تقاليد العيد في اليمن توشك على الاندثار
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
حمزة الحضرمي من صنعاء: كثيرة هي العادات والتقاليد والأعراف التي ترتبط بالاحتفاء بالمناسبات والأعياد وتختلف من قطر إلى آخر بما فيها اليمن التي تختلف فيها هذه العادات من منطقة الى اخرى إلا أن معظم هذه العادات والأعراف التي تعد جزء من الموروث اليمني أوشكت على الاندثار في تحديث الحياة "المدنية " وبخاصة عادات وتقاليد الاعياد الدينية كعيدي الفطر والاضحى ولهذا الاخير خصوصية لافتة في تاريخنا وتراثنا الفرائحي.
عادات وتقاليد العيد
ماذا تبقى منها في القرية والمدينة؟!" عنوان لتقرير نحاول من خلاله تسليط الضوء على ما تبقى تلك العادات و التقاليد في بعض مناطق اليمن.
العيد في تهامة
الباحث عبد القادر طيب بعكر احد المهتمين بالتراث والأدب في تهامة يشير إلى بعض العادات والتقاليد التي اتسمت بسجية الفطرة التهامية، التي تنعكس في أفراحهم وأتراحهم ومعظم مناسباتهم الدينية.
ويرى بعكر " إن للعيد في تهامة مذاق خاص حيث يستيقظ الجميع أطفالاً وشيوخ مع الفجر ليتوافدون إلى المصلى، بينما تطوف النساء المسنات في البيوت
ويقول بعكر " إنني أذكر وأذكر في صباي اننا كنا نتوجه من المصلى بعد الانتهاء من الصلاة إلى ولي الأمر والذي يمثله آنذاك مدير الناحية وحتى القاضي يتوجه معنا في حشد بهيج،وما أن ندخل حتى يستقبلنا عسكره بالحلوى والشوكولاته، وشراب الفيمتو،وزخات متناثرة من قنينات العطر هنا وهناك،ويستغرق كل ذلك نصف ساعة لا أكثر، ثم ينفض الجميع إلى منازلهم للإشراف على ذبح الأضحية،وتوزيع اللحم على الجيران الذين لا يقدرون على شراء الكباش، وبقية الأرحام والمعوزين في الحارات.
وعن بعض العادات التي مازالت تحافظ عليها المدينة من بيوتات وكثيرُ من الأسر يضيف بعكر" من عاداتنا التي مازلنا نحافظ عليها هنا في كثير من تهامة هي أن يتوجه الجميع بعد تناول الغداء كل في بيته للتسليم والمعايدة على كبير الأسرة ثم يتبادل الجميع التهنئات من بيت لآخر بحكم وطابع الصلة والقرابة وكذا السن، ليتم بعد ذلك التوجه إلى ديوان الأسرة،الذي لا تستطيع وصف مدى اكتظاظ زحمته في هذا اليوم مهما كانت مساحة الديوان،ويعود الجميع بعد صلاة المغرب الى ذلك المجلس لتلقي التهنئات من أعيان وشخصيات المدينة وخاصة في مجالس كبار الأسر حيث لا تنقطع مجالس العيد قبل ثلاثة أيام على الأقل.
ويستطرد بعكر: كما أن مجالس الأسرة وربعها والتي عادة ما تستقل بذاتها لتتوسط بيوت الربع والحارة والذي هو الأخر يحظى بنوع من الاهتمام بزينته قبيل العيد بيومين أو أكثر كإعادة طلائه بالنورة وهي عبارة عن طلاء أشبه بالجص ويحمل خواصه وتزين أركانه بـ" أقتاب النخيل وثمارها " والتي عادة ما تتزامن مع نهاية موسم التمر في معظم مناطق تهامة، ليمثل احتفال غير مباشر بنهاية الموسم، على حد قوله.
وتابع: ناهيك عن بعض العادات والتقاليد التي تكاد تتضاءل وتندثر لعدة أسباب أبرزاها المادية المدنية ومن هذه العادات عادات ليلة استقبال العيد حيث يقوم الأطفال بإشعال "جرائد النخيل" و المرور بها بين إرجاء الحارة و البيوت مرددين بعض الأهازيج الشعبية التي تودع فيها شهر رمضان
وتستقبل فيها أيام العيد، كما ينشغل الصغار في القرى بجمع الحطب ووضعه على هيئة أكوام عالية، ليتم حرقها ليلة العيد فيما يعرف (النصيرة) في بعض المناطق الجبلية وذلك تعبيرا عن الفرحة بقدوم عيد الفطر وحزناً على فراق رمضان.
حكام اليمن في الأعياد
كان معظم سكان اليمن إلى حد قريب ينتظر أهله العيد بمشاعر الفرح والابتهاج على الرغم مما كان يعانيه أكثرهم من ضيق ذات اليد.. حيث يستعد كل رب أسرة لاستقباله بما يتوفر له فيسعى لإحضار مستلزمات العيد من شراء الملابس الضرورية لأفراد أسرته ولاسيما الأطفال واختيار أصنافها وأنواعها..
ويؤكد ذلك كتاب القاضي إسماعيل الأكوع " أعراف وتقاليد حكام اليمن في العصر الإسلامي ومباهج العيدين في اليمن " فيقول " لقد كان لكل طبقة من طبقات المجتمع ملابسه الخاصة التي تميزها عن غيرها بعد أن صنف الشعب اليماني في عهد الائمة إلى طبقات مختلفة بعضها أعلى من بعض وذلك من أجل بقاء الحكم في يد فئة من الناس بحكم انتمائها نسباً إلى سيدنا علي بن أبي طالب رضي عنه، حيث تميز بعض اسر هذه الفئة عن غيرهم بطريقة لف طيات عمائم رجالهم التي يجعلونها متدرجة من أعلى إلى أسفل من الجانب الأيمن من العمامة ومن أسفل إلى أعلى في الجانب الأيسر.
كما أن هؤلاء يتمنطقون بالتوزة وهي حزام مطرز بخيوط الحرير والفضة وله بطان من الجلد المقوى ويثبت في الثلث الأول من قراب الجنبية فيضعون غمد الجنبية "الخنجر" في الطرف الأيمن من البطن فتكون أقرب إلى الجنب الأيمن منه إلى وسط البطن ولعل هذا هو سبب تسمية الخنجر بالجنبية،وتلبس التوزة من فوق الجوخ أوالصاية.
ويشير القاضي الأكوع إلى أن عمائم علماء واعيان اليمن تكون مكورة الشكل وذات أحجام متعددة ويتمنطقون بالتوزة لكنهم يضعون غمد الخنجر وسط البطن، بينما طبقة التجار وهم أيضاً أصناف صنف " البز" وهم أصحاب بيع الأقمشة وكذا اصحاب بيع العطور والفتلة والذين يلبسون لباس العلماء إلا أن أعيانهم إذا لبسوا الجوخ فلا يحتزمون عليه وإنما يحتزمون من تحته.. أما ملابس سائر التجار الأخرين فهي متشابهة نوعاً وكيفاً إلى حدما وكذلك ملابس ذوي المهن الأخرى كالتجارة والحدادة والخياطة بيد أن ملابس ذوي المهن التي كانت تعتبر أدني المهن كالحلاقة والجزارة وكذلك القائمين بخدمة الحمامات العامة فلهم ملابسهم الخاصة وهيئتهم المتميزة بهم.. كما أن التمايز بارز في ملابس الرجال بحسب طبقاتهم فكذلك الحال في ملابس اطفالهم.
ملابس العيد
بخصوص مستلزمات العيد فيقوم رب الأسرة بشراء حاجة العيد من الجعالة وهي تشكيلة من الزبيب واللوز وأصناف متعددة من السكريات وكذا حوائج البيت اصناف التوابل والبهارات والتي لابد منها لحوم الأضاحي..
فيما تقوم ربة البيت بإخراج حاجة العيد من البر" الحنطة " لتنقيته من الشوائب وطحنه في مطاحن البيت التي تدار رحاها باليد حيث كان لكل بيت نحو ثلاث مطاحن تقريباً تنفرد كل واحد منها بطحن نوع من الطحين حسب القاضي الاكوع.
شهر الطحين
كما كانت العادة إلى عهد قريب قبل أن تنتشر الطواحين الحديثة الآلية أن يعهد ذوي اليسار إلى طحانة تأتي إلى البيت للقيام بذلك وإلا فإن نساء كل بيت يقمن بطحن حاجة العيد بأنفسهن وكان شهر ذي القعدة تسميه النساء شهر الطحين.. وبمجرد أن تفرغ ربة البيت من أمر الطحين تتحول إلى العناية التامة بنظافة البيت وتجديد طلائها بالقص أو النورة..
ومن ثم تأتي مرحله صنع كعك العيد بأنواعه والكبان وهي نوع خاص من انواع الخبز المعروف بالشام، ويتم إنضاجه في البيت ولم يكن معهوداً أن يرسل إلي الأفران العامة كما هو الحال اليوم في كثير من البيوت.. فإذا انتهت ربه البيت من أمر الكعك ذهبت هي ومن في البيت من النساء والبنات
إلى احد الحمامات العامة في الأيام المخصصة للنساء للاستحمام.
وفي اليوم والليلة التي يسفر عنها العيد تتخضب النساء بالحناء في الأيدي والأقدام وكذلك الأطفال من الإناث ثم تضيف النساء بعد الحناء العنم "الخضاب الأسود" لأنامل اليدين والرجلين وقد تستعمل النساء المتزوجات الشابات النقش (الخطط) في الإيدي والأقدام وفي الخدود أحياناً..بينما يوم الوقوف على جبل عرفة قبيل العيد بيوم يذهب الرجال مع اطفالهم إلى الحمامات العامة.. وفي اصيل هذا اليوم يكوم الأطفال ما جمعوه من فضلات الحطب وفروع الأشجار اليابسة أمام بيوتهم التي نظفت من
الأتربة ورشت بالمياه وهم يقرعون بالطبول التي صنعوها لأنفسهم بايديهم وينشدون أهازيج العيد مثل قولهم ال:عيد عيد العافية.. عيد السعادة والقبول، والعيد عيد العافية.. عيد الهريش الدافيه....وإذا ما اطلق المدفع صوته ورفع أذان المغرب أشعل الأطفال النار فيما جمعوه من الحطب وقرعوا الطبول وتحلقوا حول النار وهم يدورون حولها،ويمزجون بأهازيج معينة منها: ِشعَلَ الًمشعيل بقناديله.. واحنا جهال مادرينا به.
اطفال العيد
وحسب مصادر مختلفة كان يحتفل الأطفال في كثير من قرى اليمن بالعيد من أول ايام العيد فيشترون مجامر مصنوعة من الطين النيئ التي تجفف بالشمس ثم تطلى بالجص،وتزخرف بنقوش وخربشات كيفما يتفق لصانعها وتوضع في هذه المجامر نارخفيفة قبل أذان المغرب فإذا رفع الأذان طرح من يملك مجمرة شيئأً من بخور المُر و الفارعة و هما صنفان من البخور الفواح يستخرجان من صمغ الأشجار و أخذ يجول مع ابناء حيه الشوارع وهم ينشدون.. " شم المر والفارعة.. والمهدي دَخل وادعه.. ياجنة على الشارعه. "
وتستمر هذه الطريقة كل ليلة حتى ليلة العيد وما أبهج العيد عند الأطفال وما أجمل ذكرياته فهي العيد الحقيقي فما أن يعود الأب من عند الخياط بملابسهم فيأخذ كل منهم ما يخصه منها ويلبسها بعد أن يطأها بقدمه ويقول " انت البالية وانا الجديد " ليقيسها على جسمه ويتباهى بها أمام إخوته تحت بصر وسمع الأبوين اللذين ليس لأكثرهما من حظ العيد سوى ما ينعكس على قلبيهما من فرح إدخال السرور على أبنائهم.!
من جانبه عبدا لقادر الشيباني صحفي وباحث ومهتم بالموروث الشعبي يشير الى الاثر السلبي لثقافة القنوات الفضائية وبالذات على العادات والتقاليد المتعلقة بالمناسبات وبخاصة الاعياد...وقال:في واقع الديار الإسلامية لا تزال عادات العيد الجيدة و أن اختفت منه عادات وتجددت عادات حسب التحولات الزمنية والتطورات التقنية.ويتابع:" احن إلى أعياد زمان رغم بساطتها و شذاها الريفي الآبق بالألفة بين الأصحاب وحميمة الأهل العامرة.
وقال: كانت حسب تقديري أعياد الأمس عادات أكثر انسًا ومحبة فلم أعد أجد عند اولادي فرحتي بالأمس وبهجتي رغم بساطة الحال بعكس اليوم التي تحتاج أعيادنا، وخاصة الدينية إلى تكاليف مادية، ومظاهر مرهق للأسرة.
وحول العادات غير المستحبة يسلط الشيباني الضوء على أخطاء ومخالفات تظهر أيام الأعياد في المدن بالذات مثل رمي القمامات ومخلفات ذبائح
العيد في الطرق و الشوارع والأزقة حتى تتراكم أيام أجازة العيد وتعجز شغيلة البلدية عن رفعها إلا بمشقة بالغة.
ويعيب الشيباني على مجتمع اليوم ممارسة الاسراف بصورة متطرفة في الاعياد ويقول متسائلا: الم يؤدبنا القرآن الكريم بالقول الصادق " ولا تجعل يدك مغلولة إلا عنقك ولا تبسطها كل البسط "
ويقول الشيباني" خير لنا أن يكون المرء في كل معيد بسيطا متواضعا على قدر دخله المادي وما أحسن التصرف بالإمكانات المتاحة دون التظاهر
بمظاهر البذخ والاسراف خاصة مع ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة التي ترهق ذوي الدخل المحدود.
عادات ثابتة
وحول العادات الثابتة يستطرد الشيباني:عندما يأتي العيد تسعيد النفوس وهجها وتصقل الأرواح و تصفوا القلوب ولذا ما تزال اجمل هذه العادات قائمة وممثلة في التزاور بين الاهل وصلة الارحام اشاعة المحبة واجواء لفرحة بين الاطفال الذين بهم يتزين العيد ويكتسب خصوصيته زيادة على عادات العزائم واللقاءآت الاجتماعية في المقابل والأسمار.
ومن أحب العادات التي لا تزال قائمة - حسب الشيباني - هي انتقال أكثر العاملين في المدن إلى الأرياف والقرى لقضى إجازة العيد بين الأهل والمحبين و إدخال البهجة في نفوس الأهل و أطفالهم بمنحهم ما يجدون به من عسب وهي عادة عيدية حسنة تؤكد خصوصية كرم أسلافنا في هذه الأعياد فيبددون من خلال هذا الكرم كل نزاعات الغل والبغضاء والحقد... وقال الشيباني: وهذه من أحب عادات الأخيار من الناس ولكن الزمن المشهود الآن فيه من التجافي حتى بين الأسرة الواحدة ما لم نعد نلمس فيه هذه العادة بحقيقتها متجلية سوى بين بعض الأهل اما البقية فقد كثرت بينهم النزاعات والقطيعة.
زيارة المقابر
ومن أحب العادات التي ماتزال باقية في الاعياد القيام بعد صلاة العيد بزيارة المقابر وقراءة الفاتحة وهي عادة ما تزال قائمة في معظم مناطق اليمن في القرية والمدينة وتمثل مظهرا من مظاهر العيد بالاضافة الى عادات اخرى كثيرة اندثرت وبقت وتجددت تحتاج الى مساحة اوسع للاشارة اليها.