حقوق المرأة في اميركا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
فدوى بنيعيش: مضى على تأسيس الدولة الأمريكية أكثر من قرنين، ورغم تزعمها لدول العالم من حيث الريادة العلمية والاقتصادية والعسكرية، إلا أن وضعية المرأة الأمريكية ما تزال متواضعة مقارنة مع نظيرتها في بعض الدول الاسكندينافية بل وحتى بعض الدول الإفريقية. ففي الولايات المتحدة لا تشكل نسبة النساء داخل الكونغرس سوى15% فيما تصل إلى نحو 49% في دولة مثل رواندا و45% في السويد. كما أن المرأة الأمريكية لم تنجح حتى الآن في الدخول إلى البيت الأبيض كرئيسة للولايات المتحدة كما أنها تعاني من تمييز كبير في الأجور مقارنة مع زملائها الرجال الذين يقومن بالمهمات نفسها.
مسيرة حقوق المرأة الأمريكية
لم تعتقد النساء الفقيرات اللائي خرجن إلى شوارع مدينة نيوإنغلاند بولاية ماساتشوستس سنة 1820
ورغم الاستخفاف الذي واجهته النساء في تلك الفترة بسبب تمردهن ورغبتهن في العمل في ظروف أكثر رحمة إلا أن شرارة المطالبة بالمساواة كانت قد اندلعت ولم ينجح شيء في الوقوف في وجهها بعد ذلك. وجاء إضراب عاملات مصنع للقطن كان اسمه "لوريل" سنة 1834 كخطوة ثانية في مسيرة الاحتجاجات التي تبنتها النساء داخل الولايات المتحدة في سبيل تحقيق المساواة مع الرجال، وتصف الكثير من المراجع ذلك الإضراب بالتاريخي لأنه كان بداية فعلية لانبثاق أول جمعية نسوية في الولايات المتحدة وكان ذلك سنة 1844.
مسيرة الخبز والورود
تحولت الإضرابات إلى أداة فعالة في يد العاملات الأمريكيات البسيطات وفي 1857 خرج آلاف النساء للاحتجاج في شوارع مدينة نيويورك على الظروف اللا إنسانية التي كن يجبرن على العمل تحتها، ورغم أن الشرطة تدخلت بطريقة وحشية لتفريق المتظاهرات إلا أن المسيرة نجحت في دفع المسئولين السياسيين إلى طرح مشكلة المرأة العاملة على جداول الأعمال اليومية كما أنه تم تشكيل أول نقابة نسائية لعاملات النسيج في أمريكا بعد سنتين على تلك المسيرة الاحتجاجية، غير أن تلك النقابة وخلافا للحركة التي كانت سائدة في أوروبا فإنها لم تتبن المذهب الاشتراكي الذي كان منتشرا حينذاك بين النقابات العمالية حول العالم بل تبنت تلك النقابة مواقف الحركة النسوية وجعلت من الدفاع عن حقوق المرأة أحد أهم أهدافها.
وفي الثامن من مارس من سنة 1908 عادت الآلاف من عاملات النسيج للتظاهر من جديد في شوارع مدينة نيويورك لكنهن حملن هذه المرة قطعا من الخبز اليابس وباقات من الورود في خطوة رمزية لها دلالتها واخترن لحركتهن الاحتجاجية تلك شعار "خبز وورود". طالبت المسيرة هذه المرة بتخفيض ساعات العمل ووقف تشغيل الأطفال ومنح النساء حق الاقتراع.
كما الحركة النسوية كانت حاضرة في تلك الفترة لدعم العاملات المضربات حيث قام اتحاد النقابات النسائية بتوفير الكفالات المالية لإطلاق سراح العاملات اللائي تعرضن للاعتقال خلال الإضراب كما ساعد انضمام نساء من الطبقة المتوسطة إلى حركة الاحتجاج في منح تمرد العاملات زخما أكبر.
قصة الثامن من مارس وبداية الاحتفال بالمرأة
شكلت مُظاهرات الخبز والورود بداية تشكل حركة نسوية متحمسة داخل الولايات المتحدة خصوصا بعد انضمام نساء من الطبقة المتوسطة إلى موجة المطالبة بالمساواة والإنصاف رفعن شعارات تطالب بالحقوق السياسية وعلى رأسها الحق في الانتخاب، وكان اسم تلك الحركة "سوفراجيستس" (suffragists) وتعود جذورها النضالية إلى فترات النضال ضد العبودية من أجل انتزاع حق الأمريكيين السود في الحرية والانعتاق من العبودية.
وبدأ الاحتفال بالثامن من مارس كيوم المرأة الأمريكية تخليدا لخروج مظاهرات نيويورك سنة 1909 وبعدها بسنيتين وقع حادث فظيع أكد على أهمية تكتل ونضال النساء العاملات. ففي الخامس والعشرين من مارس من سنة 1911 اندلع حريق هائل في مصنع للنسيج في مدينة نيويورك راح ضحيته أكثر من 140 عاملا وعاملة، وكان السبب عدم وجود وسائل للوقاية أو مخارج للطوارئ، وكان للحادث تأثير كبير على الأمريكيين إذ عشرات الآلاف من المواطنين للمشاركة في تشييع الضحايا مما أدى إلى تغيير قوانين العمل المجحفة بعد ذلك.
وقد ساهمت النساء الأمريكيات في دفع الدول الأوربية إلى تخصيص الثامن من مارس كيوم للمرأة وذلك في مؤتمر كوبنهاغن بالدانمرك الذي استضاف مندوبات من سبعة عشر دولة وقد تبنى اقتراح الوفد الأمريكي بتخصيص يوم واحد في السنة للاحتفال بالمرأة على الصعيد العالمي بعد نجاح التجربة داخل الولايات المتحدة.
غير أن تخصيص يوم الثامن من مارس كعيد عالمي للمرأة لم يتم إلا سنوات طويلة بعد ذلك لأن منظمة الأمم المتحدة لم توافق على تبني تلك المناسبة سوى سنة 1977 عندما أصدرت المنظمة الدولية قرارا يدعو دول العالم إلى اعتماد أي يوم من السنة يختارونه للاحتفال بالمرأة فقررت غالبية الدول اختيار الثامن من مارس.
وتحول بالتالي ذلك اليوم إلى رمز لنضال المرأة تخرج فيه النساء عبر العالم في مظاهرات للمطالبة بحقوقهن وتذكير الضمير العالمي بالحيف الذي مازالت تعاني منه ملايين النساء عبر العالم. كما أن الأمم المتحدة أصدرت قرارا دوليا في سنة 1993 ينص على اعتبار حقوق المرأة جزء لا يتجزأ من منظومة حقوق الإنسان وهو ما اعتبرته الكثير من المدافعات عن حقوق النساء حول العالم تنقيصا من قيمة المرأة عبر تصنيفها خارج إطار الإنسانية.
توالد الحركات النسوية وبداية ظهور المسترجلات
عقب المكتسبات التي حققتها عاملات النسيج بمساعدة من باقي الأمريكيات في بداية القرن العشرين شهدت مسيرة النضال لإقرار حقوق المرأة فترة من الخمول في نشاط الجمعيات النسائية التي بدأت موضة انتشارها منذ عشرينات القرن الماضي حتى وصل عددها إلى عشرات المئات.
كما أن التغيرات السياسية التي كان يشهدها العالم آنذاك خصوصا ظروف الحرب العالمية الثانية وفترة تغير النظام العالمي بعد فترة من اندلاع الحرب الباردة أدت إلى إسكات الصوت النسائي داخل الولايات المتحدة ولم تسترجع تلك الحركات قوتها إلا عند نهاية فترة السبعينات. واتسمت في تلك الفترة بالتركيز على المساواة بين الرجل والمرأة في المجالين الاقتصادي والعلمي خصوصا منح النساء أجور مماثلة لزملائهن من الرجال وفرص متساوية في الحصول على العمل بالإضافة إلى منحهن الحق في تبوأ المناصب العلمية وتسهيل مساطر مواصلتهن للدراسات العليا.
