إيلاف+

الزواج العرفي في غزة… قلق للعائلات وخلاص للأرامل

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

جامعيات في غزةيهربن بعد افتضاح حملهن
الزواج العرفيhellip; قلق للعائلات وخلاص للأرامل

سمية درويش من غزة: تبرز في الآونة الأخيرة في قطاع غزة ظاهرة "الزواج العرفي" الذي اكتسب تسميته من كونه عرفا اعتاد عليه أفراد المجتمع الإسلامي منذ عهد الرسول (ص). وغالبا ما تلجأ إلى هذا الزواج النساء الأرامل والمطلقات للاحتفاظ بحضانة الأبناء والنفقة المخصصة لهن بعد فقدان الزوجاو الانفصال عنه. هذا النوع من الزواج بدأ يتسع ليصبح ظاهرة في الجامعات الفلسطينية. وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات رسمية من قبل المراكز والمؤسسات الفلسطينية المختصة بتلك القضايا عن أعداد حالات الزواج العرفي في قطاع غزة كونها تتم بالسر، إلا أن مختصين أكدوا لـ"إيلاف" ان هناك العشرات ممن تزوجوا عرفيا لأسباب متعددة. وتختلف الأسباب حول إقدام الفتيات والأرامل على الزواج العرفي، ففي الوقت الذي تلجأ إليه النساء الأرامل خشية سحب حضانة الأبناء منهن والنفقة المخصصة لهن بعد وفاة الزوج، وكذلك طردهن من منزلهن، تلجأ طالبات الجامعات إليه لرفض عائلاتهن زواجهن ممن أحببن، او بسبب الوضع الاقتصادي المتردي وعدم إمكانية "فارس الأحلام" من فتح منزل ودفع مستلزمات الزواج.

هذه الظاهرة أقلقت عائلات غزة بعدما أصبح الحديث عنها الشغل الشاغل لمجالس النساء في بيوتهن ومراكز أعمالهن.

"م. ص" في العقد الثالث من عمرها تسكن في إحدى المدن الجنوبية لقطاع غزة، تزوجت عرفياً خشية إقدام أشقاء زوجها الذي قتل برصاص الجيش الإسرائيلي قبل عامين على طردها من المنزل وسحب حضانة الأولاد منها. غير أنها أخبرت عائلتها التي تتخذ من إحدى الدول العربية مكانا لإقامتها.

وتقول "م .ص" لـ"إيلاف"، إنها تزوجت عرفياً لإشباع رغباتها، وعدم الوقوع في المحرمات، موضحة حاجتها الماسة إلى رجل يتفهم مشاعرها. وحول كيفية إتمام الزواج قالت "كتبنا ورقة ووقعنا عليها بحضور شهود، قلت له (زوجتك نفسي) وأجاب (أنا قبلت)، وبعدها أصبحنا زوجا وزوجة".

جمعية لتشجيع الزواج من الأرامل

ومع انتشار الظاهرة بين النساء لاسيما الأرامل اللواتي فقدن أزواجهن بالانتفاضة، حيث اغلبهن صغيرات السن ويتمتعن بجمال فاتن، أقدمت جمعية الفلاح الخيرية، للإعلان عن برنامج لدعم الراغبين في الزواج من أرامل الشهداء والعوانس حيث تقدم لهم الجمعية 1000 دولار وغرفة نوم لتشجيعهم على الزواج، وذلك في محاولة للقضاء على تلك الظاهرة التي قد تهدد نسيج المجتمع في غزة.

وفي هذا الإطار، يقول الدكتور رمضان طنبورة رئيس جمعية الفلاح إن هذه الخطوة تأتي في إطار تشجيع حركة الزواج في المجتمع الفلسطيني لتحقيق زيادة النمو السكاني والقضاء على العنوسة وتقديم المنح المالية لذوي الإمكانيات المادية المحدودة وتحصين شباب وفتيات المجتمع من الانحراف الأخلاقي وحمايتهم من الانزلاق والسقوط والمساهمة في تحقيق الاستقرار العائلي. ويشير طنبورة إلى ان هذه الخطوة تشجع الشباب على المبادرة بالزواج من هذه الشريحة مما يكسر الحاجز النفسي لدى المجتمع والذي بدوره كان سببا في وجود هذه الظاهرة الاجتماعية. يضيف "انه نظرا للأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها شعبنا و"سقوط الشهداء" وغلاء المهور ارتأت الجمعية بان تكون السباقة عالميا وان تكون الأولى في العمل الخيري وتنفذ برنامج تزويج العوانس و"نساء الشهداء".

ويوضح في بيان تلقت "إيلاف" نسخة عنه، ان الجمعية ستقوم بتقديم كافة ما يلزم من تكاليف الزواج وتجهيز غرفة النوم وإقامة الحفل الجماعي لتزويج العوانس و"نساء الشهداء"، مؤكدا ان هذا البرنامج سيخفف من ظاهرة العنوسة والحد منها من خلال تشجيع الناس على تعدد الزوجات وذلك باغتنام الدعم المادي والمعنوي لهذا البرنامج.

إجبار سائق التاكسي على الزواج من فتاته

نادية علي ناشطة إسلامية ومتخصصة بشؤون الجمعيات الخيرية، سألتها "إيلاف" حول تلك الظاهرة، فقالت هناك المئات من الأرامل ممن بحاجة إلى الزواج غير أن عادات وتقاليد مجتمعنا الفلسطيني متحجرة في هذا الاتجاه، حيث يفرض على الأرملة التضحية بتربية الأولاد والاستغناء عن الزوج. واستطردت الناشطة قائلة، هناك طالبة جامعية اعرف عائلتها عن قرب تزوجت عرفيا لعدم موافقة أهلها على الزواج ممن ترغب وهربت بعدما افتضح حملها، في حين أجبرت عائلة أخرى سائق تاكسي بالزواج من ابنتها البالغة من العمر 15 عاما رسميا بعدما كشف أمرها بالزواج العرفي منه. وحول إن كانت هناك إحصائية لديها حول تلك الظاهرة، بينت بأنه لا توجد إحصائية رسمية، إلا ان هناك عشرات الحالات، منها ما يتم دراستها لتثبيت الزواج رسميا بعدما أصبح هناك حمل واضح.

خلف أسوار الحرم الجامعي

في جولة"إيلاف" وسط الحرم الجامعي في غزة وسؤال الطالبات الجامعيات، اغلبهن أكدن انتشار تلك الظاهرة في أوساط بعض الطالبات بسبب الوضع الاقتصادي المتردي، الى جانب رفض بعض العائلات زواج بناتها ممن يرغبن، إلا أن واحدة منهن ترفض الاعتراف بالزواج عرفيا، وتكتفي بالقول ان صديقتي " ..." تزوجت عرفيا.

ويرى المحاضر الجامعي حسن غالب، بان سبب انتشار تلك الظاهرة الأفلام السينمائية والمسلسلات العربية التي تؤثر سلبا على سلوك الفتيات، مشيرا إلى أن هناك عدة حالات سمع عنها في الجامعة، مؤكدا في السياق ذاته، أن شباب الجامعة يلجأون إلى الزواج العرفي لإشباع رغبتهم الجنسية فقط دون النظر للمستقبل القريب. وبحسب طلاب في الجامعات، فان الكبت يولد الانفجار وأن المجتمعات المغلقة لا تعرف كيف تتعامل مع مشكلات من هذا النوع.


سري للغاية خوفا من الزوجة الأولى

د. سفيان أبو نجيله أستاذ علم النفس مدير مركز البحوث الإنسانية والتنمية الاجتماعية، ومحاضر في جامعة الأزهر قال لـ"إيلاف"، هذه الظاهرة منتشرة أكثر في مصر بسبب الوضع الاقتصادي المتردي، حيث ظهرت بعدها في الأراضي الفلسطينية. وأضاف ان الزواج العرفي، هو حل وسط بين الزواج المعلن والمقبول اجتماعيا والانفصال. وأوضح أستاذ علم النفس، ان من يلجأ إلى الزواج العرفي هم من لا يستطيعون الزواج بشكل تقليدي، لافتا إلى ان الأسباب الاقتصادية لاسيما عند شريحة الشباب وأحيانا معارضة الأهل بالزواج من ذلك الشاب او من تلك الفتاة، عززت تلك الظاهرة. وشكك أبو نجيله، بانتشار هذه الظاهرة في الساحة الفلسطينية خاصة في قطاع غزة، لأنها تحتاج إلى توفير المكان المناسب للالتقاء وهذا ما تفتقره غزة، موضحا ان هناك فئة من المتزوجين قد لجأوا إلى الزواج العرفي خشية على مكانتهم الاجتماعية، ومن زوجاتهم أيضا، وخوفا من الفضائح.


حكم الدين والقضاء
من جهته قال د. ماهر السوسي داعية إسلامي لـ"إيلاف"، ان الزواج العرفي في الأصل هو زواج مكتمل الشروط والأركان وهو زواج صحيح، لكنه منع قانونيا في فلسطين لأنه لا يتم توثيقه، وبالتالي عدم توثيقه يؤدي إلى ضياع حقوق احد الزوجين او الزوجين معا، مضيفا بأنه من السهل إنكاره ان كان لا وجود للشهود او شهود مجهولين. ولفت إلى ان بعض المذاهب الفقهية جازته حسب الحديث الشريف، " لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل "، مبينا بان المذهب الحنفي لا يشترط وجود شهود. لكن الداعية الإسلامي، رفض مبدأ الزواج العرفي، حيث تغلب حالات الطلاق، موضحا ان الزواج العرفي يتم عن نزوة وليس بقصد الارتباط وهو تحايل رجل وامرأة على الحلال والحرام ويتفقان على الزواج لا يقصد به زواج شرعي مئة بالمئة لكن "غاية في نفس يعقوب".

ولفت إلى ان معظم حالات الزواج العرفي تنتهي بمأساة لا يعترف الزوج بالزواج، ناهيك اذا حملت المرأة، حيث غالبا ما تكون الضحية فيها المرأة، وصيانة للحقوق وحفاظا على المرأة لا نعترف بهذا الزواج.
ولم ينكر الشيخ السوسي، وجود الزواج العرفي، ولا ينكر أيضا بأنه خطر مرجعا ذلك لأسباب كثيرة منها أعباء الزواج نفسها، وهناك طائفة من الشباب لا تستطيع دفع تكاليف الزواج من ناحية، وناحية أخرى مجرد نزوة مثل ان يكون الشاب متزوجا. وقال الداعية الإسلامي، ان معظم حالات الزواج العرفي تحدث عند ورود مشكلة في الزواج الطبيعي، او يرجع إلى كون الزوجين متحررين زيادة عن اللزوم، بحسب تعبيره، ويريدون علاقة تتخلص من أعباء الزواج والأولاد وتبقى العلاقة سرية.

التحقيق منشور في ايلاف دجتال يوم الاربعاء 17 كانون الثاني 2007

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف