ينشر بالعربية لأول مرة:
حوار مع جورج لوكاتش أجراه من الكاتب الكندي اصل عراقي نعيم قطان
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
&-هايدغر نازي وعلينا أن نعيد قراءة أرسطو للمرة العشرين!
-بيكت ينسحب امام الإستيلاب الحديث!
-جويس ملاحظ ممتاز وبروست كاتب مهمّ للغاية!
-سارتر كان شجاعا في الحرب الجزائريّة!
-أنا أعارض البيروقراطية في تحديدها لوظيفة الأدب!
عرف جورج لوكاتش المولود في العاصمة المجرية بودابست عام 1885 كواحد من المع واعمق المفكرين الماركسيين في القرن العشرين.وفي سنوات شبابه دَرَسَ في جامعة هايدلبارغ،ثم في جامعة برلين ،وفيهما آكتشف الماركسية ليظل منجذبا اليها حتى وفاته في الرابع من شهر يونيو-حزيران 1971. وبعد تخرجه ، عمل مساعدا لعالم الإجتماع الشهير ماكس فايبر.وفي عام 1917،عاد الى المجر ليشارك في جمهورية المجالس التي كانت تهدف الى اقامة نظام شيوعي .وفي هذه الفترة ،أصبح من المنظرين الكبار لما سمي ب"الإرهاب الأحمر".وبعد فشل الإنتفاضة الشيوعية ،هاجر الى فيينا،ثم الى برلين،ثم الى موسكو التي كانت تعيش سنوات "التطهير" الستاليني.وعند آنتهاء الحرب الكونية الثانية،عاد الى المجر ليصبح المنظر الأساسي للحزب الشيوعي .وفي عام 1956،عيّن وزيرا للثقافة في حكومة امري ناجي.غير أن الضربة القاسية التي اصابت "آنتفاضة بودابست" أجبرته على الهجرة الى رومانيا .وقد أمضى جورج لوكاتش السنوات الأخيرة من حياته منشغلا ببلورة نظريات حول الإستيتيقا الماركسية،محافظا على تعلقه بالواقعية في الأدب والفن،ومديرا ظهره لكل الحركات الطلائعية التي تجسدت عبر اعمال جيمس جويس،وصاموئيل بيكت ،والسورياليين،وغيرهم.وفي عددها رقم 500 الصادر في 15 ابريل-نيسان 1988،نشرت المجلة الفرنسية "La quinzaine littéraire” حوارا مع جورج لوكاتش أجراه معه الكاتب العراقي الناطق بالفرنسية،نعيم قطان المولود في بغداد عام 1928،والذي يعدّ من أفضل الكتاب في كندا حيث يقيم منذ الخمسينات من القرن الماضي.وقد أجري هذا الحوار قبل وفاة جورج لوكاتش.&ويشير نعيم قطان الى أن الحوار جرى في شقة جروج لوكاتش ،المشرفة على نهر الدانوب في بودابست.وفي بداية الحوار المذكور،قال جورج لوكاتش:”لقد شرعت في إنجاز عملي الحقيقي بعد أن أدركت سنّ السبعين.وثمة آعتقاد بأن هناك آستثناءات عدة للقوانين المادية.وفي هذا المجال ،أنا من أنصارأبيقور.لوقت مديد ظللت أبحث عن طريقي.كنت مثاليّا ،ثم هيغليّا)(نسبة الى هيغل)وفي كتابي:”التاريخ والوعي الطبقي ،حاولت أن أكون ماركسيّا.على مدى سنوات طويلة ،كنت موظفا لدى الحزب الشيوعي في موسكو.عندئذ تمكنت من أن أقرأ مرة أخرى من هوميروس حتى مكسيم غوركي. والى حلول عام 1930،كانت جميع كتاباتي تتمحور حول تجارب ثقافيّة.,ثم كانت هناك مخططات ومشاريع .وحتى وإن تجاوز الزمن هذه الكتابات،فإنه يمكن القول انها منحت الآخرين آندفاعا.ويبدو أنه أمر أمر غريبب ان أنتظر بلوغ سنّ السبعين لكي أشرع في إنجاز عملي الأساسي.الحياة ليست شيئا مهما.آنظروا الى ماركس ،هذا العبقريّ الهائل.هو لم يفلح في أن يقدم مخططا لطريقته.ونحن لا نعثر على كلّ الأجوبة في كتاباته.كان آبن زمنه.وأنا أستعمل منهجه في عملي حول الإستيتيقا .ولو كان على قيد الحياة اليوم ،لكان كتب عن الإستيتيقا،وأنا متيقن من ذلك.هنا يسأله نعيم قطان عن صداقاته في فترة الشباب عندما كان طالبا في جامعة هايدلبارغ ،وهل تعرّف على هايدغر ،وعلى ستيفان غيورغ،فيجيب لوكاتش قائلا:”لم اتعرف لا على هايدغر ولا على ستيفان غيورغ"يعلق نعيم قطان قائلا:”يقال أن هايدغر كان مع النازيين؟يردّ لوكاتش قائلا:”ليس من الضروري أن نقول هذا.هايدغر كان نازيّا.ليس هناك أدنى شكّ في ذلك.وعلى أيّة حال،كان دائما رجعيّا.من كان اصدقاؤك؟يسأله نعيم قطان،فيجيب:”ماكس فايبر الذي كنت مرتبطا به ارتباطا وثيقا".يكتب نعيم قطان هذه الملاحظة:”لوكاتش في زيّ العمل.بنطلون داكن اللون،سترة خاكيّة. صغير الحجم، وهزيل الجسد هو يعطي الإنطباع أنه يمتلك عالما.ونحن نغفل على أنه أدرك سن الثانية والثمانين"..يعود لوكاتش الى الحديث ،ويقول:”لي ثقة قليلة في الفكر المعاصر في الغرب سواء كان الأمر متصلا بالوضعيّة الجديدة أو بالوجوديّة.وأنا أرى أنه من المفيد أن نعيد قر اءة ارسطو للمرة العشرين.
يسأله نعيم قطان:هل تهتم بعلم الإجتماع؟يجيب لوكاتش قائلا:”رايت ميلّس* كان يهمني كثيرا.لقد كان له احساس بالواقع.وفي علم الإجتماع الأمريكي كان آستثناء.علم الإجتماع هذا لا يرضيني.فصل علم الإجتماع عن الإقتصاد يبدو لي أمرا أكاديميّا.ماركس لا يفصل بينهما.يشير نعيم قطان الى أن كثيرين يتحدثون عن ماركس شابا ،فيردّ لوكاتش قائلا:”إنه آبتكار من زمننا.التناقض الذي يبحثون عنه في أعماله وهميّ وخياليّ.وهو لم ينقطع أبدا عن تعميق فلسفته.وعليك أن تدرك أنه آهتم بالواقع أوّلا وقبل كلّ شيء.منذ أرسطو،كان هو الذي يمتلك معنى لكلّ ما هو موحّد ، أو منفصل،ليس في الكتب،وإنما في الواقع أيضا. لهذا السبب أنا بصدد بلورة انطولوجيا اجتماعيّة.علم آجتماع المجموعة؟آبتكار للتلاعب بالمجتمع.هل يمكنكم مثلا أن تذهبوا بعيدا الى حدّ الفصل ا بين حركة اليعقوبيين وبين مجموعات اليعقوبيين؟في علم الإجتماع ،من الضروري أن نذهب بعيدا لكي نصل الى الأساس الموضوعي للحركات.علينا أن نتناول الأحداث الكبيرة للحياة في شموليّتها.من غير هذا كيف نفسّر أن آستكشافات عبقريّة تنبثق في نفس الوقت في بلدان مختلفة ،وفي مجالات مختلفة.كيف نفهم الخيط الذي يربط بين نيوتن ولايبنيتز؟ الأحداث المنعزلة لا معنى لها إذا ما نحن لم نضعها في أفق شموليّ.&ويتحدث لوكاتش عن الإستلاب قائلا:”الإستلاب كان دائما موجودا في كلّ الحضارات.منذ نصف قرن،هو يوجد بشكل جديد.وكثيرون هم الذين يعتقدون أن الأمر يتعلّق هنا بمحصّل من محصّلات التكنولوجيا،في حين أن دراسة حول الجمْلَة تظهر أن التكنولوجيا ليست قوّة مؤسسة في ذاتها،وإنما هي نتيجة حركة القوى المنتجة.وهي ترتبط بالتركيبة الإجتماعيّة.علينا أن نركن دائما الى الطريقة الماركسيّة.&يسأله نعيم قطان:”نعود الى الأدب.ما هو رأيك في الأساليب التقنية الجديدة؟يجيب لوكاتش قائلا:”كلّ شيء مرتبط بما نحن نطبق عليه التقنية.أنظروا الى المونولوج الداخلي عند جيمس جويس،وعند توماس مان.بالنسبة لجويس هذه التقنية هي فعل في ذاته،وأما توماس مان فيستعملها كطريقة للبناء لكي يبرز شيئا آخر.وبقطع النظر عن كل هذه الأقنعة المختلفة،يمكن القول إن هناك جزءا كبيرا من الأدب الحديث لا يزال طبيعيّا.وهو لا يقدّم إلاّ صورة سطحيّة للحياة ،من دون ان يعكس الواقع.&يسأله نعيم قطان:وماذا عن مسرع العبث؟يجيب لوكاتش:”العبثي ليس إلاّ ما هو غريب ومتنافر.ومعنى هذا أنه لا جديد في هذه المسألة.آنظروا الى غويا،والى هوغارت ،ودوميي.عند هؤلاء العبثي يأتي من مقاربة بين حالتين:الحالة العادية وتغيّرها.والغريب والمتنافر لا معنى له إلاّ إذا ما كانت له علاقة بالإنسانيّ.عند كتاب كثيرين معاصرين،العبثي لا علاقة له بما هو إنسانيّ.وهو يعتبر كما لو أنه حالة طبيعيّة.وإذا نحن لم نميّز بين ما هو انساني وما هو غير انسانيّ،فأنّ معنى الإنساني هو الذي يُفْقَد.ونحن لا نحصل إلاّ على صورة فوتوغرافيّة فوريّة لجانب معيّن من الحياة.وهذا شكل آخر من المذهب الطبيعي في الأدب!وإذا ما كان اوجين اونيل مسرحيا بديعا ،فلأنه يقترح جدليّة حيّة للعلاقات بين ما هو انسانيّ وما هو غريب ومتنافر.لنأخذ كاتبا آخر:الروائي خورخي سامبرون.هو يستعمل المونولوج الداخلي لكي يبرز م معركة ضد الإستلاب الفاشي.عند بيكت ،هذه المعركة لا وجود لها.هو ينسحب أمام الإستيلاب الحديث!
يسأله نعيم قطان:هل هذا يعني موقفا سياسيّا من جانبك؟يجيب لوكاتش:ابدا.كاتب آخر أنا معجب به كثيرا.إنه توماس وولف.أعماله معركة ضدّ الإستيلاب في الحياة الأمريكيّة.وأنا معجب أيضا بويليام ستايرون،والزا مورانتي التي بحسب رأيي أكثر موهبة من زوجها مورافيا.أنا لا أبشر لا بتقنية ولا بايديولوجيا.ما أنا أدافع عنه هو استقامة الانسان وكماله ،وأنا اعارض كلّ أدب يفضي الى تدمير كلّ هذا.وأنا لا أنفي قيمة جويس أو بروست.فالاول ملاحظ ممتاز والثاني كاتب مهم للغاية.وستظلّ اعماله مؤثرة بشكل عميق في الأدب لأننا نجد فيها جدلية بين الماضي والحاضر.وهذا يسمح لنا بأن نموْضع مشكلة الإستيلاب.ولكن علينا أن نعلم بأن الماضي لا يكون له معنى إلاّ إذا ما كان فاعلا في المستقبل.وأنا لا اتحدث فقط عن المجتمعات ،وإنما عن الأفراد أيضا.هذا البحث عن الزمن المفقود هو فعل انسان لا مستقبل له.المصدر الاساسي لكل اعمال بروست توجد في الفصل الأخير من "التربية العاطفيّة"(رواية فلوبير-المترجم) عندما يتذكر فريديريك مورو ماضيه.&يسأله نعيم قطان:وماذا عن سارتر؟يجيب لوكاتش:إنه يتمتع بحيويّة كبيرة .وأنا أفهمه أفضل من ذي قبل منذ أن قرأت كتابه:”كلمات".يا له من عمل رائع!إنه يفسر وضع انسان لم تكن له ابدا علاقة بالواقع.وأنا أنتظر أن يصطدم سارتر بالواقع.لقد كان شجاعا خلال الحرب الجزائرية.&يسأله نعيم قطان:وكفيلسوف؟يجيب لوكاتش قائلا:”هو يتطور منذ "الوجود والعدم".وهو أقرب الى الماركسيّة.مع ذلك ،لديه ضعف.عندما تجبره الحياة على تغيير رأيه راديكاليّا،هو يرغب في أن يوهم بأنه يفعل ذلك من دون أن يقطع مع أفكاره السابقة.وفي كتابه:”نقد العقل الجدلي" ،هم يتقبّل ماركس،غيرأنه يريد أن يصالحه مع هايدغر.آنظروا الى هذا التناقض.هناك سارتر رقم واحد في أوّل الصفحة،وسارتر رقم 2 في ذيل نفس الصفحة.يا له من آلتباس في المنهج وفي الفكر!
يسأله نعيم قطان:هل هناك دور للكاتب؟يجيب لوكاتش:”الوجوديّون حرّفوا القضيّة .نحن لا نستطيع أن نختار لا مكان ولا تاريخ ولادتنا.نحن نقول نعم أو لا للواقع الموجود.ونحن نفعل ذلك رغما عنّا.الانسان كائن "مجيب".والأمر موكول له أن يقول نعم أو لا ،ولكن ليس موكولا له أن يقول نعم أو لا للواقع كما هو.وهذا الواقع هو واقع اليوم.وليس متوقفا عليّ أن تكون هناك سيّارات في الشارع ،أو أن تحبّ زوجتك وليس صديقة جدّتك.الإختيار الوحيد المتوفر لديك هو أن تقطع الشارع أو أن لا تحبّ زوجتك.العلاقة بين الحرية الداخليّة والضرورة الخارجيّة معقّدة للغاية.ماركس لم بنف الإختيار.هذا يبدأ بالعمل:البنّاء يختار حجرا ،وهذا الإختيار يخول أن يكون عمله جيّدا أو سيئا.والأمر القائم هو أنه ليس بآستطاعته ان يختار بين حجرين.،وليس بين حجرا وقطعة من البرونز.قضيّة الحرية والضرورة الإجتماعيّة لا بدّ أن تطرح في أفق تطوّر تاريخيّ.هذه قضيّة جدليّة.أن نتناول الحرية على مستوى غامض وملتبس ،هذا يؤدي بنا الى مواقف خاطئة.أنا أعارض البيروقراطيّة التي تحدّد وظيفة الأدب.حول الستالينية التي هي تحريف للماركسيّة ،لم أتردّد في عرض آرائي في زمن راكوزي**،وقدمت محاضرة وضحت فيها أفكاري.نحن لا نستطيع أن نتحدث عن الحريّة إذا ما نحن لم نقم بتحليل الوضع الملموس.أنا مع حرية الكاتب .لكن علينا أن نتفاهم.عندما في بلد اشتراكي ،يتمّ منع كاتب من التعبير ،أنا ارفع صوتي لإدانة مصادرة حريته،لكن ليس لقبول حريتكم أنتم الرأسماليين.شابا يافعا،فهمت هذا الدرس.ولفترة قصيرة،كنت ناقدا مسرحيّا في جريدة كبيرة.ولم تكن مقالاتي تعجب القراء لذا آستقلت من عملي.أنتم تعرفون مثلي أن حرية الصحافة لا توجد إلاّ بشكل نسبيّ.عندما في بلدان رأسمالية ،يكتب هذا أو ذاك في جريدة ،لا بدّ أن يعرف أن هناك خطوطا لا يمكن تجاوزها.لا بدّ من ممارسة بعض التوفيقات.من هذه التلاعبات الى الحرية هناك مسافة مديدة.البيروقراطيّة التي تهدّد الكاتب والصحافي في البلدان الاشتراكية ليست عير شكل آخر من اشكال التلاعبات،العنيفة هذه المرة.وإذا ما أنتم أردتم ان نتحدث حول هذين الشكلين من التلاعبات ،فإن نقاشنا سيكون له عندئذ معنى ،غير أنني لا املك الإدعاء الذي يريد أن تكون الحرية موجودة في هذا الجانب،وتكون مفقودة في الجانب الآخر .أنا ضدّ النقاش الغامض والملتبس.الماركسيّة تقودنا دائما الى ما هو ملموس.&&*شارل رايت ميلس (1916-1962) عالم اجتماع امريكي كان متأثرا بكل من ماركس وماكس فايبر.
**هو ماتياس راكوزي (1892-1971) من ابرز قادة الحركة الشيوعية في المجر وكان يلقب ب"التلميذ النجيب لستالين".
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف