دير جديد ينهض من انقاض قرن من الصراع بالضفة الغربية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
لوك بيكرمن نابلس: في غضون أسابيع وبمجرد الانتهاء من تركيب الاجراس والرخام قد تطوى أخيرا الصفحة الاخيرة من صراع دام قرنا من الزمان بخصوص دير للطائفة الارثوذكسية اليونانية في وسط الضفة الغربية. ويقع الدير عند بير يعقوب على مشارف مدينة نابلس الفلسطينية في موقع يذكر الكتاب المقدس أن المسيح توقف فيه في طريقه الى السامرة قبل ألفي عام وطلب من امرأة سامرية شربة ماء.
وبدأت عملية بناء كنيسة عند البئر في ظل حكم الامبراطور قسطنطين في القرن الرابع الميلادي لكن الدير لم يشيد في هذا المكان الا في عام 1908 تحت اشراف بطريرك طائفة الارثوذوكس في القدس.
ففي البداية كان الدير يتلقى تمويله من الفرع الروسي للكنيسة الارثوذكسية لكن مصادر هذا التمويل نضبت مع اندلاع الثورة البلشفية عام 1917. ولم يلق الدير أي عناية تقريبا على مدى الاعوام التالية لذلك المقبلة مع سقوطه ضحية للصراعات السياسية في المنطقة.
ولم تبد السلطات الفلسطينية موافقتها النهائية على استكمال العمل في الدير الا في عام 1998.
وبالنسبة للوستينوس مامالوس القس الذي أشرف على الدير لمدة 26 عاما فان الامر كان يستحق الانتظار حتى رغم أنه كان مصحوبا بالماسي التي من بينها مقتل سلفه.
ويقول القس وهو يجلس في الحديقة المقابلة للدير ويدخن سيجارة "مضى وقت طويل لذا فانه لاحساس رائع حقا أن أرى العمل فيه ينتهي."
وأضاف "اعتقد ان العمل سينتهي تماما خلال ثلاثة أشهر أو أربعة بعد 100 عام."
ويقول مامالوس ان العمل تأجل لعقود لان الاسرائيليين الذين يحتلون الضفة الغربية منذ عام 1967 لا يريدون بناء كنيسة ارثوذكسية يونانية على موقع يعتبره بعض اليهود مقدسا.
ويعتقد كثيرون أن مقتل سلف مامالوس في سرداب الدير له صلة بهذا النزاع رغم أن اسرائيل لم توضح سبب معارضتها للبناء.
واليوم يبدو الدير مكتملا الى أن تدخل من ابوابه حيث تصطف أعمدة مبنية على الطراز القوطي في صفين لدعم قبة السقف اذا لا توجد مقاعد كما يخلو الدير تقريبا من النقوش الدينية.
واحتجزت اسرائيل القرميد الذي تم استيراده من اليونان لارضية الدير فيما تقبع الاجراس التي سيتم تركيبها في ابراج الدير على الارض وقد تجمع عليها الغبار.
فقط السرداب حيث موقع البئر الذي اشتراه يعقوب بمئة قطعة من الفضة قبل أربعة الاف عام يبدو مشبعا بعبق تاريخي ودلالات دينية.
وتزين الايقونات جدران السرداب فيما وضعت شموع طويلة على الجوانب وتدلت الكؤوس من السقف المنخفض. وفي الوسط تجد البئر الحجري وعليه دلو معدني حديث مربوط بحبل.
ويمكن استخراج مياه نظيفة وباردة من البئر الذي يبلغ عمقه 40 مترا.
وقال واحد من صبيين فلسطينيين يساعدان في العناية بالدير "انها مياه حلوة وصحية لكل الناس."
لكن الى جانب الايقونات فان السرداب يحوي أيضا ذكريات عن مقتل الاب فيلومينوس سلف مامالوس الذي احتمى بالمكان في نوفمبر تشرين الثاني عام 1979 عندما اقتحم بعض الناس يعتقد انهم صهاينة متشددون الدير وهاجموه بالفؤوس.
ولم يعتقل أحد في الجريمة التي وقعت بعد ان جاءت جماعة صهيونية الى الدير زاعمة انه مكان مقدس لدى اليهود ومطالبة بازالة جميع الصلبان وغيرها من الرموز الدينية.
وبالنسبة لمامالوس الذي أمضى 46 عاما في الاراضي المقدسة كانت هذه ذكرى مروعة.
وقال القس (65 عاما) عن حياته في نابلس التي يعتقد انه لن يبارحها ابدا "قتلوا سلفي لذا فان الحياة هنا لم تكن دوما هادئة وسلمية."
ويقول سكان المنطقة ان العربية المتقنة التي يتحدث بها مامالوس تمتزج بمهارة بلهجة نابلسية.
ويتحدث مامالوس وهو راو مسل يتميز بلحيته الطويلة المصبوغة ببقع النيكوتين ست لغات ودائما ما يسارع للدخول في نقاش سياسي. كما انه لا يتورع عن انتقاد السلطات الاسرائيلية.
ويقول "الاسرائيليون يأتون دوما هنا ليتقصوا عنا وللتحرش بنا. في بعض الاحيان يعتقدون أن مقاتلين فلسطينيين مختبئون هنا. وذات مرة دمروا أحد أناجيلنا لانه كان باللغة العربية. لكنني أقيم القداس دوما بالعربية."
ونشب أحدث خلاف بينه وبين السلطات بسبب القرميد المحتجز لدى الجمارك منذ أسابيع. لكنه يعتزم اقامة قداس خاص بمجرد الافراج عن القرميد وتركيب الاجراس.
وقال وهو يتأمل الدير من الحديقة "سيكون من الرائع اقامة قداس هنا...انه جزء من الارض المقدسة. قد لا يكون جزءا كبيرا ولكنه جزء على أي حال."
رويترز