إيلاف+

إيلاف في مخيم المغازي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

شوارعه بدت كانها ساحة حرب حقيقية
مشاهد الخراب والدمار في مخيم المغازي وسط قطاع غزة أعادت لأذهان سكانه فصول من النكبة الأولى


أشرف سحويل من غزة: لم يكن مواطنو مخيم المغازي للاجئين وسط قطاع غزة يعلمون ما يخبيء لهم القدر وما كانت تخبئه لهم الة الحقد والإجرام الإسرائيلية التي اجتاحت مخيمهم الذي عرف بالهدوء على مدار السنوات الماضية حتى إبان الانتفاضة الأولى. وبدت شوارع المخيم الذي تعرض للاجتياح فجر الاربعاء الماضي وانسحبت منه فجر الجمعة الماضي وكانها ساحة حرب حقيقة، فالدمار والخراب طال كل شيء،واحرقت قوات الاحتلال الاخضر واليابس في هذه الرقعة الصغيرة من قطاع غزة وقد اختلط حطام السيارات باعمدة الكهرباء بينما تناثر ركام عدد من المنازل على طول الطريق المؤدي الى شرق المخيم، وقد قطعت خطوط الهاتف والكهرباء بسبب تدمير أعمدتها فيما بيوت العزاء لستة عشر شهيدا خمسة منهم من الاطفال ارتقوا الى العلا في هذا العدوان الوحشي، فيما اصيب 128 فلسطينيا بينهم 35 طفلا غالبيتهم بترت اطرافهم.
كان سكان المخيم يتعرضون في السابق لاجتياحات محدودة وقصيرة لا تترك اثأرا ملموسة، لكن هذه المرة اوغلت قوات الاحتلال الغازية في دماء سكان المخيم قتلا وتشريدا وتدميرا فقتلت منهم ستة عشر مواطنا خسة منهم من الأطفال ودمرت عشرات البيوت على رؤوس ساكنيها وارتكبت فظائع ستظل نتائجها حية وخالدة في نفوس أبناء المخيم جميعهم.
مئات المواطنين الذين خرجوا بعد انسحاب القوات الغازية لمخيم المغازي خرجوا يلملمون جراحهم ويتفقدون الخراب والدمار الذي خلفته ومنهم ماهاله حجم الدمار الذي حل ببلدتهم التي عرفت بهدوئها ومنهم من لم يتماللك نفسه لهول المفاجاة.
وقال سكان المخيم ان ستة عشر شهيدا بقوا في ثلاجات الموتى في مستشفيات وسط وجنوب القطاع لثلاثة ايام لم يتمكن ذويهم من دفنهم خوفا من الة البطش الاسرائيلية التي قضت على الاخضر واليابس في اجزاء كبيرة من المخيم.
مجزرة بشعة بكل معاني الكلمة ارتكبت بحق المواطنين الفلسطينيين في مخيم المغازي الذي تعرض للاجتياح الاسرائيلي فجر الاربعاء الماضي واستمر لمدة 48 ساعة، حيث استخدم الجيش الإسرائيلي خلال العملية أسلحة فتاكة للمرة الأولى أدت إلى استشهاد وإصابة عدد كبير من المدنيين، وتحولت أجساد معظم الشهداء والمصابين إلى أشلاء مقطعة ومتفحمة بفعل شظايا صواريخ طائرات الاستطلاع الإسرائيلية وقذائف المدفعية.
اما المصابين، فقد اصبحوا غالبيتهم من اصحاب الإعاقة الدائمة في حين لا يزال أكثر من 30 مصاباً بحالة الخطر الشديد يرقدون في مستشفى الشفاء بغزة ومستشفى شهداء الأقصى بدير البلح.


استهداف الاطفال مسلسل مازال مستمرا
وكعادته في كل اجتياح فقد استهدف الجيش الإسرائيلي عددا كبيرا من الأطفال مما أدى إلى استشهاد خمسة منهم في حين أوقع إصابات بالغة وصلت لأكثر 35 إصابة يعاني الكثير منها بترا في الأطراف كما استخدم من الاطفال دروعا بشرية.
يقول الطفل أحمد علي صيدم: " كنت أقف قرب منزل يعود لآل العجوري ورأيت صاروخ طائرة استطلاع يتجه نحوي على بعد 3 أمتار فأصبت في ساقيي بإصابات بالغة وشظايا في كافة أنحاء الجسم".
وأضاف أنه شعر في بداية الإصابة بآلام في ساقيه قبل أن يغيب عن الوعي، وتابع قائلاً: " كنت أحاول أن أقف في منطقة بعيدة عن تجمع للمواطنين إلا أن ذلك لم يحول دون إصابتي ".
المواطن محمد أبو لبدة الذي يرقد في مستشفى شهداء الاقصى قال أنه كان يحاول تفريق نحو 20 طفلا تجمهروا حين قصفتهم دبابة بقذيفة مدفعية شرق مخيم المغازي مما أدى لإصابته إصابات بالغة في قدميه ويديه، فيما عاودت طائرات الاستطلاع قصف تجمع الأطفال مرة أخرى مما أوقع عدد كبير من الجرحى.
وأكد أحد المقاومين من ألوية الناصر صلاح الدين أنه كان يقف قرب منزله حين تجمع حوله مجموعة من الأطفال قبل أن تقصفهم طائرة استطلاع بصاروخ أدى إلى إصابة واستشهاد العديدين.
وأضاف أثناء مكوثه في المستشفى حيث اختفت أجزاء كبيرة من ساقيه ويديه المصابتين: "استشهد طفل في المجزرة وأصيب أطفال كثيرين، وأصبت أنا وشقيقي بشظايا الصاروخ "، وتابع : " لا يأخذ الإنسان إلا نصيبه وسنواصل المقاومة رغم الجراح والحمد لله على كل حال.".
ولم يتسع مستشفى المحافظة الوسطى الوحيد "مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح" لحجم الإصابات التي كانت تتوافد عليه في كل ساعة نظرا لخطورتها التي كانت في معظمها بترا في الأطراف وشظايا قاتلة.
في حين أكد الدكتور حابس الوحيدي رئيس قسم الجراحة في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح أن المستشفى استقبل أكثر من 13 شهيدا و130 إصابة كانت معظمها في حالة الخطر حيث تم تحويل بعضها لمستشفى الشفاء والأوروبي وناصر.
وأشار الى أن إمكانيات مستشفى شهداء الأقصى متواضعة، لكن الطواقم الطبية عملت بكامل قوتها لعلاج المصابين والتغلب على مصاعب العمل والتعامل مع العدد الكبير من الإصابات التي بترت أعضاء أصحابها وتحولت إلى أشلاء".
بدوره أكد سمير زقوت منسق وحدة البحث الميداني في مركز الميزان لحقوق الإنسان أن ما قام به الجيش الإسرائيلي في مخيم المغازي يعتبر جريمة حرب وانتهاك فاضح للقانون الدولي وقوانين حقوق الإنسان. موضحا أن إسرائيل مستمرة في ارتكاب جرائم حرب واضحة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، منتقدا المجتمع الدولي الذي انتقل من حالة الصمت الرهيب إلى التواطؤ الكبير.
وقال: إن ما حدث في مخيم المغازي عقوبة جماعية أكدت كل من المادة 146 و147 من ميثاق جنيف على ضرورة ملاحقة مجرمي الحرب وإيقافهم لكن المجتمع الدولي تحلل من واجباته تجاه هذه الجريمة موضحا ان طائرات الاستطلاع قصفت أحد المواطنين عندما كان يقف وحده في تصعيد إسرائيلي لم يشهده مخيم المغازي من قبل على طول سنين انتفاضة الأقصى في حين استهدفت الطائرات أماً وطفلتها قرب منزلهما.


قصة الاجتياح
وكانت قصة الاجتياح بدأت عندما تصدت المقاومة للجيش الإسرائيلي الذي حاول اقتحام مخيم المغازي ببسالة الأمر الذي فاجأ الجيش الإسرائيلي ودفعه للانتقام بقتل مزيد من المدنيين والأطفال.
وأكد أحد المقاومين من كتائب القسامأن مجموعة من كتائب القسام كشفت تحركاً لمجموعة من القوات الخاصة الإسرائيلية كان تقوم بجولة شرق مخيم المغازي موضحا انه عندما وصلنا لبعد أمتار منهم عرفنا بأنفسنا أننا من كتائب القسام وطلبنا منهم أن يعرفوا عن أنفسهم فرد أحدهم بلكنة عربية مكسرة أنه من كتائب القسام لنتأكد أنهم من القوات الخاصة ونشتبك معهم".
وأضاف: " تمكنا من قتل وإصابة ما لا يقل عن خمسة منهم وسمعنا صراخهم قبل أن تظهر الطائرات المروحية والآليات التي جاءت من شرق المخيم لتبدأ عملية عسكرية موسعة حيث اراد الجيش الإسرائيلي عقب تلقيه ضربة قوية من المقاومة الفلسطينية أن ينتقم من رجال المقاومة فشدد من حصاره للمخيم ووسع من العملية العسكرية لتطال أكثر من ثلاثة محاور شرق وجنوب المخيم.
قصص مؤلمة لشهداء رحلوا
وتنوعت قصص الشهداء الذين روى أهلهم وأصدقاؤهم تفاصيل آخر لحظات قبل استشهادهم، ولعل أبرز هذه القصص التي يتحدث فيها جميع ابناء المخيم هي قصة والدة الشهيد عمر فرحان "32 عاما" الذي استشهد خلال هذا الاجتياح ويعتبر الشهيد الرابع من ابنائها فقد ودعت قبله ثلاثة شهداء من ابنائها واحد منهم في بداية الانتفاضة الحالية واثنين في الانتفاضة السابقة عام1987.
هذه الام الصابرة التي وصفها سكان المخيم بانها خنساء العصر لصبرها وجلدها قد ودعت ايضا ثلاثة شهداء من اشقائها خلال مسيرة المقاومة.
المواطن أسامة قنديل عم الشهيد سائد سامي قنديل أول شهداء المجزرة،والدموع تكاد تفر من عينيه إن ابن أخيه زارهم في المنزل في نفس ليلة استشهاده وطلب من جدته أن تصنع له طعام العشاء ثم قبلها وقال لها أنه يحبها قبل أن يمضي ليدافع عن مخيمه ويشتبك مع القوات الخاصة الإسرائيلية ويرتقي شهيدا.
الشهيد موسى قنديل البالغ من العمر حوالي 50 عاما،هو اكبر شهداء المجزرة الحالية يعتبر من نشطاء حركة حماس الأوائل في مخيم المغازي، وقد قصفت الطائرات المروحية ورشته مرتين متهمة إياه بوجود علاقة وثيقة بينه وبين كتائب القسام، حيث أصيب إصابات بالغة في ساقيه، وقد شوهد وهو يدخل المستشفى على قيد الحياة رافعاً أصبع السبابة مرددا للشهادة.
وتطول الحكايات عن شهداء المجزرة ولعل أغربها قصة الشهيد محمد عوض مهرة14 عاما من سكان جباليا الذي وصل إلى مستشفى شهداء الأقصى مجهول الهوية حتى عثر الأطباء في جيبه على ورقة كتب "أنا الشهيد الحي محمد مهرة".
في بيت عائلة العروقي كان المشهد اكثر يلاما فقد جلس الاطفال الصغار وقد علا نحيبهم وهم يودعون والدتهم حنان 45 عاما وابنتها فدوى العروقي 15 عاما واللتان اختلطت أشلاؤهما بشجرة الزيتون القريبة من المكان الذي تواجدتا فيه عندما قصفتهما طائرة استطلاع دون أي مبرر وحولتهما إلى أشلاء ولايزال ثلاثة من افراد العائلة يرقدون في المستشفى من اثار الاصابة.
وأكد أحد الممرضين العاملين في المستشفى أن آخر الشهداء الذين وصلوا إلى مستشفى الأقصى وجد في جسده قطعة كبيرة من لوحة إلكترونية مكتوب عليها "test j5 " وهو ما يعني أن الجيش الإسرائيلي يجرب نوعا جديداًَ من الأسلحة قبل أن يتحول جزئه السفلي وجزء من رأسه إلى أشلاء من شظايا صاروخ طائرة استطلاع فتاك.
وفي مكان غير بعيد من المخيم المنكوب وقف الطفل ايهاب سعيد 13 عاما يبحث بين ركام منزله الذي دمره الاحتلال عن بقايا مقتنياته وامتعته الشخصية عله يظفر بضشيء منها للذكرى ، لكن ذهبت محاولاته ادراج الرياح فيد بات المنزل اثرا بعد عين ويضيف الطفل ايهاب ببراءة الطفولة لقد اخرجونا من المنزل واوقفونا بجانب الدباباة انا واخوتي ثم جاءت دبابة ثانية وقصفت المنزل ودمرته.
وقد اعادت مشاهد الدمار والخراب التي احدثتها قوات الاحتلال في المخيم الى الاذهان مشاهد النكبة الاولى حيث رحل سكان هذا المخيم الفقير من قرى وبلدات مختلفة من فلسطين المحتلة عام 1948 ليجدوا لهم مستقرا ومكانا امنا في هذا المخيم ويقول المواطن محمد سعيد 67 عاما وهو يتفقد ارضه الزراعية التي جرفها الاحتلال هنا جئنا قبل نحو 58 عاما بعد ان طردنا من الارض التي ترعرنا فيه وها هي قوات الاحتلال تعيدنا الى تللك الفترة بتجرفيها وتشريدها للاسر في المخيم.
وعبرت كارين أبو زيد المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) عن "صدمتها" لما حدث في مخيم المغازي خلال الأيام السابقة وقال "إنه من الفظيع أن يقتل 16 شخصا، ويجرح 125 اخرين وتدمير العديد من البيوت، فقد دمرت أربعة بيوت بالكامل و16 بيتا دمرت بشكل جزئي وأن أكثر من 80 عائلة أصبحت بلا مأوى".
وقالت أبو زيد خلال جولة تفقدية لها في مخيم المغازي للآجئين وسط القطاع "أن هناك المئات من العائلات قد تأثرت بهذا الدمار الذي خلفه الاجتياح وكان الأكثر تأثيرا هو تدمير مصنع في المخيم تعتمد عليه سبعين عائلة فلسطينية في تحصيل رزقها"، وأشارت إلى أن "تدميرا جزئيا" لحق ببعض مدارس الأونروا بالمخيم حيث ستعمل الأونروا على إعادة بنائها قبل بدء العام الدراسي مطلع أيلول/ سبتمبر المقبل.


مشاهد من التشييع
وخرج أ آلاف المواطنين من شتى أنحاء المحافظة الوسطى لتشييع جثامين ستة عشر شهيدا في مشهد مؤثر ادمى قلوب الجميع ومن بينهم رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية الgt;ي قال أن الحكومة الفلسطينية ستبقى الوفية لدماء الشهداء والأمينة على حقوق ومستقبل الشعب والوطن.
وأضاف أن الحكومة لن تستسلم مهما بلغت التضحيات ومهما واجهت من مؤامرات، مشددا على وحدة الصف، وقال " آتيكم اليوم كمواطن ورئيس وزراء حتى أؤكد أن الدماء لن تذهب سدى".
واضاف " لقد رفعنا رؤوسنا وهاماتنا عاليا بصمود أهل المغازي وهم يدافعون عن مخيمهم بعد أن نزفت الجراح وأكرمهم الله بالشهادة.
وقالت أم إسماعيل ريان والدة أحد الضحايا، "وينك يا نصر الله خليهم (الإسرائيليين) يبكو على أولادهم مثل ما إحنا بنبكي على أولادنا".
وتوافد المئات على مشفى المدينة لرؤية عشرات الإصابات ما أن أزيح الركام عن الطرق المؤدية للمخيم، وكان من بينهم رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية، والذي تفقد الجرحى واستمع لتقرير حول وجود ما يزيد عن ثلاثين شخصا من بين المصابين ممن فقدوا أطرافهم.
وتجول رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل في شوارع المخيم المدمرة، وقال للصحفيين " بلا شك أن ما نراه هو جرائم حرب حقيقية فهناك استخدام لأسلحة فتاكة ربما تستخدم للمرة الأولى ضد الشعب الفلسطيني وهي أسلحة محرمة دوليا".
وقال هنية " ما جرى يؤكد أن الهدف منه القتل لأجل القتل وإلحاق أكبر الخسائر في أبناء شعبنا الفلسطيني وإحداث إعاقات للمئات من أبناء الشعب في الضفة الغربية وقطاع غزة ".
وأكد هنية، والذي قاطعته هتافات "يا نصر الله على الحدود علمهم خطف الجنود"، التي رددها المشيعون إنه "من الواضح أنهم يريدوا أن يكسروا إرادة هذا الشعب لكن إرادتنا قوية وعزيمتنا قوية وإن شاء الله سيكون لنا النصر ".
سكان مخيم المغازي المنكوب مازالوا يعيشون وقع الصدمة التي تعرضوا لها ومازالت صور الدبابت والاليات العسكرية والطائرات الحربية التي دكت مخيمهم ماثلة امام اعينهم ولن تمحى من ذاكرتهم.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف