القنب الهندي يغرق مدنا في المغرب بأمواج بشرية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
"إيلاف" في جولة في حقول "البترول الأخضر" في الشمال
القنب الهندي يغرق مدنا في المغرب بأمواج بشرية
أيمن بن التهامي من الدار البيضاء: كانت زراعة القنب الهندي "الكيف" المستفيد الأكبر من التساقطات المطرية الأخيرة في المغرب، الذي تستعد بعض مدنه الشمالية حاليا للبدء في زراعة هذه النبتة التي قضي على 69 في المئة من المساحات الحاضنة لها، خلال عمليات المكافحة المبرمجة في السنة الماضية.
وكما هو معتاد، مع اقتراب كل موسم فلاحي، يتخبط عدد من المدن، المجاورة لمنطقة كتامة المشهورة بزراعة القنب الهندي، في فوضى عارمة نتيجة تدفق آلاف الشباب، سيرا على الأقدام، إلى الشوارع المؤدية إلى هذه المنطقة، رغم ضيق مساحتها، في محاولة للظفر بوظيفة شاغرة داخل الحقول المخصصة لزراعة هذه النبتة.
وتتسلح هذه الأمواج البشرية، في تحقيق حلمها في العمل في هذه الحقول، بالأغطية والزاد فقط، تفاديا لمبيتهم في العراء في الغابة والأدغال، كما تضطر إلى العمل بأجر زهيد، في محاولة لنسيان، ولو لأشهر موقتة، قساوة الفراغ والانتظار والفاقة.
وقبل أن تخرج هذه القوافل بحثا عن "قوتها الموسمي"، تنتظم في مجموعات لكل واحدة رئيسها ينطق باسمها ويفاوض مع "الباطرين" حول ثمن الاشتغال الذي يخضع بدوره لقانون العرض والطلب، وهو ما يؤدي في بعض الأحيان إلى حدوث مواجهات عنيفة جراء منافسات غير شريفة في سوق العمالة.
وتعد زراعة القنب الهندي موردا أساسيا ورئيسا في تحسين مستوى عيش مجموعة من الشرائح الاجتماعية في المنطقة، كما أنه يستقطب أعدادًا هائلة من اليد العاملة من مختلف أنحاء المغرب.
وبما أن مرارة البحث عن الخبز لا تفارق لسان الساعين إليه، فإن تجارب المنغمسين في البترول الأخضر لا تخلو من صعوبات ومشاق، تبدأ من "الموقف"، وهو المكان الذي يقصده الباحثون عن اليد العاملة، ولا تنتهي إلا بمغادرة هذه الحقول.
ويقول (م س)، أحد العاملين الذين التقتهم "إيلاف" في مينة تاونات، "في أغلب المرات لا تكلل محاولاتنا في البحث عن عمل، فنعود من حيث أتينا سيرا على الأقدام، مقسمين على أن لا تطأ أقدامنا ذلك المكان مجددا، لكن الظروف وقلة الحيلة تفرض علينا الرجوع".
ولا يكون أمام الذين لم يحالفهم الحظ في الظفر بوظيفة شاغرة سوى مواجهة الأسوأ في رحلة العودة التي قد تدوم لأيام دون أن يدخل جوفهم ولو كسرة خبز واحدة، يروي (م س) "في احدى المرات لم أذق طعم الخبزلأكثر من ثلاثة أيام، رغم أني قطعت عشرات الكيلومترات سيرا على الأقدام".
وفي مكان يدعى "الموقف" في كتامة يقف المئات من العمال من مختلف الأعمار والمدن والقرى، في انتظار قدوم من سيساوم قوة سواعدهم في حقول القنب الهندي، ولساعات طوال ينشغل بعضهم بالحديث عن مغامراته في المنطقة قبل سنين، ومنهم من يدخن "جوانات" أو "شقوفا" أو "السبسي"، ومنهم من ينفح "الطابة".
