هجرة العقول تستنزف امكانات الدول العربية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
خالد طه من الدوحة:أصبحت ظاهرة هجرة العقول العربية الى الخارج خاصة الولايات المتحدة وكندا وبعض الدول الاوروبية هاجساً مخيفاً للحكومات والمنظمات على حد سواء، وقدرت التقارير ان تلك الهجرة التي لا تتوقف تسببت في خسائر مالية تتجاوز 200 مليار دولار.
مؤتمر القاهرة الذي انعقد مؤخراً ناقش هذه الظاهرة الخطيرة، وتوصل من خلاله المتحاورون الى مجموعة من الاسباب التي تقف وراء هذه الهجرة وعكفوا على محاولة ايجاد الحلول الناجعة لتجاوز سلبياتها خاصة اذا علمنا
الهجرة المصرية
تعتبر مصر اكبر الخاسرين من هذه الهجرة حيث تشير احصااءات الجهاز المركزي للاحصاء الى ان عدد العلماء الذين غادورا مصر يصل الى 24 الف عالم وخبير في شتى الميادين على راسهم زويل واسامة الباز و جراح القلب العالمي مجدي يعقوب ولا زال العدد في ازدياد.
وتشير الاحصاءات الى ان مصر قدمت نحو 60% من العلماء العرب والمهندسين الى الولايات المتحدة الاميركية، وان مساهمة كل من العراق ولبنان بلغت 10% بينما كان نصيب كل من سوريا والأردن وفلسطين نحو 5%.
الجامعة العربية
وتشير احصاءات جامعة الدول العربية ومنظمة العمل العربية وبعض المنظمات المهتمة بهذه الظاهرة الى ان الوطن العربي يساهم بـ 31 هجرة الكفاءات من الدول النامية، وأن 50% من الاطباء، 23%من المهندسين، 15% من العلماء من مجموع الكفاءات العربية يهاجرون متوجهين الى أوروبا والولايات المتحدة وكندا بوجه خاص وأن 54% من الطلاب العرب الذين يدرسون بالخارج لا يعودون الى بلدانهم ويشكل الاطباء العرب في بريطانيا حوالي 34% من مجموع الاطباء العاملين فيها، وان ثلاث دول غربية غنية هي اميركا وكندا وبريطانيا تتصيد نحو 75% من المهاجرين العرب.
ويؤكد الدكتور عبدالسلام نوير مدرس العلوم السياسة بجامعة أسيوط في داسة حديثة ان الخسائر التي منيت بها البلدان العربية من جراء هجرة الأدمغة العربية بلغت 11 مليار دولار في عقد السبعينيات، وان الدول الغربية هي الرابح الأكبر من 450 ألفاً من العقول العربية المهاجرة وان الخسائر الاجتماعية نتيجة هذه الظاهرة تقدر بـ 200 مليار دولار.
وتضيف الدراسة أنه في حين تخسر الدول العربية وفي مقدمتها مصر من ظاهرة هجرة العقول فإن اسرائيل المستفيد الاول من هذه الظاهرة بفعل الهجرة عالية التأهيل القادمة اليها من شرق أوروبا وروسيا وبعض الدول الغربية.
وتذكر الدراسة ان مصر تعد الخاسر الأكبر من هجرة الكفاءات في الكم المطلق ففي اميركا حوالي 318 كفاءة مصرية، كندا 110، استراليا 70 و35 في بريطانيا، 36 في فرنسا، 25 بألمانيا، 14 في سويسرا، 40 في هولندا، 14 في النمسا، 90 في ايطاليا، 12 بأسبانيا وفي اليونان 60 وتحظى الولايات المتحدة بالنصيب الأكبر من الكفاءة والعقول العربية بنسبة 39% تليها كندا 3، 13% ثم اسبانيا بنسبة 5، 1% وتتضمن هذه الارقام العديد من الفئات في مهن وتخصصات مختلفة وتتجلى الخطورة في أن عدداً من هؤلاء يعملون في أهم التخصصات الحرجة والاستراتيجية مثل الجراحات الدقيقة، الطب النووي والعلاج بالاشعاع والهندسة الالكترونية والميكرو الكترونية، والهندسة النووية، علوم الليزر، تكنولوجيا الانسجة والفيزياء النووية وعلوم الفضاء والميكروبيولوجيا والهندسة الوراثية مضيفا أنه حتى في العلوم الانسانية كاقتصاديات السوق والعلاقات الدولية، هناك علماء متخصصون.
وتلفت دراسة الدكتور نوير الى القنوات الرئيسية لهجرة الكفاءات العربية الى البلدان الغربية وهي الطلاب في الجامعات الغربية لاسيما المبعوثين الذين ترسلهم الجامعات والمراكز البحثية ولا يعود هؤلاء الى بلدانهم الأصلية مؤكدا أن مصر تعد من أكثر الدول معاناة من هذه المشكلة حيث قدر عدد من تخلف من مبعوثيها في العودة اليها منذ بداية الستينات وحتى مطلع عام 75 بحوالي 940 مبعوثا بنسبة 12%من مجموع المبعوثين خلال تلك الفترة وتركز معظمهم في اميركا، كندا، فرنسا، بريطانيا وكانوا من المتخصصين في الهندسة والطب والأبحاث الزراعية وخلال الفترة من 70 إلى1980 لم يعد الى مصر 70% من مبعوثيها في الولايات المتحدة.
نزيف الادمغة
بعض المفكرين يرى ان الوطن العربي لا يعاني من نزيف الدم فحسب بل هناك ما هو اشد من ذلك يقول المفكر والكاتب نايف كريم : ليس الدم وحده الذي ينزف في الوطن العربي بل إننا نعاني من نزيف أعمق وأخطر وأشد إيلاما، إنه نزيف الادمغة. ومكمن الخطورة في هذا النزيف القاتل أنه يتم بهدوء من دون ضجيج كالذي يثيره نزيف الدماء مع أن مفاعيله وآثاره أشد وطأة على مستقبل الوطن العربي وتصيب أضراره كل مواطن عربي ولعدة أجيال. ذلك أن حرمان عجلة التقدم في أي بلد من العقول والادمغة والخبرات اللازمة لتحريكها يترك آثاره السلبية على مختلف نواحي الحياة الاقتصادية والصحية والتربوية... إلخ.
ويقول تقرير الامم المتحدة للتنمية البشرية في الوطن العربي للعام 2002 ان أكثر من مليون خبير واختصاصي عربي من حملة الشهادات العليا او الفنيين المهرة مهاجرين ويعملون في الدول المتقدمة ليسهم وجودهم في تقدمها أكثر ويعمق رحيلهم عن الوطن العربي آثار التخلف والارتهان للخبرات الاجنبية.
السير نحو شعلة الحضارة.
وتاكيدا لهذا يقول الدكتور فاروق الباز، وهو من كبار العقول العربية التي هاجرت من مصر منذ ستينات القرن الماضي، والذي يشغل حاليا منصب مدير مركز الاستشعار عن بعد في جامعة بوسطن بعدما عمل لسنوات طويلة مع وكالة الفضاء الاميركية lt;lt;ناساgt;gt; في مشاريع استكشاف القمر والفضاء، يقول إن لكل عالم وخبير عربي اسبابه الخاصة التي دفعته الى الهجرة. وهذه تضاف الى الاسباب العامة المشتركة في الوطن العربي حيث لا احترام للعلم والعلماء ولا تتوفر البيئة المناسبة للبحث العلمي والابداع. وبالتالي فمن الطبيعي أن يبحث العالم العربي وطالب المعرفة عن المكان الذي تتواجد فيه شعلة الحضارة. إذ عندما كان العالم العربي يحمل شعلة الحضارة قبل مئات السنين كان يأتيه المفكرون والخبرات والعقول من كل حدب وصوب، وبما أن شعلة الحضارة انتقلت الى الغرب فمن الطبيعي أن يهاجر الخبراء والعلماء الى المراكز التي تحتضن هذه الشعلة.
ويذكر تقرير رسمي حول العمالة العربية المهاجرة أعده المدير العام لمؤسسة العمل العربية الدكتور إبراهيم قويدر أن عدد حملة الشهادات العليا فقط من العرب المهاجرين الى أميركا واوروبا يبلغ 450 ألف عربي. ما يعني أن الولايات المتحدة ودول غربي اوروبا توفر مليارات الدولارات نتيجة لهجرة العقول والمهارات إليها. إذ لم تتعب هذه الدول لتنشئة وتدريب هذه العقول ولم تتكلف عليها، فيما تحمل الوطن العربي كلفة تنشئتها وتدريبها. وهكذا يذهب إنتاج هذه العقول الجاهزة ليصب مباشرة في إثراء البلدان المتقدمة ودفع مسيرة التقدم والتنمية فيها في ما يخسر الوطن العربي ما أنفقه ويخسر فرص النهوض التنموي والاقتصادي التي كان يمكن ان تسهم هذه العقول في إيجادها.
تجدر الاشارة الى أن عددا من الدول العربية كالكويت والعراق وليبيا وضعت برامج وخططا وافتتحت مراكز للبحث العلمي لتشجيع العقول العربية المهاجرة على العودة إلا أنها لم تنجح إلا باستقطاب القليل من الخبرات نظرا لعدم شمولية المعالجة وعدم النجاح في إيجاد بيئة علمية مستقرة. بل إن بعض المصادر تشير الى أن بلدا كالعراق هاجر منه 7350 عالما في مختلف المجالات ما بين عامي 1991 و 1998 نتيجة الاوضاع التي كانت سائدة في العراق وظروف الحصار الدولي التي طالت الجوانب العلمية.
من المسؤول؟
سؤال يطرح عن نفسه عن تفشي هذه الظاهرة ويستفز المواطن العربي كثيرا عندما يسمع بأخبار نزيف الدم في أي بلد عربي، لكنه لا يشعر بتاتا بنزيف العقول العربية. بل تراه يسهم به عبر دفع ابنائه المتميزين الى الهجرة لإكمال دراساتهم العليا وبناء مستقبلهم من دون ان يكون لنا الحق في لومه على ذلك. فالمواطن الفرد ليس مسؤولا عن عدم توفر البيئة العلمية المزدهرة في الوطن العربي وإن كان شريكا مع المجتمع ككل الذي يتحمل مسؤولية افتقاد هذه البيئة.
ومن كان حريصا على إيقاف نزيف الدم العربي عليه أن يعمل اولا على إيقاف نزيف الادمغة العربية. إذ لن يتوقف نزيف الدم العربي قبل ان يتوقف نزيف الادمغة العربية، فالامة التي تفرّط بعقولها تهون على اعدائها