البهائيون معقلهم في حيفا وحجهم إلى عكا

أسامة العيسة من حيفا: سيحتاج الداخل إلى مدينة حيفا، لوقت كثير لتذكر أين رأى حدائقا فائقة الجمال، مثل التي يجدها على يمينه، تتدرج على جبل الكرمل، وربما يمضي الوقت دون تذكر شيئا، لان حدائق البهائيين هذه، والتي تمتد لمئات الهكتارات، قد لا يوجد مثيلا لها.
تحيط هذه الحدائق بـ (المركز العالمي للدين البهائي)، والذي يضم ذلك المبنى الشامخ ذو القبة الذهبية، الذي يسمى (مقام الباب) وهو احد المبشرين بالبهائية، قتل عام 1850، وتم نقل رفاته إلى حيفا.

داخل مقام الباب
يبدو أن البهائيين يفرضون قدرا من السرية على نشاطاتهم، ويتعاملون بحذر مع الزائر الذي يريد أن يعرف أكثر عنهم من معلومات تتضمنها النشرة التي توزع على الزائرين باللغات العربية، والإنجليزية، والعبرية.
يسمح للزائرين بالدخول إلى المكان للزيارة، أربع ساعات في اليوم، وعندما طلبت مسؤولا للحديث معه، جاءت سيدة اميركية اسمها (جوانا جيوزانديز) من إدارة العلاقات العامة، قالت أنها متطوعة، بدون اجر مثل كل العاملين، وعندما أخبرتها بهويتي الصحافية، وأنني اعد تقريرا عن المكان، غابت فترة، لتشاور مسؤوليها، وعادت بعدة أسئلة مكتوبة استفسارية، وكتبت الإجابات، ثم غابت فترة اقل، ودعتني ومرافقي، إلى صالون ضيافة، يوجد فيه عصائر وبسكويت، وعلى الجدران علقت صورا لنشاطات بهائية في العالم، قالت جوانا انه بامكاني تقديم أية أسئلة أو استفسارات عبر الفاكس أو البريد الالكتروني، ورفضت التقاط أية صور لها، أو أية صور داخل صالون الضيافة، مشيرة إلى انه يمكن الحصول على أية صور بطلبها عبر الفاكس أو البريد الالكتروني.
سالت جوانا، عن الطريقة التي أصبحت فيها بهائية، وهل هنالك أحدا من عائلتها مثلها أيضا؟ فأجابت: بأنها كانت مسيحية، وتبشر لهذه الديانة، وكانت تعتقد انه إذا لم يكن الفرد مسيحيا فانه لا يكون صديقا لله، وفيما بعد أخذت تعتقد بان الله واحد، وان جميع الناس هم أصدقاء الله، وفي هذه الفترة التقت مع بهائيين، اخبروها أنهم يؤمنون بجميع الأديان، وبكل الرسل، فقالت لنفسها أن هذا الدين هو الذي تريده، وأصبحت، كما تقول بهائية بسهولة وكان ذلك عام 1969، وأشارت إلى أن أبويها أصبحا بهائيين.
وردا على استفسار قالت جوانا بان البهائي يؤمن بجميع الأديان، ولكنه لا يجمع بين دينين، أي بين البهائية ودين أخر.
وعندما طلبت منها زيارة مقام الباب، بعد أن كانت انتهت مواعيد الزيارة الرسمية، أجرت اتصالا هاتفيا، سمحت لي بعده بالزيارة، وقادتني، عبر الحدائق الرائعة، إلى القبة الذهبية، مع تنبيهات بعدم إصدار أية أصوات، والدخول بعد خلع الحذاء، خارج المقام وقفت إحدى البهائيات التي تحمل ملامح إيرانية واضحة، وفي الداخل كان كل شيء هادئا، وكانت أحدى البهائيات جالسة بخشوع بجانب المقام، وتقرا من احد الكتب، ولعله (الأقدس) وهو الكتاب المقدس لهم.
خرجت من المقام، وتحدثت مع بعض البهائيين، وعرفت انه يوجد نحو 700 بهائي في حيفا من مختلف الجنسيات.
واعتذرت جوانا عن عدم استطاعتها مساعدتي أكثر من ذلك، ودفعت لي بنشرة فيها المزيد عن البهائية.

البهائية: موجز رسمي
حسب المعلومات الرسمية البهائية، فإنها دين عالمي مستقل وليست فرقة تابعة لأي دين أخر، ومن ابرز تعاليمها أن الرسالات السماوية ما هي إلا مراحل متلاحقة في مسيرة البشرية نحو الكمال، وان الرسل أكدوا على الأسس الروحية الخالدة التي ترتكز عليها جميع الأديان، في حين فرضوا عبادات وشرائع خاصة تلائم عصورهم.
ويعترف البهائيون، كما يقولون بوحدانية الله، وبوحدة أنبيائه، وبوحدة الجنس البشري، وبان اتحاد بني الإنسان أمر ضروري ومحتوم، وينبذون التعصبات والخرافات، وان غاية الدين هي إعلان شأن المحبة والوئام، وان اتفاق العلم والدين أمرا جوهريا، ويقرون بان الدين هو السبب الأعظم في إقرار السلام والتقدم المضطرد للمجتمع البشري، وينادون بالمساواة بين الرجال والنساء وإتاحة الفرص والامتيازات للجنسين بدون تفرقة، ويرفضون تعدد الزوجات، ويعتبرون الطلاق أمرا مكروها، ويفرضون إطاعة الفرد لحكومته، ويرفعون من مقام العمل الذي يقوم به الفرد بروح الخدمة إلى مقام العبادة، ويحضون على اختراع لغة عالمية إضافية.
ويقول البهائيون بان "دينهم هو ثاني اكبر الأديان انتشارا في العالم، منتشر في 190 دولة مستقلة و46 إقليما تابعا، ترجمت أثاره إلى ما يزيد على 800 لغة".
وأخذت البهائية اسمها من (بهاء الله) الذي نفي إلى عكا عام 1868، ويقع ضريحه في (البهجة) على مسافة كيلو مترين إلى الشمال من عكا وهو بالنسبة للبهائيين أقدس بقعة في العالم، وأمضى بهاء الله نحو أربعين عاما سجينا ومنفيا، وتوفي في البهجة عام 1892، وهو لم يزل سجينا ودفن في المبنى المجاور للقصر ذي القرميد الأحمر المسمى بقصر البهجة والذي أمضى فيه سنواته الأخيرة.
وبالإضافة إلى مقام الباب على جبل الكرمل، يوجد بيت العدل الأعظم وهو أعلى هيئة إدارية للبهائية في العالم، وكذلك دار الآثار البهائية، وهي متحف خاص للآثار والمواد التاريخية البهائية.
ويلاحظ الاهتمام الفائق في تصميم هذه المباني، ونوع الحجارة والرخام ومواد البناء المستخدمة فيها.
أما أهم ما يمكن أن يشير إلى الوجود البهائي فهو الحدائق الرائعة التي تحتل جزءا كبيرا من جبل الكرمل في حيا، وأيضا توجد حدائق في عكا، وتقول عنها جوانا، بأنها صممت لتوفر الهدوء والطمأنينة، أما المزهريات والمصابيح وتماثيل النسور والطواويس وغيرها فقد اختيرت لروعتها الفنية، وليست ذات مغزى ديني.

بيكار في قفص الاتهام
في عام 1986، رفعت صحيفة (المسلمون) المحتجبة دعوة ضد الفنان المصري حسين بيكار وعشرات من البهائيين، أمام القضاء المصري، بتهمة تضليل ملايين البشر.
وبيكار المتهم الرئيس في القضية هو تشكيلي معروف، ولم ينكر التهمة، وقدم دفاعا أمام المحكمة يمكن أن يعطينا معلومات مهمة عن البهائية، بعيدا عن القضية وملابساتها.
قال بيكار أن البهائية ديانة مستقلة، بل هي جوهر كل الديانات، مشيرا إلى أنها ظهرت عام 1844 على يد حسين محمد علي الذي بشر بمجيء موعود أخر، وبان بهاء الله هو رسول العصر وهذا الزمان.
وأفاد بان البهائية ظهرت في مصر منذ أكثر من مئة عام في عهد بهاء الله نفسه ومستمرة حتى الان، وتم إنشاء المحافل البهائية علنا، وانه شخصيا انتظم في مجالسهم منذ عام 1943، وتدرج في المناصب حتى أصبح نائبا لرئيس المحفل المركزي لمصر والسودان وشمال أفريقيا وحتى صدور قانون جمهوري عام 1960 بحل المحافل البهائية، لكن البهائيين كما يقول بيكار، استمروا يتزاورون ويتزوجون من بعضهم.
وقال أيضا أن البهائية تؤمن أن كل قضية دينية يجب أن يكون لها أساس علمي عقلي، ومن مبادئها نزع السلاح ومنع الحروب بين الدول وان يكون هناك جيش عالمي، وإيجاد لغة عالمية بجانب اللغة القومية، وإيجاد نظام اقتصادي عالمي.
و حدائق البهائيين المطلة على خليج حيفاأشار إلى أن الأحكام المنزلة على بهاء الله هي من وحي الله ضمنها كتابه (الأقدس)، ولكن بهاء لم يفصح عن طريقة الوحي الذي نزل عليه، ولكنه كان وحيا باللغة العربية، وهناك وحيا بالفارسية أيضا.
وعن محتويات الكتاب الأقدس قال بيكار انه يحتوي على إحكام العبادات البهائية وأحكام المعاملات، مثل أحكام التقويم البهائي والذي يتبع التقويم الشمسي، حيث تقسم السنة إلى 19 شهرا والشهر إلى 19 يوما بالإضافة إلى خمسة أيام زائدة تسمى أيام البهاء، وهذه الأشهر من ضمن أسمائها: شهر الجلال، وشهر الفضال، والقدرة، والعظمة، واشهر أخرى، وان التقويم البهائي يبدأ بالسنة التي أعلن فيها البهاء دعوته، وكان ذلك في بغداد، حين أعلن انه الرسول الموعود.
وبالنسبة للعبادات، فهنالك الصوم، والصلاة، والزكاة، وبالنسبة للصوم فانه يبدأ في شهر بهائي يقابل 2 آذار (مارس) من كل عام، وينتهي في 21 من نفس الشهر، أما الصلاة فهي ثلاثة أنواع: كبرى زوال إلى زوال، ووسطى تؤدي ثلاث مرات في اليوم، وصغرى تؤدى مرة واحدة في اليوم.
أما الزكاة فيخرج البهائي 19% من صافي ربحه الذي يحتفظ به لمدة سنة للمحافل والتي تنفقها على الشؤون الدينية.
ويحرم الكتاب الأقدس الخمر والميسر والسرقة والرهبنة والاعتكاف، ويساوي في الميراث بين الذكر والأنثى، ويحرم تعدد الزوجات، والطلاق يجوز إذا استحالت الحياة بين الزوجين، وهو يتم بطلب من احد الزوجين بعد انتظار سنة تسمى سنة اصطبار يتم خلالها محاولة التوفيق، فإذا استحال ذلك يقع الطلاق.
وعن مفهوم اليوم الآخر والحساب قال بيكار بان الجنة هي إتباع تعاليم الله في الدنيا والآخرة، والنار عكسها أيضا في الدنيا والآخرة.
وأفاد بان هنالك نظام إداري في البهائية وهو القائم على تطبيق أحكامها، قاعدته المحافل المحلية ويعلوها المحافل المركزية وعلى قائمة الهرم بيت العدل الأعظم، الموجود في حيفا.
وبالنسبة للبهائي، فانه يتجه في صلاته نحو عكا، حيث دفن بهاء الله، وبالنسبة لإجراءات الزواج قال بيكار، بأنه يجب أن يتم بموافقة الأبوين والزوجين، ويتم دفع صداق من الزوج مقداره ما يعادل 19 مثقالا من الذهب في المدن و19 مثقالا من الفضة في القرى، والمثقال يعادل قيراط ذهب، وكان الزواج يتم في المحفل بحضور شاهدين عدل ويحرر احد أعضاء المحفل وثيقة مطبوعة بهذه الإجراءات، ويعتبر في مصر زواجا عرفيا لأنه لا يسجل رسميا، والطلاق يجري بنفس الصورة وله وثيقة مطبوعة.
وتوفي بيكار قبل ثلاثة أعوام، تاركا النقاش مستمرا حول البهائية، وحقيقتها وشخصية مؤسسها، وأهدافها، وعلاقتها بإسرائيل لوجود مركزها الرئيس في حيفا.
وبين النبوة والكفر والإيمان مسافات بين البشر، تقترب وتبتعد، وتطول وتقصر، وان لله في خلقه شؤون.