ولا يقتصر العمل في حقول الكيف على الذكور فقط، بل يشمل أيضا حتى المرأة القروية التي تلعب دورا مهما في زراعته، ويجري الاستنجاد بنساء المناطق المجاورة لتنقية حقول القنب الهندي من الأعشاب، مقابل أجر لا يتعدى في أحسن الأحوال 40 درهما.
وتقوم نساء المنطقة بإعداد الوجبات الغذائية للعمال في فترات الإعداد والحرث والحصاد بينما يكتفي الأزواج وأبناؤهم بالتسوق وجلب العمال ومراقبتهم.
غير أن هذه الفئات تشتكي من سوء المعاملة من قبل أصحاب الحقول، إذ يؤكد (ع ر)، يعمل في احد حقول كتامة، أن "عمالا قاصرين تتراوح أعمارهم بين 13 و 20 سنة، تعرضوا للاغتصاب من قبل مشغليهم المعروفين في منطقة كتامة بالشواذ إلى حد أن معظم العمال الذين وفدوا إلى المنطقة في وقت سابق يحذرون زملاءهم من التوجه للعمل عند هؤلاء".
"البارصا" و"الريال" بعد الحشيش
يلجأ شباب المناطق الشمالية إلى العمل في حقول القنب الهندي بسبب الركود التجاري الذي يشهده بعض المدن وارتفاع نسبة البطالة وتراجع فرص الاستثمارات. ولم يكن هذا الوضع إلا ليؤديإلى "تفريخ" مئات العاطلين عن العمل، الذين تفشت في أوساطهم ظواهر سيئة كالإدمان على استهلاك مختلف أنواع المخدرات والانزواء في المقاهي وراء الفرجة الرياضية.
ورغم اضطرار بعضهم إلى التفكير في العبور إلى الضفة الأخرى والانغماس في أجواء البديل المنتظر لواقع رتيب وبطالة مستديمة، إلا أن ما يثير الاستغراب هو اتجاه أنظار هذه الفئة المجتمعية إلى متابعة مقابلات البطولة الإسبانية إلى حد أنها أضحت حديثهم اليومي وشغلهم الشاغل مع فرق "البارصة"، و "الريال"، و "ديبورتيفو".
كما تنامت ألعاب القمار والمراهنة حول من يفوز في المباراة، وهو ما يذكي فتيل المشاحنات التي تصل إلى حد السب والقذف والتشابك بالأيدي في المقاهي التي تتنافس في ما بينها على نقل مباريات البطولة بوساطة أجهزة البث الرقمي، سعيا وراء جلب أكبر عدد من الزبائن وعلى رأسهم الشباب المعطل.
ويعزى انسداد الآفاق في هذه المناطق إلى ضعف البنيات التحتية القادرة على جلب استثمارات القطاع الخاص والعمومي، وغياب مؤسسات إنتاجية في قطاع الصناعة والصناعة التقليدية، بالإضافة إلى الإجهاز على فرص العمل التي كان يتيحها الإنعاش الوطني في إطار مشروع تنمية الريف الغربي.
وليست هذه الظروف البنيوية وحدها تقف عائقا أمام إدماج شباب المنطقة في سوق العمل، بل هناك عوامل أخرى تساهم في استفحال حدة البطالة، خاصة في أوساط حاملي الشهادات، ومنها غياب مركز محلي للتوجيه والإرشاد في مجال الشغل، مما يفوت فرص الحصول على الإرشادات والخدمات للراغبين في التشغيل الذاتي.
مشكل آخر تعاني منه هذه الفئة النشيطة في المجتمع المغربي، ويتعلق الأمر بالمتخصصين في المنشآت ذات الطابع الثقافي والتربوي والترفيهي، إذ إن دور الثقافة تعد على رؤوس الأصابع، في حين يتسم أداء جمعيات المجتمع المدني بالهزالة.
التحقيق منشور في ايلاف دجتال يوم الخميس 1 اذار 2007