إيلاف+

من أوكرانيا إلى السجن الإسرائيلي

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

أسامة العيسة من القدس: وقفت ايرينا بينسكي (29) عاما، اليوم، أمام محكمة عسكرية إسرائيلية، بكثير من الانتباه لتستمع إلى الحكم الصادر بحقها بعد ثلاثة أعوام من النظر في قضيتها.
وجاء الحكم مفاجئا، حيث حكمت المحكمة عليها بالسجن ثلاثة أعوام ونصف، رغم ان النيابة الإسرائيلية طلبت لها السجن المؤبد.
وبهذا الحكم غير المتوقع على هذه اليهودية الاوكرانية التي انضمت للمقاومة الفلسطينية، يضاف ورقة جديدة إلى ملفها الذي من الصعب ان يغلق خلال السنوات المقبلة.
وبدأت قصة ايرينا بينسكي، مع الهموم الفلسطينية، عندما التقت الشاب إبراهيم سراحنة (36) عاما في تل أبيب، وأدى ارتباط الاثنين بقصة حب إلى تغيير في مفاهيم اليهودية القادمة من أوكرانيا، وتفهم لظروف وأوضاع حبيبها الأتي من مخيم الدهيشة للاجئين قرب بيت لحم.
غزالة ابنة ايرينابعد ان تزوجت إبراهيم، أصبح اسم ايرينا بلنسكي، ايرينا سراحنة، وسكنت معه في مخيم الدهيشة وعاشت معاناة باقي سكانه وتخلت عن مجتمعها السابق بعد ان اكتشفت كما قالت "الأكاذيب الصهيونية المضللة وعرفت بان إسرائيل قامت على ارض مغتصبة من سكانها الأصليين، وليست دولة عدل ومساواة وواحة للديمقراطية، وأنها تمارس احتلال لشعب آخر ما زال ينبض بالحياة والمقاومة".
وأنجب الاثنان ابنة أسمياها غزالة، وعاشت ايرينا وعائلتها الصغيرة أصعب لحظات حياتهما في عام 2002 مع تعرض المخيم إلى توغلات متتالية من قوات الاحتلال الإسرائيلي، وسقوط العديد من الشهداء.
وفي مثل هذه الظروف تحول اتجاه زوجها إبراهيم الذي عرف ببعده عن الأمور الوطنية، وانضم لكتائب شهداء الأقصى، الجناح العسكري لحركة فتح، وأوكل إليه إيصال منفذي العمليات التفجيرية، ونجح إبراهيم الذي كان يجد متعة، كما قال فيما بعد، في سلوك طرق ملتوية للوصول إلى القدس، في إيصال الفتاة آيات الأخرس إلى القدس الغربية، حيث نفذت عملية كان لها صدى حينها.
ومع التضييق والحصار الذي كانت تفرضه سلطات الاحتلال، عرضت عليه زوجته مساعدته، وفعلا اصطحبها بسيارته يوم 22 أيار (مايو) 2002.
في ذلك اليوم جهزت ايرينا، الأغراض اللازمة لرحلة عائلية ووضعتها داخل سيارة زوجها، وأدرك سكان الحارة البسطاء في المخيم أن ايرينا وزوجها إبراهيم وابنتهم الرضيعة غزالة، مستفيدين من بطاقات الهوية الإسرائيلية التي يحملونها سيقومون برحلة ترويحية يحتاجونها لعلها تخفف وطأة ظروف قاسية وصعبة وأيام طويلة من الحصار والقتل.
وانطلقت السيارة لتتوقف في مكان ما آمن حيث ركب فيها شخص آخر هو عيسى بدير طالب المدرسة المتفوق الذي كتب على دفاتره المدرسية بجانب اسمه واسم مدرسته بان أمنيته "الشهادة في سبيل الله".
وركبت معهما أيضا الطالبة الجامعية عرين شعيبات.
ولم يكن أحد يعرف غير راكبي السيارة إلى أين سيتجه ايرينا وإبراهيم اللذين أصبح يشار إليهما في أوساط خلايا المقاومين السرية لكونهما خبيرين في الطرق وتجاوز الحواجز العسكرية للوصول إلى المدن والبلدات داخل الخط الأخضر.
ولم يكن إبراهيم وايرينا يدركان أهمية ما سيقدمانه للمقاومين، ولكنه كان أمر بالغ الأهمية كما أثبتت الأيام فيما بعد، استغل إبراهيم وايرينا هويتيهما وخبرتهما في الطرق والشوارع والأحياء في نقل عدد من منفذي العمليات التفجيرية في ظروف بالغة الحرج عاشتها المدن الفلسطينية خصوصا في ظل الحملات الاحتلالية المتلاحقة على تلك المدن في عام 2002 والتي بدأت في شباط (فبراير) وآذار (مارس) من ذلك العام ووصلت ذروتها في نيسان (ابريل) بعملية السور الواقي واستمرت فيما بعد.
في تلك الأيام كان إبراهيم وايرينا سببا في إنجاح تلك العمليات الانتقامية المدوية التي شهدتها خصوصا إحياء القدس الغربية، ولم تتمكن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية من معرفة دور أيرينا وإبراهيم في إنجاح تلك العمليات.
وفي ذلك اليوم 22 أيار (مايو) 2002 كان إبراهيم وايرينا يختبران مهاراتهما في الوصول إلى تل أبيب هذه المرة وكانت الخطة جديدة: إحداث تفجير، وكما هو متوقع يتجمع رجال الشرطة والمخابرات والمسؤولين، وعندها يتم إحداث تفجير آخر، وكان المقاومون يتوقعون صدى كبيرا لتفجيرين متتالين ضمن هذا المخطط.
وصل إبراهيم وايرينا إلى المكان الذي اقترحا تنفيذ عملية فيه وكان في مستوطنة ريشون ليتسيون المقامة على أنقاض قرية (عيون قارة) الفلسطينية الذين شرد أهلها عام 1948م.
ونزل عيسى بدير الطالب الذكي والمجتهد من السيارة يطبق التعليمات ونفذ عمليته التفجيرية المدوية.
ولسبب ما تعذر تنفيذ العملية الثانية التي كان من المقرر أن تنفذها عرين شعيبات التي تراجعت عن التنفيذ مع اقتراب ساعة الصفر.
وبعد ايام اعتقلت سلطات الاحتلال إبراهيم وايرينا، ونظرا لحساسية اعتقال الأخيرة أصدرت رئاسة مجلس الوزراء الإسرائيلي بيانا يوم الخميس 30 أيار (مايو) 2002، أعلنت فيه "أن يهودية إسرائيلية ساعدت في تنفيذ العملية الانتحارية التي وقعت في ريشون لتسيون 22-5-2002 والتي أسفرت عن مقتل إسرائيليين وإصابة آخرين".
وأشار البيان ا"ن قوات الأمن الإسرائيلية اعتقلت في 23-5-2002 ايرينا بينسكي -26 عاما- وهي يهودية هاجرت من روسيا إلى إسرائيل قبل 11 عاما، وزوجها الفلسطيني إبراهيم سراحنة -33 عاما- من الدهيشة قرب بيت لحم، وإن الزوجين اعترفا خلال التحقيقات بأنهما نقلا منفذ العملية الانتحارية من بيت لحم إلى ريشون لتسيون في سيارتهما".
وتعرضت ايرينا، لتعذيب قاس في معتقل المسكوبية بالقدس الغربية، وزارها في المعتقل هي وصديقتها عرين وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق بنيامين بن اليعازر وأعلنت عدم ندمها عما فعلته وفخرها بذلك وتنكرها للمجتمع الإسرائيلي.
وفيما بعد حكم على زوجها إبراهيم بالمؤبد 6 مرات، وأدلى إبراهيم من داخل سجنه بحديث للصحافي آلان فليبس من صحيفة التليجراف البريطانية، نشرته يوم الأربعاء 12 حزيران (يونيو) 2002.
وروى سراحنة تفاصيل عن ثلاث عمليات تفجيرية ساهم في إنجاحها، وقال عن العملية التي نفذتها آيات الأخرس يوم 29 آذار (مارس) 2002 "جلست آيات بجانبي، ومعها حقيبة مليئة بالمتفجرات، حملتها على كتفها، وقلت لها: إن كنتِ لا تريدين القيام بهذه المهمة فسألقي المتفجرات من نافذة السيارة، ونعود من حيث أتينا، لكنها قالت لي: لست خائفة، بل أريد قتل الإسرائيليين".
وتابع "أوصلتها إلى مكان العملية في متجر في القدس الغربية، وعدت بسيارتي، وبعد خمس دقائق سمعت ايات الاخرسصوت سيارات الإسعاف والشرطة، وفتحت الراديو لكي أستمع إلى أنباء العملية، وفرحت لأن آيات نجحت في تنفيذ مهمتها في اليوم الذي نشرت فيه الشرطة الإسرائيلية 1500 من قواتها لمنع وقوع أي هجوم".
واستعان إبراهيم بشقيقه موسى المعتقل الان، في توصيل منفذ أخر، حيث قاد سيارته ولم يكن بها احد غيره أمام سيارة أخيه الذي كان ينقل المنفذ، الذي نفذ عمليته لدى الوصول لنقطة تفتيش إسرائيلية في القدس الغربية.
ويقضي موسى الان حكما بالسجن المؤبد ويوجد شقيق ثالث لهما معتقل في السجون الاسرائيلية.
وقال إبراهيم بان عملية توصيل المنفذ عيسى بدير إلى ريشون لتسيون بتل أبيب، كانت الأصعب وهي العملية التي ساعدته فيها زوجته ايرينا.
ولم يبد إبراهيم ندما على ما فعله وقال للصحافي البريطاني "إذا كان شارون يشعر بالأسف لما سببه لنا فسأكون آسفا جدا، وإذا أخطأ شارون فسأكون أنا الآخر مخطئا، ولكن هذا غير صحيح، فالجنود الإسرائيليون يقتلون الأبرياء، وما فعلته جزء ضئيل مقارنة بما فعلوه".
أما ايرينا فبعد اعتقالها تم تأجيل محاكمتها عدة مرات، وقاومت ايرينا نية أجهزة الأمن الإسرائيلية لإبعادها عن البلاد، وقالت بأنها تفضل ان تمضي باقي حياتها في السجن على ان يتم إبعادها إلى أوكرانيا بعيدا عن زوجها المسجون وابنتها غزالة التي تعيش في كشف جدتها في مخيم الدهيشة.
وعندما تم اعتقل إبراهيم وايرينا كان عمر غزالة عامين وهي الان خمس سنوات، وأصبحت تدرك نسبيا ماذا حل بوالديها.
وتنتظر ان تلتقي أمها أخيرا بعد نحو ستة اشهر، إذا أطلقت سلطات الاحتلال سراح الام ولم تبعدها خارج البلاد وهو ما يسبب قلقا لدى غزالة وجدتها- كما قالت الأخيرة لايلاف.
وأضافت الجدة "منذ اعتقال أولادي الثلاثة وايرينا التي اعتبرها ابنتي ونار مشتعلة في صدري، ولكن الأكثر إيلاما كان وجود غزالة بعيدا عن أمها، وآمل أن يفرجوا عنها بعد ستة شهور ليلتئم شمل غزالة مع أمها".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف