الاعياد الايرانية تناقضات بين الروح القومية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الاعياد الايرانية: تناقضات بين الروح القومية و المعتقدات الدينية
يوسف عزيزي من طهران:هذه الايام عندما تسير في شوارع وأزقة طهران - أو اي مدينة ايرانية اخرى - يمكن ان يخدش اعصابك صوت انفجار او شيء من هذا القبيل. فاذا كنت اجنبيا تستغرب و يمكن أن
وتبدأ هذه التفجيرات الخفيفة المبشرة بالاعياد قبل شهر تقريبا من بدء السنة الهجرية الشمسية المتداولة في التقويم الايراني الذي تصادف هذا العام 21 آذار.
فالذي ينظر لايران من الخارج ربما لايرى فيها الا الثقافة الدينية التي تظهر عادة في الخطاب السياسي الرسمي السائد في البلاد. لكن هناك خفايا و زوايا في روح اي شعب لايمكن التعرف عليها الا من خلال المعايشة و التدقيق في روحه و ثقافته وتاريخه.
الاعياد الايرانية
فحين نفحص الروح الايرانية الحديثة نراها مركبة من 3 مكونات: الثقافة الفارسية قبل الاسلامية، و الثقافة العربية الاسلامية، و الثقافة الغربية. وقد تعود الاولى الى عهود الاكاسرة الفرس كالاخمينيين
و الساسانيين و الثانية الى بعد الفتوحات العربية الاسلامية والثالثة الى القرون الحديثة وولوج الحداثة الغربية الى البلاد.
كما يجب التنويه بان هناك 3 انواع من الاعياد في ايران: الاعياد القومية (الفارسية) و الاعياد الدينية (الاسلامية) و الاعياد المذهبية (الشيعية).
و لم اذكرهنا الاعياد الوطنية - كيوم قيام الثورة الاسلامية مثلا- لانها اعياد حديثة العهد و رسمية و سياسية اكثر من اي شيء آخر.
فمن الاعياد الدينية يمكن ان نشير الى عيدي الفطر و الاضحى و من الاعياد الشيعية الى عيد الغدير(الخُم ) والاعياد القومية ك "نوروز" و"الاربعاء الحمراء" و شم النسيم (سيزده بدر).
فيجب التنويه هنا أن الايرانيين لم يحتفلوا بالاعياد الدينية كالفطر والاضحى كما يحتفلوا باعيادهم القومية التي ذكرناها آنفا وذلك خلافا للشعوب العربية والاسلامية. ونعني بالاحتفال، كل المظاهر التي تمنح يوما ما نكهة العيد كالاهتمام و المعايدة و احضار الحلويات وارتداء الاطفال واليافعين، الملابس الجديدة وماشابه ذلك من امور؛ اللهم اذا استثنينا الايرانيين من عرب الاهواز و اهل السنة.
ويقترن مطلع الربيع مع عدة احتفالات و اعياد في ايران. فالسنة الشمسية الايرانية تبدأ مع عيد نوروز الذي يصادف عادة يوم 21 آذار من كل عام ميلادي. لكن وقبل هذا العيد هناك مناسبة يحتفل بها الايرانيون تسمى "جارشنبه سوري" اي الاربعاء الحمراء.
ويلي الاربعاء الحمراء (جارشنبه سوري)، عيد نوروز حيث تعطل الوزارات و الدوائر الحكومية و غير الحكومية عملها لمدة اسبوع،
و المدارس و الجامعات لمدة اسبوعين. ويكون يوم شم النسيم (سيزده بدر) المصادف لليوم الثالث عشر من برج الحمل (الشهر الاول للسنة الايرانية) و الثاني من ابريل هو آخر يوم لعطلة المدارس و الجامعات.
اذ يغادر معظم الايرانيون في مثل هذا اليوم، البيوت الى المنتزهات والحدائق و البساتين والمروج والصحاري للتخلص من نحوسة عدد ال 13 لانهم يعتبرونه يوم نحس يجب ان ينقضي خارج البيوت. وتعود هذه الاعياد والاعتقادات الشعبية الخرافية الى الاساطير المجوسية وعبادة النار التي كانت رائجة قبل الاسلام.
و انتقلت هذه الاعياد الفارسية الى ما بعد الاسلام حيث اخذ بعض الخلفاء العباسيين الاحتفال بها.
الثورة الاسلامية و الاعياد القومية الفارسية
فقد بذل قادة الثورة الاسلامية ومنهم اية الله الخميني جهودا حثيثة للحد من اهمية الاعياد القومية و العمل على تعظيم الاعياد الدينية، غير ان المحاولات هذه لم تكلل بالنجاح بسبب الجذور التاريخية للاعياد القومية حيث يصعب استئصالها بسبب تجذرها في نفوس الايرانيين و الفرس خاصة. ومما زاد الطين بلة تسييس هذه القضية من قبل المعارضة القومية حيث اخذت المؤسسات الاعلامية لهذه المعارضة في الخارج، ومنها الفضائيات المتعلقة بالملكيين و القوميين الفرس، تحث الناس بالتمسك بهذه الاعياد بل واستخدامها كأداة ضد رجال الدين و ثقافتهم الدينية.
و لم تخل ليلة الاربعاء الحمراء (جارشنبه سوري) من الصدامات
والاشتباكات التي تقع عادة بين المحتفلين والقافزين من فوق النيران وبين قوات الامن الداخلي التي تعتبر ذلك مظهرا من مظاهر الوثنية المجوسية و عبادة النار. وقد هدد قائد قوات الامن الداخلي قبل ايام بالقاء القبض على كل من يثير الشغب في ليلة الاربعاء الحمراء
واعتقاله حتى آخر يوم من عطلة الاعياد اي لم يفرج عنه الا بعد يوم شم النسيم (سيزده بدر).
ويبدو ان نداءات زعماء الثورة الاسلامية ورجال الدين لم تفلح خلال اكثر من ربع قرن في اجتثاث هذه التقاليد القديمة؛ وكان آخرها تصريحات أحد مراجع التقليد الشيعة في مدينة قم، اية الله فاضل لنكراني ادلى بها العام الماضي و نشرتها صحيفة جمهوري اسلامي حيث وصف هذه الاعياد بانها غير اسلامية يجب محاربتها. لكن بعض رجال الدين الذين اصبحوا برجماتيين بحكم حضورهم في السلطة اخذوا يبررون الاحتفال بهذه الاعياد بشكل او آخر. ومنهم امام مدينة طهران حجة الاسلام احمد خاتمي الذي برر خلال احدى خطب صلاة الجمعة الاحتفال بالاعياد القومية الفارسية بروايات لرجال دين شيعة، منقولة تاريخيا.
وتلتقي هنا اقليات قومية في ايران مع رجال الدين حيث لاتحتفل بهذه الاعياد أو ترجح الاعياد الدينية على الاعياد القومية - التي تعتبرها فارسية اساسا- ومنهم العرب الشيعة الاهوازيين والتركمان السنة في شمال البلاد. و تنتقد النخبة من هذه القوميات عدم استجابة السلطات التشريعية المتعاقبة في تلبية مطالب العرب الشيعة و سائر اخوانهم من اهل السنة الايرانيين - الذين يشكلون نحو ربع سكان البلاد- لاضافة ولو يوم واحد الى عطلة عيد الفطر او عيد الاضحى حيث لاتتجاوز اليوم الواحد لكل منهما قياسا بعطلة نوروز ال 15 يوما.
وقد اصبحت الاعياد بعد قيام الثورة الاسلامية و كسائر الظواهر الاجتماعية و الثقافية في ايران أدوات سياسية بيد الفصائل الايرانية المتخاصمة. وقد شهدت ذروتها عندما تزامن يوم عيد نوروز مع يوم عاشوراء (يوم استشهاد الامام الحسين بن علي) قبل 5 اعوام حيث لم تحتفل الجماهير الايرانية بعيد نوروز بل حولت العيد الى يوم عزاء للامام الحسين. وقد اظهر هذا الامر رجحان الروح المذهبية على الروح القومية لدى الايرانيين.
فمن الواضح ان التناقض في الروح الايرانية والصراع بين مكونات حضارتها لم يحسم نهائيا لصالح إي منها وستقرره عدة شروط سياسية
واجتماعية و ثقافية.
التحقيق منشور في ايلاف دجتال يوم الخميس 8 اذار 2007