لماذا رجاء الصانع وليس أحد الفحول؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الاستفتاء الذي أجرته (إيلاف) عن أهم شخصيات العام المنصرم جاءت نتائجه بمؤشرات جديدة ومفاجئة، لا يمكن للباحث الجاد، والراصد للمتغيرات على المستوى الاجتماعي والثقافي بالذات إلا أن يتوقف عندها متسائلاً لماذا؟
(رجاء الصانع) القاصة السعودية، والصغيرة السن والتجربة، جاءت في المرتبة الأولى كأهم شخصية ثقافية لهذا العام، متجاوزة كثيراً من (الفحول)، في مجتمع ذكوري حتى النخاع، يرى في (الفحولة) قيمة ورفعة وتفوق، ويرى في الأنوثة دونية حتى القاع! ... أعرف أن كثيراً من القراء سيعتقدون أن الأمر لا يخلو من (لعبة) تدخلت فيها يد (الفبركة) لتلعب بمؤشرات الاستفتاء، وأن هذه النتائج جاءت لتخدم نتائج تم تقريرها سلفاً. غير أن الحقيقة، وصدقوني فيما أقول، هي تماماً كما نشرت!
رواية (بنات الرياض) التي صنعت من (رجاء) نجمة ثقافية متألقة في السماء العربية كانت (حدثاً) صاخباً أكثر مما كانت عملاً أدبياً متميزاً. أهميتها وقيمتها الحقيقية أنها تحدثت عمّا لا يجب أن تتحدث عنه، وكشفت جوانبَ مسكوتاً عنها في مجتمع محافظ، كان مجرد أن تتحدث عنه من الداخل، وعن مجريات أسراره ، يُعتبر مخاطرة كبرى لأي إنسان، فكيف إذا كان هذا الإنسان امرأة، وسعودية أيضاً!.. بنات الرياض كانت لمن يعرف المجتمع السعودي على حقيقته، و(النجدي) منه على وجه الخصوص، ليست مساساً بالخطوط الحمراء فحسب، وإنما نسفاً لهذه الخطوط ، وكشفاً جميلاً ومعبراً وجريئاً، وبلغة تتراقص في عباراتها، وتُجسّد في سبكها وجمالياتها حقيقة مجتمع يدّعي في الظاهر المثالية والفضيلة حسب القياسات والمعايير (السلفية)، بينما هو من الداخل كأي مجتمع إنساني آخر، حيث كل ما هو (معلن) يجري انتهاكه وكسره من وراء الجدران، وتحت شعار (من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا
الرواية تتحدث عن أربع بنات سعوديات، يعشن في الرياض، عاصمة السعودية، وأكثر مناطقها محافظة، واهتماماً (إلى درجة التقديس) بالعادات والتقاليد الموروثة . ولكل واحدة من البنات الأربع بطلات الرواية، تجربة حياتية تختلف وتتفق مع الأخرى. الاختلاف كأي اختلاف وتباين بين بني البشر، أما (الاتفاق) فهو أن (البنت) التي تعيش في الرياض، وفي المجتمعات (المخملية) على وجه الخصوص، لا تختلف في حياتها وفي مجونها و صبواتها و تجاوزاتها، وفي عقلها وفي جنونها، عن أي بنت أخرى تعيش في أي مجتمع آخر منفتح على الآخر. البنت السعودية، و(المعزولة) نظرياً عن الرجال، عندما يُسدل الليلُ ستاره، تمارس (شبابها) بكل حرية وجرأة وتجاوز، وتجد خلف الأبواب الموصدة بإحكام ألف طريقة وطريقة لتتسلل إلى حياة نيويورك ولندن وباريس ومناخاتها وطقوسها، فتستبدل العباءة والنقاب الأسود الكئيب ببنطال الجينز والتي شيرت وآخر صيحات الموضة التي تتزين بها بنات جنسها في شوارع ميلانو، وكؤوسَ الويسكي والفودكا والجن والنبيذ الفاخر بدلاً من أباريق الشاي و (دلّة) القهوة المعطرة بحبات الهال، ويتجاوز (الاختلاط) ليس الحد المسموح به في هذا المجتمع المحافظ فحسب، وإنما كل الحدود، ولك أن تتخيل من هذه الحدود ما يسمح لك به خيالك!.
جمال وأهمية (الفضح) هنا أنه جاء على لسان إحدى بنات الدار التي اقتحمت بجرأة الجدران السميكة، وعبر شبكة (الإنترنت) نفذت (رجاء) إلى الفضاء الواسع من خلال (رسائل) كانت ترسلها على شكل يوميات في البداية إلى زملاء لها على الشبكة إلى إحدى المجموعات، وأغرتها - فيما بعد - متابعة الناس لها، وتصفيقهم لهذه الرسائل - كما تقول - على أن تتحول هذه الإنتهاكات الجريئة، والمكتظة جمالاً وعذوبة و(دلع) بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، إلى (رواية) أخذت بيد (رجاء الصانع) بعد صدورها إلى آفاق النجومية والتألق تحت عنوان (بنات الرياض)، وأخيراً ليحتفل بها القراء كأهم شخصية ثقافية لعام 2006 م حسب استفتاء إيلاف.
أهم ما تحمله رواية رجاء الصانع أنها اقتحمت المحذور، وكشفت (المغطـّـا)، وعَرّت المجتمع المحافظ ليس أمام الخارج فحسب، وإنما أمام كثير من السعوديين أيضاً. كما وصفها أحد النقاد الموضوعيين.
وأخيراً هذه أرقام الاستفتاء تتحدث بنفسها عن أن (الأنوثة) النجدية التي كانت يوماً ما (وديعة) كأرنب ناصع البياض، يستسلم لقدره بكل إذعان مهما كان تبعات هذا القدر، تحولت أخيراً، أو حولتها التنمية، والثقافة، والتعليم، والتماحك والتواصل الحضاري والثقافي مع الآخر، إلى دور (القبطان) في سفينة كانت قيادتها تقليدياً حكراً على (طوال الشوارب)، فقدمت رجاء، فجأة، وبلا شوارب هذه المرة، ودون أية مقدمات، ليس لتقول للرجل (هيت لك) كما كانت تقول امرأة العزيز ليوسف عليه السلام، وإنما : (دع القيادة للنساء واستمتع أنت بالرحلة)!
صالح الراشد