايضا باستيعاب، وإن كان متواضعا، لطاقات جديدة تستحق الاهتمام بحيث ان اولئك الذين ظلوا اسفل الهرم عادة ما يقولون لانفسهم "إلت الى هذا المكان لانني لم اشأ أن أدرس". &&وتلاحظ الكاتبة رغم ذلك أن ايديولوجية التعليم هذه ما عادت ناجحة اليوم لأن عددا كبيرا من الخريجين لا يجدون موقعا حقيقيا في الحياة رغم ما يحملون من اوراق اعتماد وشهادات ثم تشير الى أن التعليم كان مهما جدا في فترة ما لاسيما بالنسبة للنساء الفقيرات غير ان الامر اختلف الان بفعل فوضوية الحياة وظروفها المضطربة حيث هناك انفصال بين التعلم والذكاء. وترى الكاتبة أن شخصية ليلا تجسد ازمة المجتمع بشكل واضح وربما ترمز ايضا الى مستقبل احتمالي ولكنها تتساءل "كيف سنحل ازمات عالمنا المضطرب؟ هل يمكن تحسين التعليم كي يتوفر بشكل اكبر دون الحاجة الى ربطه بالطريقة التي نكسب بها قوتنا؟" واشارت الكاتبة الى مرحلة انحطاط في العملية التعليمية والتربوية حاليا لاسباب عديدة يرتبط بعضها بالعلاقة بين التعليم والذكاء. & &&الكتابة تباه وافتخارأما سؤال لاجيويا الرابع والاخير فعن علاقة الروائية بالكتابة وقد أجابت بالقول إن الكتابة فعل ينم عن تباه وافتخار وقالت "أدركت ذلك على الدوام ولذا اخفيت عن الاخرين، منذ فترة طويلة، كوني اكتب، لاسيما اولئك الذين احبهم. كنت اخشى ان اكشف عن دواخلي وان اواجه استياء الآخرين" ثم اشارت الى جين اوستن التي كانت تحرص على اخفاء اوراقها بطريقة ذكية ما ان يدخل احد الحجرة التي كانت تلتجئ اليها للكتابة. واضافت "هذا رد فعل اعتدت عليه: فانت تخجل من التمادي في التباهي علما الا شئ يمكن ان يبرر ذلك ولا حتى النجاح الذي تحققه. ومع ذلك هناك حقيقة ثابتة وهي انني اعطيت لنفسي الحق في تأطير آخرين وحبسهم في سجن أنشأته وفقا لما ارى وما اشعر به وافكر فيه واتخيله واعرفه. ولكن، هل هذه مهمة مفروضة؟ ومن فرضها؟ أهي وظيفة؟ ومن دعاني لها ومن كلفني بها؟" وتضيف "لا أحد، من الواضح انني انا فقط اعطيت الصلاحية لنفسي لفعل ذلك، أنا منحت نفسي، لاسباب غامضة حتى بالنسبة لي، حق وصف ما أعرفه عن زماني، وما يحدث امام عيني، اي وصف حياة فئة محدودة من الناس واحلامهم وأفكارهم الفنطازية وحواراتهم وكذلك وصف الأحداث التي تقع في مكان محدود المساحة وبلغة غير مهمة بل واصبحت اقل اهمية بالطريقة التي استخدمتها بها". وتضيف "يميل المرء الى القول: دعونا من المبالغة في ما نفعل، هذه مهنة لا غير. ربما، فهناك امور تجري بهذه الطريقة الان ولكن الامور تتغير ورداؤها اللغوي الذي نشرحها به يتغير هو الاخر. ثم يبقى الشعور بالفخر وبالاعتزاز ويستمر وأنا ابقى واستمر، انا التي امضي فترة طويلة من يومي اقرأ واكتب لانني كلفت نفسي بإنجاز مهمة وصفية. ولا يمكنني أن اطمئن نفسي وأن أهدئها بالقول إنها مجرد مهنة. فمنذ متى اعتبرتُ الكتابة وظيفة؟ أنا لم اكتب في حياتي كي اكسب قوتي. انا اكتب لاكون شاهدة على حقائق عشتها ولأنجز قياسات لنفسي ولآخرين طالما لم يستطع هؤلاء الاخرون او لم يعرفوا كيف يفعلون ذلك او ربما لم يريدوا القيام بذلك على الاطلاق. أو ليس هذا مصدر فخر واعتزاز؟ وإلا كيف نفسر (أنتم لا تعرفون كيف تنظرون إليّ ثم الى انفسكم أما أنا فأعرف كيف ارى نفسي وأراكم). ولا مناص. الامكانية الوحيدة امامنا هو وضع "أنا" في اطار أفق معين ثم خلق عمل منها ثم تركه، والانفصال عنه ما ان ينتهي الانجاز. وهذا في الواقع واحدة من علامات عديدة عن حياة تتميز بالنشاط".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف