إيلاف+

ضربات الفؤوس تشكل تاريخ مدينة القدس

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

أسامة العيسة من القدس: لا يمكن أن يحدث هذا، إلا في مدينة مثل القدس، فبعد ثلاثة أيام من انتصار إسرائيل في حزيران (يونيو) 1967، واحتلال القسم الشرقي من مدينة القدس، وفي قلبها مدينتها القديمة، تحركت الجرافات الإسرائيلية، لفرض أمر واقع، وبدأت بهدم حارة المغاربة، لتوسيع ساحة حائط البراق (المبكى) التي كانت مساحتها 12 متر مربع، قبل الهدم، وتم تشريد 153 عائلة، وقتل بعض الساكنين تحت الأنقاض، وفي النهاية تم هدم آثار تعود لأكثر من ألف عام من بينها مسجد البراق والمدرسة الأفضلية، ودمر في ساعات تراث مغربي أندلسي نفيس.
ولم يعد لحارة المغاربة أي وجود، وكان الاعتقاد، بان إسرائيل أنهت مهمتها في هذا المكان، بعد أن تحول إلى اقدس مكان لليهود ليس في إسرائيل فقط، بينما في العالم، ويزوره كبار زوار إسرائيل من رؤساء الدول إلى الممثلين والممثلات ونجوم الكرة مثل شارون ستون، ومارادونا، يخطون أمنياتهم على أوراق، ويضعونها في شقوق حائط المبكى والذي هو في نفس الوقت الحائط الغربي للحرم القدسي الشريف، باعتبار ذلك أسرع طريقة لوصولها إلى الله.


ومنذ أن عملت الآليات في هدم حارة المغاربة، لم تتوقف الإجراءات الإسرائيلية في المكان، فتم بناء منشآت وكنس لخدمة الطوائف اليهودية المختلفة، والمتعارضة فيما بينها، ومن باب المغاربة الذي تسيطر عليه إسرائيل والمؤدي إلى الحرم القدسي الشريف، اقتحم في مرات كثيرة، متطرفون يهود الحرم ونفذوا عمليات اعتداءات من بينها إطلاق نار أدت إلى مقتل فلسطينيين.


ولكن الإجراءات التي كانت تقدم عليها سلطات الاحتلال الإسرائيلية في المكان، اعتبرت نوعا من التفاصيل والترتيبات التنظيمية الداخلية في المكان، بعد هدم حارة المغاربة، إلا أن تطورا كبيرا حدث في بداية شهر كانون الثاني (يناير) 2007، عندما نزلت الجرافات مرة أخرى إلى ساحة المبكى التي كانت حارة المغاربة، وبدأت بعملية هدم لما تبقى من بيوت قليلة في المكان، تقع في طرف الساحة الغربي، مما ذكر بعملية الهدم الكبيرة التي نفذت في المكان قبل أربعين عاما، وطرح تساؤلات، عن أهداف العملية الجديدة.
ولم ينتظر المتابعون كثيرا، فسلطة الآثار الإسرائيلية أعلنت، أنها هي من تنفذ عمليات حفريات في المكان، وان هذه الحفريات كشفت عن ما اعتبرته دلائل بالغة الأهمية حول دراسة القدس القديمة.


وحسب بيان لسلطة الآثار فان منطقة الحفريات الجديدة والمستمرة حتى الان، تمتد على مساحة (25 times; 60 م) وتقع "مقابل جبل الهيكل، عند أسفل المدينة العليا، التي يعود تاريخها إلى حقبة الهيكل الثاني وتقع إلى الغرب، في منطقة لم تجر فيها حفريات أبدا من قبل. ويجري تنفيذ حفريات سلطة الآثار الإسرائيلية في الموقع بطلب من مؤسسة تراث حائط المبكى".


ووفقا لما علم لاحقا، فان الحفريات بدأت، بعد أن تم هدم المنازل القديمة، لتشييد مبنى لمركز تراث حائط المبكى، فكشفت عمليات الهدم عن آثار في المكان ويشير البيان إلى وجهة نظر مسبقة عن أية نتائج مرتقبة للحفريات، وربط ذلك بمعتقدات الديانة اليهودية، وموقف مؤسسة دينية-سياسية-استيطانية هي مؤسسة تراث حائط المبكى.


وحسب سلطة الآثار الإسرائيلية، فانه من بين المكتشفات القديمة "قسم من مجرى الماء السفلي، الذي كان ينقل الماء من برك سليمان إلى جبل الهيكل، منحوت بالصغر ومجصص يعود تاريخه إلى عهد الهيكل الثاني، وبقايا شارع رائع فيه صف من الأعمدة - الكاردو الشرقي - من العهد الروماني - البيزنطي، وممشى مسقوف على جانبه أعمدة، وصف من الدكاكين".


ورغم أهمية المكتشفات التي تتحدث عنها سلطة الآثار الإسرائيلية، إلا أن الاثاريين تحفظوا على اللغة الأيديولوجية التي أعلنت فيها عن هذه المكتشفات، فالقنوات المائية التي كانت تنقل المياه من برك سليمان، جنوب بيت لحم، وهي مشروع ضخم ومهم، يعود لفترة الرومان، ثم اصبح بالغة الأهمية بالنسبة للحكام المسلمين، الذين أطلقوا على القناة قناة السبيل، ورمموها طوال قرون، وأضافوا إليها، وهم من أوصلوا المياه إلى الحرم القدسي الشريف، عبر منطقة باب المغاربة إلى الحرم القدسي الشريف الذي تطلق عليه سلطة الآثار الإسرائيلية (جبل الهيكل)، وهذه القنوات هي جزء من المكتشفات الأخرى الرومانية والبيزنطية في المكان.


وتبين بعد أيام، بان ما أعلنت عنه سلطة الآثار الإسرائيلية، لم يكن سوى قمة جبل جليد، تعيد فيه الفؤوس كتابة تاريخ القدس بشكل جديد ومن وجهة نظر واحدة، ونشرت صحيفة هارتس تقريرا عن ما يجري في المكان وفي منطقة سلوان المجاورة التي تطلق عليها إسرائيل (مدينة داود) قدر فيه عالم الآثار ايلي شكرون، مندوب سلطة الآثار الإسرائيلية المشرف على الحفريات، أن العمل قد يستغرق ثلاثة أعوام.
واهم ما كشف عنه تقرير الصحيفة الإسرائيلية، انه ليس فقط سلطة الآثار الإسرائيلية هي التي تعمل، في المكان، وانما جمعية استيطانية يهودية، ووزارة السياحة الإسرائيلية، وسلطة الحدائق الوطنية وغيرها من مؤسسات يهودية وحكومية إسرائيلية، تعمل على تهويد القدس.


وتركز هذه المؤسسات على أن أهم ما كشف عنه في الحفريات الجديدة هي "بداية طريق يعود إلى عهد الهيكل الثاني" والمقصود هو شارع الكاردو الروماني، وان الحفريات ستستمر من هذا المكان إلى منطقة سلوان، التي تجري فيها أيضا حفريات أخرى تتم بصمت منذ ثلاثة شهور، لكي لا تثير حفيظة الفلسطينيين.
وتجري الحفريات على عمق عشرة أمتار تحت الأرض في منطقة سلوان، وتتجه نحو موقع الحفريات الجديدة في ساحة البراق (المبكى)، وكشفت الحفريات حتى الان، عن درج يصعد من منطقة سلوان المنخفضة إلى منطقة الحفريات الأخرى في الأعلى.


وحسب هارتس فانه توجد على امتداد هذا الطريق آثار لحوانيت لم تتم دراستها بعد، وان علماء الآثار عثروا على بقايا أثرية مثل أثقال حجرية وقطع نقدية تعود إلى سنة 73 - 66 قبل الميلاد، أي لفترة العصر الروماني.


وقالت الصحيفة بان من يمول هذه الحفريات جمعية (العاد) الاستيطانية، التي تعمل في المكان منذ سنوات، واستولت على منازل فلسطينية في سلوان، وتحظى بدعم الحكومة الإسرائيلية، بالإضافة إلى جهات أخرى أهمها وزارة السياحة وبلدية القدس، وان هذه الجمعية ستحصل على امتياز تشغيل هذا المرفق الأثرى سياحيا بعد تجهيزه.


وقال عالم الآثار ايلي شكرون بان عمليات الحفر ستكون بشكل حذر، في هذا الاكتشاف الجديد الذي قالت هارتس عنه بأنه "يوقد خيال خبراء الآثار الإسرائيليين".


وحسب شكرون فان الهدف هو اكتشاف الطريق كله، وهذا الأمر يستغرق ثلاث سنوات، وقال لهارتس انه لا يعرف إذا كانت بقية الشارع تمر تحت منازل المواطنين في سلوان أم تحت الشارع الصاعد منها نحو حائط المبكى، ووعد شكرون "برقابة هندسية وحفريات حذرة. بنفس الطريقة التي تتم فيها الحفريات في مواقع أخرى من البلدة القديمة، أو كما حدث في نفق المبكى الذي يمر تحت الحي الإسلامي، أو في الحفريات التي تتم تحت منازل المواطنين في الحي اليهودي".


وربط علماء الآثار الإسرائيليين، وحتى قبل أن يتم الكشف الكامل عن الموقع بينه وبين التاريخ اليهودي مشيرين إلى العملات النقدية التي عثر عليها تعود إلى "السنة الثانية حتى الرابعة للثورة الكبرى ضد الرومان (66 - 73 ق.م)".
وقدروا أن "آخر المتمردين فروا إلى هذا المكان وواصلوا العيش فيه لفترة من الزمن بعد أن قام الرومان بتدمير الهيكل".


ونقلت هارتس عن عالمي الآثار البروفيسور روني رايخ من جامعة حيفا وايلي شكرون اللذين يعملان في المكان أن الحديث يجري عن موقع يعتبر من "أهم الاكتشافات منذ عدة سنوات".


الرد الفلسطيني على النتائج الأولية للحفريات، حمل نفس ميزات الردود السابقة في حالات شبيهة، فهو لم يأت من جهة علمية أو من دائرة الآثار الفلسطينية التي تنوء بالأعباء وأشياء أخرى صعبة، وانما من مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية، التي يترأسها رجل الدين الشيخ رائد صلاح، وهو ناشط في الدفاع عن المقدسات الإسلامية المهددة من قبل السلطات الإسرائيلية.


وزار مندوبو المؤسسة مكان الحفريات عدة مرات، وهالهم ما رأوا، من هدم أبنية عربية واسلامية قديمة، واعتبروا ذلك استمرار لعملية الهدم الكبيرة التي تمت في بداية الاحتلال لحارة المغاربة.
وأصدرت مؤسسة الأقصى بيانا اتهمت فيه إسرائيل بأنها تهدف بحملة الحفريات المتواصلة إلى "تزييف التاريخ وطمس المعالم العربية والإسلامية في مدينة القدس القديمة في خضم مسلسل تهويد القدس وعبرنتها".
وقدمت المؤسسة وصفا لما شاهده مندوبوها في جولاتهم الميدانية وحسب بيان المؤسسة "شاهد طاقم مؤسسة الأقصى بأم عينيه أن المؤسسة الإسرائيلية متمثلة بسلطات الآثار الإسرائيلية تقوم بعملية حفريات واسعة في المنطقة وعلى مساحة واسعة، حيث ظهرت وبشكل واضح آثار لمبانٍ عربية واسلامية كثيرة من حقب تاريخية قريبة وبعيدة المدى من الفترة العثمانية والعهود الإسلامية التي سبقتها كالفترة المملوكية والأيوبية، وكان الموقع يزدحم يومياً بعشرات الحفّارين، وخلال أيام معينة من عمليات الحفر الواسعة شاركت آليات حفر ثقيلة كالجرافات والشاحنات بعملية الحفر، وفي أيام أخر قامت الجرافات الإسرائيلية بهدم بعض الأبنية وإزالتها من المكان، كما وترافقت عملية الحفر إزالة وتفريغ المنطقة من مئات إن لم يكن من آلاف أكواب الأتربة من المكان".


ومثلما هو الحال في بيانات فلسطينية شبيهة، وجهت مؤسسة الأقصى نداءاً للمؤسسات العربية والإسلامية والمحافل الدولية ذات العلاقة للعمل "على إيقاف عملية الحفريات التزييفية".


وقالت في بيانها "لقد آن الأوان للمؤسسات العربية والإسلامية من جهة والمؤسسات والهيئات الدولية من جهة أخرى أن تتحرك سريعاً وتقوم بإجراءات فورية تمنع من خلالها إيقاف هذه العمليات الحفرية التي تستأصل المباني الأثرية التاريخية العربية والإسلامية، الشاهدة على آلاف السنين من التاريخ والحضارة العربية والإسلامية في القدس، في وقت يعلم الجميع أن المواثيق الدولية الخاصة بالقدس منعت ومازالت تمنع أعمال الحفر هذه ".


ومثلما هو الحال، أيضا، في مثل هذه الحالات، فانه لا يتوقع أن يستجيب أحد، خصوصا وان أزيز رصاص الفرقاء الفلسطينيين الموجه ضد بعضهم البعض يعلو على أي شيء آخر، بينما فؤوس طرف واحد تعمل بحرية وتقدم تاريخا للمدينة الأقدس لدى الديانات التوحيدية الثلاث، من وجهة نظر الطرف الأقوى والمسيطر.

التحقيق منشور في ايلاف دجتال يوم الاثنين 29 كانون الثاني 2007

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف