ثقافة الصم تدق أبواب المجتمعات العربية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
"ثقافة الصم" تدق أبواب المجتمعات العربية
الشويعر: لسنا معوقين بل أقلية تطالب بحقوقها
عماد الدين رائف: قد يأخذ المشاهد لبعض البرامج التلفزيونية للحظات مشهد مترجم لغة الإشارة في زاوية الشاشة وهو يخاطب الصمّ، يعبر من خلال حركات تتواءم مع بعضها البعض لتنصهر في دلالات يفهمها الصمّ، ويتفاعلون معها. لكن الأمر مختلف مع هند الشويعر، منسقة برنامج أبحاث الصم ولغة الإشارة في
تجيد الشويعر العربية والإنجليزية وبعضاً من الفرنسية تحدثاً وقراءة وكتابة، على الرغم من أنها لا تتمكن من سماع الأصوات، بالإضافة إلى إجادتها بالإضافة لإجادتها لثلاث لغات مؤشرة: لغة الإشارة السعودية، لغة الإشارة الأمريكية، لغة الإشارة الدولية. وقد شاركت في الكثير من اللقاءات والندوات وجالت العالم العربي، وأمريكا، وإفريقيا محاضرة حول قضايا الصم والترجمة والمترجمين.
اللغة أولاً
تنطلق الشويعر من التعريف السائد للثقافة كونها: "مجموع العادات والقيم الاجتماعية والقيم الذائعة في مجتمع معين، مما يتصل بطريقة حياة الناس، فالصمّ يتشاركون مع السامعين في ثقافة بلادهم كالملابس وأنواع الأطعمة والأشربة والعادات والتقاليد". لكنها تعود دائماً إلى تعريف د. يركر أندرسون الرئيس السابق
تتحدث الشويعر عن بعض الأبحاث الثورية الجارية في جامعة جالوديت في أميركا في هذا المجال، تقول: "من خلال نقاش دار بيني وبين بعض الأساتذة إحدى أستاذات جامعة جالوديت التي تحضر لنيل الدكتوراه في الأخلاقيات الحيوية المترتبة على تقنية الجينات حيث أن هناك أبحاثاً و تحاليل تجرى لمعرفة هل الجنين سيكون أصم أو سامع؟ عن طريق تكنولوجيا الجينات. في الجامعة وقعت على بعض الأبحاث التي خلصت إلى اهتمام كبير لدى الأبوين الأصمين لمعرفة هل الجنين سيكون سامعاً أم أصماً. فالأبوان الأصمان الراغبان بإنجاب أطفال صم يختاران الاحتفاظ بالجينات الصماء وإستبعاد الجينات السامعة. والعكس بالعكس مع الأبوين السامعين فهما يختاران الجينات السامعة ويستبعدان الجينات الصماء التخلص، ومثل هذه الأبحاث لها تداعيات إنسانية خطيرة، ناهيك عن الموانع الدينية والأخلاقيات الطبية، لكنها مؤشر واقعي على تنامي الإحساس لدى الصم بالهوية الثقافية المميزة". وربما هو رد فعل عكسي لرفض مجتمع السامعين وعدم تقبلهم لواقع الصم.
الولاء والحماية
لا بد أن القيم تنتقل من جيل إلى جيل مما يقوي الروابط التي تربط الأجيال ببعضها البعض، والصم يفضلون الزواج ببعضهم البعض، وبالتالي إنجاب أطفال وزرع القيم المتوارثة في ذهن هؤلاء الأطفال، فتماماً كما السامعون يزرعون القيم المتوارثة في أطفالهم من خلال رواية العبر والقصص المؤثرة التي تحمل مغاز معينة، فالصم يزرعون قيمهم وثقافتهم وإرثهم في أطفالهم. تقول الشويعر: "يتميز الصم، كذلك، بالولاء وحماية بعضهم البعض بغض النظر عن جنسيتهم وديانتهم، فلا نستغرب حين نشاهد أصماً بالغاً يحمي طفلاً أصماً وكأنه ابنه رغم انه لا يعرفه، لكن رباط الصمم يربطهما ببعضهما البعض". لكن ما الذي يغذي هذا الشعور بالولاء، وأحياناً بالانتماء إلى الآخر الأصم؟ تقول الشويعر: "توفر الأقسام الداخلية في مدارس الصم بيئة خصبة وغنية لنقل ثقافة الصم فتساهم في تطويرها والحفاظ عليها، وكذلك يتم التفاعل في الأندية الاجتماعية والرياضية التي يرتادها الصم كباراً وصغاراً فيلتقون ببعضهم البعض من مناطق مختلفة فتتطور لغتهم المؤشرة وتزداد مفرداتها غنىً".
الدمج في المجتمع الكبير
تتبنى منظمات المجتمع المدني، والمنظمة الدولية سياسة الدمج التام وتكافؤ الفرص للأشخاص المعوقين في المجتمع ككل، وقد صدرت الاتفاقية الخاصة بالإعاقة في السنة الفائتة. وعلى الرغم من انتشار مصطلح "الإعاقة السمعية" واعتماده من قبل كثيرين في العالم العربي، إلا انها تطالب بعدم استعماله، تضيف: "عندما أطالب بعدم إستعمال مصطلح "إعاقة سمعية" فهذا لأن الصم ليسوا معاقين وطلبي هذا لا ينافي سياسة الدمج، بل هو يتفق مع القوانين الدولية فقد تم إصدار بيان مشترك في 2 يوليو 1991 بين الاتحاد العالمي للصم والاتحاد الدولي لضعاف السمع على عدم صحة إطلاق مسمى "الإعاقة السمعية" بل يستعمل لقب "صم" و "ضعاف سمع" أو "الصم و ضعاف السمع"، والهدف في العمق هو تمييز الصم عن الأشخاص المعوقين. ويجب ألا يفوتنا أنه ليس كل الصم يتقنون اللغة المؤشرة بل إنهم يعتمدون على قراءة الشفاه، كما أن بعضهم يطلق على نفسه لقب معوق سمعياً إما لاستدرار شفقة ورحمة السامعين، أو لعدم اندماجهم في المجتمع وقبله في ثقافته كأصم لعدم إتقانه للغته، وعند احتكاكه بالمجتمع يصطدم بعوائق اللغة وبهذا يتكرس لديه مفهوم كونه معوق سمعياً، وهذا خطأ.
ترى الشويعر انه لا بد للأصم من الاندماج في ثقافة أقليته كأصم الصم بالفعل أقلية، "أنظر للاحصاءات وعدد السامعين مقارنة بعدد الصم ستجد أن عدد الصم أقل بكثير من السامعين. إيرادي لهذه الحقيقة لا يعني أن هذا يتباين مع سياسة الدمج. في الحقيقة لا شأن له بالدمج إذ أنا أتكلم عن إحصائية أعداد الصم و مقارنتها بأعداد السامعين لهذا نجد الصم أقل. لذا فقولي: الصم أقلية، يعتبر صحيحاً، ولا يعني ذلك أبداً عزل الصم من خلال دمجه في مجتمع أقلية، فما أطالب به هو الاهتمام باللغة المؤشرة لكي يتمكن الصم من خلالها من إكتساب العلوم والمعارف وتطوير قدراتهم و بالتالي دمجهم مع مجتمعهم الكبير و حتى يتساوون مع أندادهم السامعين".
فحرمانهم من اللغة المؤشرة سيؤدي لتهميشهم لعدم إكتسابهم المهارات اللازمة من خلال اكتساب اللغة التي تشكل الرابط الأساسي بينه وبين أبناء هذه الأقلية، وذلك قبل الانطلاق إلى الخطوة التالية نحو الدمج التام في المجتمع، إذ انه بفقدان هذه الثقافة يفقد عنصر تمايزه في المجتمع وارتباطه بباقي أفراد جماعته. ثم "إن استخدام الأصم للغة المؤشرة لا يعني بالضرورة أنه يتبع ثقافة الصم أو معتقدات تلك الثقافة، فثقافة الصم هي هوية، وكل أصم يعتبر فرداً استثنائياً قابلاً لتبني هذه الثقافة، كما انه يوجد كثيرون من ضعاف السمع يفضلون ثقافة الصم عوضاً عن ثقافة السامعين والعكس بالعكس". فطالما انه يوجد مستويات مختلفة في الاعتزاز الذاتي عندما يتعلق الأمر بثقافة الصم، ومدى قوة إيمان الأصم بتلك الثقافة؛ فإنه تختلف ردات فعل أفراد هذه الأقلية تجاه ثقافة السامعين بين عدم الثقة بالسامع حتى لو كان متقناً للغة المؤشرة وبين متقبل مرحب بالسامعين في مجموعات مؤلفة من الصم، حتى أن هناك من اندمج من السامعين في مجتمعات الصم. ترى الشويعر انه من المهم جداً للسامعين الاختلاط والتفاعل مع مجتمعات الصم لأسباب كثيرة أهمها إتقان اللغة المؤشرة وتقنيات التلقي، وتختم: "فالصم هم المعلم الحقيقي لأي سامع يريد تعلم اللغة المؤشرة، وثقافة الصم، وما يمر بهم من ظلم واضطهاد وتهميش على جميع الصعد".
التحقيق منشور في إيلاف دجتال يوم الجمعة 2 شباط 2007