أربيل حاضنة التاريخ في كردستان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
جرجيس كوليزادة من اربيل: هولير، اربيل، أربائيلو، كلها أسماء لمدينة شهيرة لها مكانة واسعة في تاريخ منطقة الشرق الأوسط، اليوم هي عاصمة إقليم كردستان الذي يتكون الان من المحافظات اربيل والسليمانة ودهوك، تبعد المدينة جنوبا عن كركوك 96 كم وعن الموصل غربا 85 كم وعن بغداد جنوبا 360كم وعن السليمانية شرقا 112كم، تعتبر المدينة من المدن التاريخية العريقة وقد ورد اسمها في الكثير من المخطوطات والمدونات والمصادر والمراجع القديمة.
من جملة هذه المصادر، جاء في كتاب المرشد للمؤرخين طه باقر وفؤاد سفر " اربيل المدينة الاشورية الوحيدة التي ظلت مستوطنة ومحتفظة باسمها الى يومنا هذا، والمرجح ان اقدم ذكر لها كان في كتابات الملك السومري شولكي نحو 2000 سنة قبل الميلاد بصيغة اوربيلم، ووردت ايضا بهيئة اربيلم وانها كانت ضمن امبراطورية اور الثالثة 2050-1950 ق م، وجاء ذكرها أيضا في الكتابات الآشورية والبابلية بصيغة أربائيلو التي تعني اربعة الهة، حيث اشتهرت بكونها من مراكز عبادة الالهة الشهيرة عشتار التي نسبت اليها باسم عشتار اربلا، وورد اسم معبدها في الكتابات المسمارية بصيغة - أي كشان كلا - ومعناه بيت سيدة الاقليم، كما كان فيها معبد للالهة اشور، ووجدت بعض الاثار المكتوبة في قلعة اربيل منها لوح مكتوب للملك اشور بانيبال وتمثال برونزي
وجاء في كتاب المرشد أيضا ص 5-3 " ان مدينة اربيل التي تقع على بعد متساو تقريبا من النهرين اللذين يعرف كل منهما باسم الزاب، هي منذ القدم قصبة الاقليم الذي يحده من الشمال والجنوب هذان النهران، وقديما كان هذا الاقليم يسمى باسم العاصمة، فكان يقال له اديابين (Adiabin) وحدياب عند اهل الشام، وقد أطلقت كلمة حدياب في العهد الفرثي 148-226 ق م على هذا الاقليم، ولعل كلمة اديابين التي هي الاصل من كلمة حدياب مشتقة من كلمة زابين، والزاب في اللغة الارامية يلفظ بشكل ذاب فيكون معنى حدياب او اديانين (اقليم الزابين)".
وفي نفس هذا المسار، يسلط المؤرخ العراقي عبدالرزاق الحسني الضوء على مدينة اربيل فيقول عنها في كتابه العراق قديما وحديثا " ان النقوش الفارسية المكتوبة بالخط المسماري اطلقت كلمة اربيرة (Arbera) على اربيل، في حين سمتها المصادر اليونانية باسم اربيلا (Arbela)، ومعركة أربيلا معروفة وهي التي وقعت بين الفرس واليونانيين في عهدي الاسكندر الاكبر وداريوس الثالث سنة 331 ق م".
ضمن هذا السياق يذكر ان اربيل اشتهرت في المصادر الاشورية بانها الالهة البابلية الاشورية الشهيرة (عشتار)، حسب ما ذهب اليه الباحث طه باقر في كتابه من تراثنا اللغوي القديم، وهو يضيف "وقد سميت بـ (عشتار-اربائيلو) أي (عشتار اربيل) تميزا لها عن عشتار نينوى وعشتار اكد، كذلك عرف معبد عشتار في اربيل في النصوص المسمارية باسم (أي كاشان كلاما) ويعني في اللغة السومرية (بيت سيدة القطر)، واشتهر بانه كان من اشهر مراكز العرافة".
هذا بخصوص المصادر التاريخية القديمة، أما الكورد فيطلقون على مدينتهم التاريخية اربيل أسم (هةولير) ويعتقد البعض انها مشتقة من تحولات الاسماء (اربيلا الى اربيل، الى اروبيل، الى هةولير)، وبهذا الصدد يقول بشير فرنسيس وكوركيس عواد في مجلة سومر العدد 8 "ان الكرد يطلقون عدة صيغ على اربيل (اربيل - ارويل - اولير - هةولير)، بينما في الحقيقة ان تسمية هةولير هي الشائعة والمستعملة لدى اهالي المدينة ولدى كل الكرد". أما في المصادر العربية فقد اطلقت اسم أربل على مدينة اربيل، وهذه الكلمة تفيد في العربية بانها الخضرة بعد نزول المطر وسمي البلدانيون العرب ايضا اربيل (حزة) ويعتقد ان هذا الاسم مختزلة من كلمة حدياب.
وبخصوص مدينة أربيل أيضا جاء في كتاب اصول اسماء المدن والمواقع العراقية للمحامي جمال بابان الجزء الاول بغداد 1989، وصفا لموقع المدينة " تقع اراضي محافظة اربيل، ضمن المنطقة المحصورة بين وادي الزابين الاعلى والاسفل، وان حدود هذه المحافظة شمالا تركيا وقسم من اراضي محافظة دهوك، ومن الجنوب محافظة كركوك، ومن الشرق ايران وقسم من اراضي محافظة السليمانية، ومن الغرب محافظة نينوى، والمدينة تقع على خط عرض 36.11 درجة، وعلى خط طول 42.2 درجة شرقا، ومنذ العصور القديمة كانت مدبنة اربيل مركزا من مراكز الحكم، فطورا عاصمة لمملكة حدياب، وتارة مركزا لاحدى الامارات الكردية". وحاليا المدينة هي عاصمة لإقليم كردستان، فيها حكومة وطنية موحدة للكوردستانيين ورئاسة للإقليم والمجلس الوطني للبرلمان الكردستاني.
أما بخصوص القلعة العريقة المميزة لمدينة اربيل (قه لا) والفريدة في المنطقة، رغم وجود قلعة مماثلة في مدينة حلب السورية ألا انها غير مستوطنة، فقد ورد في كتاب (اربيل في ادوارها التاريخية) للكاتب المؤرخ زبير بلال من كوردستان أن "ابرز المعالم التاريخية في اربيل، القلعة، احتفظت بشكلها وبكونها اهلة بالسكان الى هذا اليوم، وليس غريبا ان يسمي الآثاريون اربيل بانها من اقدم المدن الحية في العالم"، حيث تقع القلعة في وسط المدينة، فوق تلة تشغل مساحة 60000 مترا مربعا، وارتفاعها حوالي 150 قدم، وقطره 400 ياردة.
أما بشأن ارتفاع القلعة في الازمان القديمة رغم استيطانها، فقد جاء في كتاب المرشد للمؤرخ وباحث الآثار العراقي طه باقر " يحتمل ان القلعة كانت اكثر ارتفاعا فيما مضى، وان (قارا قه للا Qaraqalla) الامبراطور الروماني الذي غزا اربيل بعد عودته من حملته على طيسفون في عام 216 م، هدم ذروتها ونبش فيها القبور التي تعزى الى الملوك الفرثيين) ".
وبصدد الوصول الى القلعة والدخول فيها في العهود القديمة، جاء في كتاب العراق قديما وحديثا " لا يمكن الصعود الى القلعة الا من درجين قديمين، ومن درج ثالث فتح قبل حوالي اربعين عاما، وكان الباب الرئيسي للقلعة. وقد اتخذ هذا الحصن مدة، دار الحكومة ومدرسة ومستوصف". وفي مجلة سومر لسنة 1949 ذكرت " ان القلعة ليست الا بقايا مدينة آشورية مهمة تعرف بأسم (أربا-ئيللو) مشيدة على تل أثري قديم العهد ".
وكما جاء في كتاب أصول أسماء المدن والمواقع العراقية للباحث الكوردي جمال بابان فان المصادر العربية القديمة أيضا تناولت المدينة وتطرقت الى قلعتها العريقة مثل كتاب ياقوت الحموي، حيث جاء على ذكر اربيل فقدم وصفا لازدهار المدينة ودور تجارتها ولقلعتها الواقعة على تل عال، فقال عنها " لها خندق وسور يحيطان بالمدينة، وفيها سوق عظيمة، ومسجد عظيم لا زال موجود يقال له مزكه وتى يه نجه ". وبعد مرور المدينة بهذه المراحل التاريخية، ظلت القلعة الى فترة العقود الاخيرة من الحكم الملكي محتفظة بهيكلها القديم الى نهايات الخمسينات من القرن الماضي، وكانت تتكون من محلات تسكنها عوائل كوردستانية من أديان مختلفة منها اسلامية ويهودية وكانت فيها كنيسة لممارسة الشعائر الدينية اليهودية، وفي وسط القلعة جامع القلعة الكبير الذي لا زال يحتضن جموع المسلمين في يوم الجمعة، وبجانبه حمام قديم واسع مبني على طراز مميز، ومن أشهر محلات القلعة التكية ولكنها في الواقع الراهن تحولت الى خرابة تسكنها عوائل فقيرة في بيوت شبه مهدومة من المؤمل ان تبدأ منظمة يونيسكو الثقافية بترميم القلعة وتحويلها الى ارث تاريخي انساني عالمي.