كما أن تلك الموجة بدأت التركيز على محاربة مظاهر استغلال المرأة في أماكن العمل مثل التحرش الجنسي والاغتصاب والتقليل من قيمة المرأة ككائن بشري فتم سن قوانين جديدة تمنع مثل تلك الممارسات وتعرض مرتكبيها لعقوبات قاسية. كما تميزت تلك الفترة بتطرف بعض الجمعيات النسوية التي بدأت تطالب المرأة بالتخلي عن أي مظاهر للأنوثة سواء في لباسها أو في حديثها وظهرت دعوات للتخلص من أحذية الكعب العالي التي تم رميها في القمامة خلال مظاهرات الاحتفال باليوم العالمي للمرأة بالإضافة إلى محاربة استعمال للماكياج أو العطور. بل وصلت بعض تلك الدعوات حد مطالبة النساء بقص شعرهن والتنكر لأنوثتهن حتى يثبتن للرجال بأنهن لا يختلفن عنه وبدأت تظهر دعوة "المسترجلات" بشكل أساسي في المجلات والصحف التي أسسنها للترويج لنظرتهن الخاصة بالمساواة.
نسوية ما بعد الحداثة
في بداية الثمانينات من القرن الماضي حصل تحول جذري في وعي وأدبيات الحركة النسوية داخل الولايات المتحدة. وبدأت عدد من الجمعيات وزعيماتها في مراجعة الأدبيات والشعارات التي كن يؤمن بها من قبل وظهرت موجة ما يسمى "نسوية ما بعد الحداثة" التي ترتكز فلسفتها على أن المرأة تختلف عن الرجل في بعض الخصائص البيولوجية والنفسية وأن في ذلك تميز حقيقي وليس انتقاص من شأنها. كما تميزت تلك الفترة بنقد "المنجزات" التي حققتها الهيمنة الذكورية على العالم، كما ظهرت دعوات لرفض انفراد الرجال بحكم العالم بسبب المآسي التي جرها ذلك الأمر على الإنسانية بشكل عام.
ولم تكتفي المنظمات النسائية بالتنظير العلمي لأفكارها تلك بل بدأت تظهر دراسات علمية وأكاديمية تحاول الربط بين الهيمنة الذكورية على مناصب القرار في الغرب بشكل خاص واضطهاد الشعوب الضعيفة عبر تشريح فترات الاستعمار التي تعرضت لها تلك الدول. كما ظهرت دراسات نقدية لما سمي بالعقلية الذكورية التي خلصت إلى أن تلك العقلية تسببت في قهر شعوب العالم الثالث والطبيعة والمرأة!. وبدأ في تلك المرحلة تغير واضح في نوعية الأهداف التي تناضل من أجلها المنظمات النسائية داخل الولايات المتحدة حيث ظهرت دعوات لتحسين ظروف عيش الشعوب المقهورة ومنح جميع سكان العالم فرصة تحصيل العلم والتمتع بالديمقراطية.
وتحولت بالتالي تلك المنظمات إلى حاملة للواء حقوق الإنسان بشكلها العام والكوني. كما بدأت تلك المنظمات بالمطالبة بإنهاء الهيمنة الذكورية على مراكز القرار كوسيلة وحيدة لوقف نزيف الحروب التي تشعلها قرارات الرجال وتدفع ثمنها النساء كما بدأت تنظم صفوفها وتوحيد جهودها للتركيز على وصول المرأة لمراكز القرار في محاولة منها لوقف ما تسميه "العدوانية الذكورية". فهل تنجح امرأة في دخول البيت الأبيض في 2008 كرئيسة وليس كسيدة أولى؟