إيلاف+

اصفهان من عاصمة الصفويين لعاصمة العالم الاسلامي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


خسرو علي اكبر: لاشك ان العبارة التي يحلوا للأصفهانيين ترديدها افتخارا بمدينتهم والتي تقول "أصفهان نصف العالم"تنطوي على مبالغة كبيرة مقارنة بمدن عالمية كمدريد وباريس وفنسيا وبراغ.ولكنك اذا استفسرت من أحد أبناء مدينة اصفهان عن السبب في هذه المبالغة فسيبررها من الناحية التاريخية فقد كانت مدينة اصفهان في عهد الصفويين أهم وأعظم مدينة في العالم احتضنت الفنون والاداب والعلوم والصناعة ثم يردف لك قائمة طويلة بامتيازات المدينة وخصوصياتها غير المتوفرة في أية مدينة أخرى من العالم.
ومازالت اصفهان هي المدينة الاولى التي تنافس طهران من ناحية جدارتها بان تكون عاصمة ايران.فلهذه المدينة اضافة الى البعد التاريخي الدور الصناعي والاقتصادي الكبير ولابد من الاشارة انها اول مدينة في ايران احتضنت اكبر المشاريع الصناعية الحداثية واضخمها في مطلع القرن العشرين.لكن توافد عشرات الألوف من السواح من جميع ارجاء العالم الى عاصمة الصفويين انما يعود الى الفن المعماري والطرز البنائية التي لايمكن العثور على مشابه لها في كافة ارجاء العالم.يقول المستشرق الاميركي البرفسور ريتشارد مورتل الذي زار المدينة مؤخرا "لقد انقضت ثلاثة اسابيع عشتها بمتعة لامثيل لها بلمحة بصر.ان هذه الأسابيع الثلاث تكاد لاتكفيني لتأمل مسجد الامام ومسجد شيخ لطف الله والمسجد الجامع.يكاد أن يحتاج المرء لشهر بأكمله ليتمتع بمشاهدة عظمة فن المعمار الاسلامي"ويرجح السواح ان يقضوا اول ايام اقامتهم في مدينة اصفهان في الذهاب الى ميدان نقش جهان الذي يعتبر من أهم معالم المدينة وقد وصفه الفيلسوف العربي عبد\ الرحمن بدوي في سيرة حياته بالعبارات التالية:" "
وتحيط الميدان مجموعة من الفنادق الفاخرة التي يفضّل السواح الاقامة فيها خصوصا وأنها تشرف على نهر زايندة رود الذي يمنح المدينة الدفء والنشاط ويستضيف بضفافه الشاسعة زوار المدينة في ليالي الربيع والصيف.فهذا النهر يقطع آلاف الأميال من المناطق الجبلية الوعرة ليستضيف السواح من مختلف بقاع العالم في أماس هي أقرب الى الرؤيا والسحر من الواقع.فتحت طوق الجسور تنصب المقاهي الفلكلورية ارائكها فوق الجداول اما الطوابق العليا المشيدة على شكل بوابات متراصفة و التي تعتبر من التحف المعمارية الفريدة فهي غالبا ما تكتظ بعشاق يؤدون المقامات الغنائية التي تفضح الى حد ما حكاياتهم الغرامية المريرة.
ان الاضواء المنبعثة من بوابات جسر "سي وسه بل" تجعل من حديقة بوستان سعدي المنطقة الأكثر جمالا وجاذبية في المدينة حيث الذوق الرفيع في تنسيق اسوار الشمشاد وارفع درجات فن البستنة وتنسيق الحدائق.


نظرة تاريخية
تقع اصفهان في سهل شاسع تحده الجبال الجافة والصحراء المركزية ونضرا لموقعها الاستراتيجي الهام ذكرها عالم الجغرافيا اليواني استرابون في القرن الاول الميلادي باسم "گابة" وحدد موقعها في مركز السهل الايراني واعتبرها من مراكز اقامة السلاطين الايرانيين.اما بطلميوس فقد ذكرها في القرن الثاني للميلاد باسم اسبادان اشتقاقا من مفردة سباه بمعنى الحرس.فيما يذكرها المرخون المسلمون ومن ضمنهم حمزة اصفهاني وياقوت حموي باسم سباهان.وقد ضمت في العهد الساساني قلعة حصينة لجأ اليها يزدجرد الثالث بعد هزيمته في معركة نهاوند التي انتصر فيها المسلمون على آخر سلاطين الساسانيين.وقد فتحها المسلمون في عهد الخليفة الثاني واستمرت سيطرتهم عليها حتى نهايات الخلافة العباسية وقد شهدت اصفهان توسعا كبيرا في عهد الخليفة العباسي المنصور.كما شيد الولاة القصور الفخمة والحدائق الجميلة.ثم خضعت المدينة لحكم ابوعلى حسن بويه لمدة اربعين عاما توسعت فيها المدينة اكثر من ضعف حجمها السابق وشهدت تطورا معماريا كبيرا.وفي عام 443 ه.ق وبعد حصار استمر عاما كاملا فتحها طغرل بيك السلجوقي واعتبرها دارالسلطنة ونقل اليها كنوز الري ثم انجز الكثير من المشاريع المرانية فيها.و لوزير السلاجقة خواجه نظام الملك طوسي يعود الفضل في استقرار المدينة من الناحية الأمنية وانجاز مشاريع عمرانية ضخمة منحت المدينة رونقا وجمالا لم تعهده من قبل.كما ان أغلب الحدائق والبساتين ذات المساحات الشاسعة يعود تاريخها الى عهد السلاجقة ولهذا السبب عرفت بالحدائق السلجوقية ومن أشهرها حديقة كاران التي ذكرها المؤرخ الشهير مافروخي اصفهاني في القرن الخامس للهجرة في كتاب حمل عنوان محاسن اصفهان.واحتوت الحديقة على قصرين كبيرين أحدهما يشرف على نهر زايندة رود والآخر على شارع الميدان.وقد كسبت هذه الحديقة شهرة كبيرة وذكرها كبار الشعراء الفرس وفي طليعتهم حافظ شيرازي:"ثمة مئات الانهار تجري في العين،لكن الخلود لنهر حديقة البستان ". ومن الاحداث التاريخية المهمة التي شهدتها مدينة اصفهان المذبحة التي نفذها جنود تيمور الأعرج وتشييد الابراج من جماجم اهالي المدينة وقد استمرت هذه الابراج منصوبة في مناطق مختلفة من المدينة لايام عديدة.
مع اختيار السلطان الصفوي الخامس شاه عباس الاول اصفهان كعاصمة للصفويين من بعد تبريز وقزوين وذلك في عام 1007 ه.ق تحولت اصفهان الى مركز ثقافي وفني والى مركز للابداع المعماري.ويعتبر الكثير من المؤرخين الايرانيين ان هذه المرحلة تشكل المرحلة الأكثر ازدهارا وعظمة واستقرارا في التاريخ الايراني.وقد صمم شاه عباس الأول أن يجعل من اصفهان جنة أرضية وقد أشرف على المخطط العمراني بنفسه اذ تم اقامة شبكة واسعة من المساحات الخضراء في المناطق الحديثة الأنشاء ثم تتداخل هذه المساحات مع النسيج القديم للمدينة سواء من المركز أو المحيط.ان منظر البساتين والحدائق كان ساحرا بالنسبة للكثير من الرحالة الاوربيين الذين زاروا المدينة في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين ووصفوا اصفهان بروضة تطل من بين اشجارها الكثيفة قباب ومنارات المساجد.اما تعداد نفوس سكان المدينة في تلك الحقبة فلم يتجاوز الستمائة الف نسمة حسب تقديرات الرحالة بيترو دالا والا وجان شاردن.
الرحالة السويدي انغبرت كمبرفت الذي زار ايران مع وفد من السفارة السويدية وأقام في أصفهان 20 شهرا يسجل في مذكراته الأنطباع التالي:"لم أشاهد طوال حياتي وفي جميع رحلاتي شارعا يضاهي من ناحية الروعة والجمال شارع جهارباغ في اصفهان" اما الرسام الفرنسي اوغين فلاندن ومواطنه المعمار باسكال كيسته فقد كتبا عن رحلتهما الى اصفهان بعد قرن من زوال السلالة الصفوية ما يلي:" في كل طرف من الشوارع أربعة صفوف من الأشجار الباسقة.شوارع طويلة وممتدة لايمكن للناظر ان يرى نهايتها".

جماعة اصفهان وتجديد النثر الفارسي
ان سهم الاصفهانيين في تجديد النثر الفارسي يتحدد بنقطتين هامتين الاولى تعود الى رائد القصة الفارسية المعاصرة محمد علي جمال زادة.ومع ان هذا الكاتب الكبير قضى أكثر ايام حياته خارج ايران كما ان مجموعته القصصية الاولى التي احدثت انقلابا في كل معايير النثر الفارسي والتي عنونها ب "الفارسية سكّر" كتبها اثناء اقامته في مدينة كربلاء العراقية.وعلى الرغم من انه قضى اكثر من سبعين عاما من حياته في سويسرا الا ان تاثيرات البيئة الاصفهانية تتضح من خلال روح الفكاهة والسخرية اللاذعة التي لاتفارق قصص هذا الرائد الكبير.اما النقطة الثانية فتتعلق بجماعة اصفهان الادبية التي شكلت تيارا ادبيا ترك تاثيراته العميقة على المشهد القصصي الايراني.وهو تيار ساهم في تكوينه مجموعة من الأدباء الاصفهانيين المبدعين كانت لهم لقاءات متتالية.ولاشك ان للحياة المدنية العصرية اسهامها الكبير في دعم هذا التيار بالفكر المغاير والمتمرد على السنن التقليدية والثقافة الكلاسيكية.وقد رفدت جماعة اصفهان الثقافة الايرانية الحديثة باهم الاصدارات الثقافية وفي طليعتها مجلة "جُنك اصفهان" ومجلة "زنده رود"
وعلى ذكر اسهام الاصفهانيين في الحركة الثقافية في ايران نورد في نهايه هذا التحقيق انطباعات الشاعر ادونيس الذي زار المدينة مؤخرا:لو شئت أن تزن اللون في اصفهان،لأحتجت الى جميع المثاقيل التي تخبئها الرياح.خير لك،اذا ان تقف على عتبة الخط والنقش والرقش.ولاتلوموني،اذا لمت الحبر الذي توغل بعيدا بعيدا في فضاء الجمال -شهبا، وهالات، واقواس قزح،وقمرا وشمسا.
كلا، لم أكن أسير تحت سقف الواقع،كنت أسير تحت سقف المخيلة -في الصورة والتوهموالاحتمال،كنت أتنقل في عربة محبوكة بخيوط تنزل عمودية من مغزل السماء".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف