قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
خسرو علي أكبر من خوزستان: لم تعد الشعارات القومية الزائفة ذات رصيد يذكر بين العرب في اقليم خوزستان الايراني، اذ يتطلع الجيل الجديد من المواطنين العرب الى تأكيد هويتهم الايرانية والمطالبة بكافة حقوقهم كمواطنين ايرانيين من الدرجة الأولى، بعد ان اعتبروا من تجارب تاريخ اقليم خوزستان، وبعد ان تأكد لهم ان الأصوات التي تطالب بانفصال هذا الأقليم، تعمل وفق أجندة دول تهتم أولا وأخيرا بمصالحها في المنطقة. عشرات من الشباب الذين حاورتهم في أهواز وسوسنكرد والهويزة ومدن أخرى في رحلتي الى اقليم خوزستان في العام الماضي، كانوا من حملة شهادات أكاديمية أقلها الدبلوم، وكانوا يجيبون على أسئلتي باللغة العربية تارة وباللغة الفارسيةتارة اخرى، فتأكد لي أنهم يجيدون الحديث بطلاقة تامة باللغتين على خلاف معظم أبناء الجيل السابق الذي لا يكاد يجيد سوى عربية ذات لهجة عصية على الفهم أحيانا بسبب قدمها.
في المحمدية، جوار شارع مجاور لمسجد غير مكتمل البناء، لوّح شاب دون العشرين من العمر بعصاه كتحية شباب من عرب ايران يحضرون وجبة سمك مسكوف عابرة، كان يرعى عددا من الأغنام، وقد طلبت من السيد بوعذار الذي رافقني مشكورا طوال الرحلة التي استمرت ثلاثة أيام، أن يركن السيارة إلى جانب الطريق، لمحاورة خالد، كانت ثيابه مهترئة وطبقة سميكة من الأوساخ تغطي يديه، قال انه حاصل على شهادة الدبلوم في العلوم الانسانية، ولكن الظروف العائلية الصعبة دفعته لرعي الأغنام، لكنه لم يفقد الامل بمواصلة تحصيله الدراسي قط : " ليست بعيدة الجامعة الحرة في الاهواز، لكن خوزستان هي أبعد مكان في العالم، ما إن يترقى أحدنا في دراسته أو عمله حتى ينسى مسقط رأسه تماما، الأوفياء تركوا لنا مساجد غير مكتملة البناء، أما مصانع تعليب تمورنا، فهي منتشرة في مدن تقع خارج الاقليم، أصدقاء لي يقطعون مئات الكيلومترات للعمل هناك مقابل راتب شهري لايتجاوز المئة دولار، اسمحوا لي أريد أن أبتعد عن هذا المكان،أريد أن أرعى أحلامي، أن أخدم في المستقبل أهلي هنا، وللساسة أن يصدروا من مكاتبهم في اوروبا البيانات والنداءات،أما شيوخ العشائر فثمة نسبة عالية منهم وجدوا حلا للضجر والكسل الذي يصيبهم اثر جلوسهم الدائم في المضيف، انه الادمان على الترياق، لعبة جديدة وترف عشائري عصري،ربما أبدو عصبيا وحادا في كلامي، هذه سمة الشباب العرب هنا، إما أن نعبّر عن رفضنا لهذا الواقع المرير بالعمل والتفكير المغاير وإما أن ننساق للغوغائية العربية التي تخدع بعضنا لارتكاب أعمال اجرامية باسم النضال والصمود وما شاكل ذلك من شعارات تافهة "ودعنا خالد بعد أن لاحظت أن عبرة غيرت نبرة صوته، كان على شرف البكاء وربما لهذا السبب أدار ظهره لنا بسرعة وراح يركض نحو أغنامه.حينها قال لي بوعذار بحكم عمله في قسم الخدمات في مدينة الهويزة:"ثمة عشرات من أمثال خالد من الشباب الحاصلين على الشهادات الأكاديمية ممن اضطروا للعمل في القرى من أجل إعالة عوائلهم، الفقر ظاهرة منتشرة في أقاليم عديدة في ايران ولكن جهات سياسية منحرفة تحاول أن تعطي لهذه الظاهرة بعدا قوميا وتسعى إلى توريطهم في أعمال اجرامية تستهدف الأبرياء، ولكي نقطع الطريق على هؤلاء الأشرار لابد من توعية الشباب العربي وتنشيط الخدمات الاجتماعية والظروف المعيشية، وقد صار الكثير من الجيل الجديد واعيا بالحقوق القانونية التي أقرها الدستور الايراني لجميع المواطنين بغض النظر عن هويتهم القومية، ولكن لاشك في أن صعوبات عديدة تواجههم ومنها البنية التقليدية التي ما زالت تتحكم بحياة ومصائر العرب الخوزستانيين، الشباب العربي يحاول أن يصوغ هويته الايرانية ولكنه لا يلقى الدعم لا من البنية الاجتماعية من جهة، ولا يجد الطريق مفروشا بالورود من قبل الوسط الايراني غير العربي ".
في بيت السيد أبي أحمد، وهو رجل في الستين من العمر، إلتقيت ابناءه كمال وعلي واحسان، لقد دعونا إلى تناول الطعام، أخبرهم الصديق بوعذار عن هدفي من الزيارة، وبعد أن أكملت أول جملة باللهجة العراقية،عقّب والدهم :":الله ما أجمل اللغة العربية الفصحى، ابني كريم يقيم في اميركا منذ عشرين عاما، أحيانا يكتب لنا عن صعوبات الغربة وحنينه الى اللغة العربية، واحيانا يكتب لنا عن حقيقة الحياة هناك، وربما لهذا السبب لم يعد يفكر أحد من أبنائي بالسفر الى الخارج ".
سألت كمال سؤالا محددا، هل عانيت من سلوك عنصري تجاهك كعربي اثناء اقامتك في طهران؟فاجاب :" درست في قسم العلوم السياسية في جامعة طهران، لم أشعر بأي نفس
عنصري في الحريم الجامعي، كانت هناك تصرفات تنم عن العنصرية تصدر من قبل أشخاص ذوي مستويات ثقافية متدنية، انهم يجهلون أبسط الحقائق عن العرب،الجهل برأيي هو مصدر العنصرية، واذا تكلمنا عن مثقفين ايرانيين عنصريين، فمواقفهم كانت عبارة عن ردود فعل هائجة بسبب المد القومي في النصف الثاني من القرن الماضي ".
أما علي فقد رأى أن العنصرية تجاه العرب تراجعت بعد الثورة الايرانية بعد ان قدم العرب الخوزستانيون آلاف الشهداء في الحرب التي شنها النظام البعثي البائد ضد ايران، أضاف علي :" لقد برهنت لنا الجرائم البشعة والمجازر التي ارتكبها النظام البعثي بحقنا وتهديمه لمدننا وقرانا وقتله الأبرياء من أطفالنا ونسائنا وشيوخنا،واستخدامه الأسلحة الفتاكة ضدنا، أن الأنظمة العربية التي ساندت النظام العراقي المقبور في شعاراته وحربه، انما استغلت عروبتنا لمصالحها ولتصفية حساباتها مع ايران، واليوم يسعدني أن أكون فخورا بايرانيتي وبعروبتي، ولكنها عروبة غير متوترة وليست عدائية تجاه الآخر فنحن نعيش في بلد يضم عشرات القوميات والأقليات، وليس هناك تمييز دستوري ضدنا، أما العنصرية فلا بد من القضاء عليها بالسبل الصحيحة، وأنا أعتقد أن على النخب المثقفة في كل قومية تقع مسؤولية مواجهة العنصرية، لابد من اشاعة ثقافة احترام الآخر، ومن حسن الحظ أننا نشهد صعود جيل من المثقفين العرب الخوزستانيين الذين ينقدون بشدة النفس العنصري المنتشر بيننا تجاه الآخر الفارسي أو الآذري أو الكردي،كما أنهم يشيدون جسورا للثقة بيننا وبين الآخر على خلاف بعض الاعلاميين من عرب خوزستان الذين يثيرون النعرات العنصرية والأحقاد التاريخية، ولا يرون الآخر الا في جانبه السلبي، شخصيا أعرف صحافيين خوزستانيين، يرتزقون من خلال عملهم للصحف والفضائيات الغوغائية العربية، أليس من العيب أن يكتب أحدهم عن الرمح الفارسي في القرن الواحد والعشرين، أو أن يربط صحافي آخر سياسة ايران بالعهد الصفوي وينسى أن السياسة الايرانية ترسم وفق المصالح الاستراتيجية الراهنة، الذين يشوهون قضية عرب خوزستان في الاعلام العربي انما يسيئون إلى أنفسهم بسبب تمسكهم بالفكر البعثي الشوفيني الذي أضر العرب بقدر ما أضر بغيرهم ".
khesroaliakber@yahoo.com
التحقيق منشور في ايلاف دجتال يوم الجمعة 22 ديسمبر 2006
انقر هنا لقراءة التحقيق ببرنامج بي دي اف