إيلاف+

مقاهي السليمانية وروادها

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

مقهى الشعب في السليمانية: قصة المغمور و المشهور
الشاعر الوزير: أسماء لامعة في سماء الادب و الفن جلست هنا

نزار جاف: هناك الکثير من المقاهي في مدينة السليمانية لکن تتميز من بينها مجموعة معينة إکتسبت على مر الزمان شهرة و سمعة خاصة بها. وقد إنتهى أمر بعض المقاهي التي کانت مشهورة لعقود عديدة بفعل عوامل الإعمار و البناء، کما کان الحال مع مقهى"حمهzwnj; رق"و مقهى"الاوقاف"حيث بني في مکان کل واحد منهما مطعما. وهناكمقاهي خاصة بالشباب و اخرى خاصة بمربي"القبج"و"الديکة"، کما ان هناكمقهى خاص بالنساء فقط وهو تجربة فريدة من نوعها رأت النور في أواسط التسعينيات من الالفية الماضية.

مقاهي الکتاب و المثقفين
لکننا تتبعنا المقاهي الخاصة بالادباء و الکتاب و المثقفين في المدينة ووجدنا هناكثلاث مقاهي خاصة بهم لکل منها طعم و نکهة خاصة بها، غير ان الاشهر من بينها وبشهادة العديد من الادباء و المثقفين، کان و لايزال مقهى الشعب، رغم ان بعض الادباء يطعن في ذلكو يؤکد ان هذا المقهى لم يکن في بادئ امره سوى مکانا يجمع"أشقياء و قبضايات"السليمانية. والحق ان المقاهي الثلاث التي اشرنا اليها کانت بالاضافة للمقهى الاشهر"أي الشعب"، هي مقهى"مام علي" و مقهى"القلعهzwnj;دزيين"(نسبة الى مدينة قلعهzwnj;دزهzwnj;).

شئ من تأريخ المقاهي
"لم يکن مقهى الشعب في بداية امره سوى مکانا يتجمع فيه أشقياء و قبضايات المدينة من أمثال"عوسهzwnj; آمهzwnj;"و"صديق آمهzwnj; دريز" وغيرهم" هکذا أبدى الشاعر الکوردي"کوران مريواني"الذي يقيم منذ اواسط السبعينيات في السويد و له حضور بارز هناكوهو الان عضو في البرلمان السويدي. مريواني قال لنا وهو يجر الحسرات على ذلكالزمن"الغريب"بکل تفاصيله:"في السبعينيات کان هناكمقهى مام علي حيث کان يجلس فيه الکثير من الادباء و الفنانين المعروفين من أمثال فؤاد مجيد مصري و شيرکو بيکس و رفيق صابير و عثمان جيوار و آزاد حمهzwnj; بجکول و کمال صابر وغيرهم ممن لاتسعفني الذاکرة حاليا بأسمائهم، وفي ذلكالوقت کنا مجموعة من الادباء الشباب حيث کانت الدماء تغلي في عروقنا و کحالة أي جيل جديد، سعينا لأثبات وجودنا من خلال رفضنا للجلوس في مقهى مام علي الذي کان يقابل الواجهة الرئيسية لسينما سيروان و اخترنا لجلوسنا مقهى آخر هو"القلعهzwnj;دزيين"الذي کان يقابل الباب الفرعي للسينما ذاته. هذه المجموعة أتذکر منها الراحلين أوميد آشنا و عثمان شيدا و کذلكمحمد عمر عثمان و نزار جاف و محمد رنجاو و آخرين.

الرئيس الطالباني يهتم لأمر مقهى الشعب
مقهى الشعب بين الأجيال
مقهى الشعب الذي کان شاهدا حيا على فترات تأريخية هامة من تأريخ مدينة السليمانية"التي تعتبر القلب النابض للتيارات السياسية و الثقافية المختلفة"، تروي الکثير عن تلكالفترات العصيبة التي مرت بها، وکل رکن و زاوية منه يروي قصة الاديب أو الفنان الفلاني وکيف دخل عالم الثقافة و الفکر الکوردي من ثنايا هذا المقهى العتيد. طوال أکثر من خمسة عقود، مايزال مقهى الشعب من معالم مدينة السليمانية الرئيسية الشامخة بتأريخها العريق في إحتضانها لمختلف الادباء و الفنانين الذين تکون عادة أولى خطواتهم من هذا المقهى. تأسس هذا المقهى في عام 1950،"بحسب إدعاء السيد بکر شريف هورامي أحد ورثة المقهى"، فيما يرجعه البعض الى تأريخ أقدم من ذلک. ويقع في مرکز المدينة وفي البداية کان صغيرا لکنه توسع فيما بعد و نال من اهتمام و رعاية الحکومة الاقليمية و شخص الرئيس جلال الطالباني مايکفي لإعادة إعماره و توسيعه و تحديثه. المقهى يتغير عن سائر مقاهي المدينة بکونه يحتوي على مکتبة خاصة به بإمکان رواده أن يستعيروا کتبه للمطالعة، ويدير المقهى الان أبن صاحبه و هو يؤکد ان مقهى الشعب کان بحق مقهى للشعب الکوردي إذ انه جمع على کراسيه مختلف التيارات الثقافية و الادبية و السياسية الکوردية.

من هنا مروا مشاهير الادباء و الفنانين
العديدون من الذين إلتقيناهم، يصرون على أن أفضل و أبرز و أشهر الادباء و الفنانين الکورد هم الذين شربوا أقداح الشاي و الماء في هذا المقهى، بل وإن بعضهم يتندر و يقول أن في شاي مقهى الشعب بالاضافة الى مادة الکافائين المنبهة هناكأيضا مادة"الشهرة"المنعشة للبعض"المحظوظ"منهم فقط.
وحين سألنا عن أبرز الوجوه التي إحتضنته المقهى، أشاروا الى الشاعر المعروف"شيرکو بي کهzwnj;س" والى القاص المشهور"حسين عارف" و الناقد الراحل"أميد ئاشنا" و الاديب المثير للجدل"حسين بفرين" و الصحفي العبثي"محمد رنجاو" و الشاعر المسافر دوما بأفکاره"محمد عمر عثمان" و أسماء کبيرة أخرى تکاد تکون اللبنات الاساسية من التأريخ الادبي لعموم کوردستان.


الجاحدون و المتبرمون و..
وبين الاسماء المشهورة التي لمعت من هذا المقهى و بين أسماء أخرى بقت تراوح في مکانها وظلت"رهينة"هذا المقهى، تجد هناكمن يبث لواعجه و همومه من الدنيا و تصاريفها، وقد کان أحد الشعراء من الذين إشترط عدم ذکر سمه واحدا من عدة آخرين أبدوا إستيائهم و إمتعاضهم من الکثيرين الذين تنکروا لهذا المقهى و أداروا لها ظهر المجن، وقد قال هذا الشاعر الذي ما يزال ينتظر متى ستنشر قصيدته الجديدة کي يستلم"فتات"مکافأة عليها:"لا أحب أن أذکر الاسماء التي سأطيلها ضمنا طالما إنني لم أبح بإسمي، لکنني أؤکد لكبأنني حتى لو نلت شهرة توازي الشهرة التي نالها مارکيز أو غونتر غراس، فإنني لم أکن لأتخلى عن هذا المقهى، إنه جزء من کيان و بنيان و إحساس کل مرتاد له، و لکن للأسف هناكثلة معينة سحرتها الشهرة و بريقها مثلما أسکرتها"الدنانير و الدولارات و اليوروات"فباتت تشعر بالقرف و الإشمئزاز من کل شئ يربطها بهذا المقهى، بل انهم يودون لو کان في وسعهم أن يمحون هذا الجزء من حياتهم کي تنتهي قصتهم مع هذا المقهى، تصور ان بعضا من هؤلاء قد تکرم و نزل من عليائه ليزور المقهى"وأقصد المتغربين منهم على وجه الخصوص"، فدخل بخيلاء و هو يخط خطوات فيها الکثير من التکبر و الأنفة وکأنه ملكأو إمبراطور يمن على العامة بزيارته لهم، الحقيقة کلما کنت أنظر الى هکذا نماذج لا أدري لماذا کانت صورة الانسان الجاحد تقفز الى ذهني"
لکن محمد الشاب اليافع الممتلئ حيوية و نشاطا، کان حديثه بشکل مغاير تماما لذلک"المتبرم"، إذ قال:" أنا لست أديبا مشهورا وحتى لست أجد نفسي مستحقا لکلمة أديب، لکن ذلكلايمنع حلمي المستمر بأن أصبح ذات يوم أسم لامع، غير ان لکل مرحلة من الحياة إستحقاقاتها و ظروفها الخاصة وکلما تطور الانسان کلما تغيرت معه الکثير من الامور، وقطعا أن من کان بالامس عاطلا أو أشبه بذلكأو لنقل کان اسما غير معروفا و صار اليوم اسما لامعا أو حظي بمکانة متميزة أو وظيفة بارزة، فليس بالامکان أبدا مطالبته أن يستمر على نفس نهج حياته السابقة، وبالتأکيد الذين لم يسعفهم الحظ فلم يکن أمامهم سوى خيارين لاثالث لهما إما البقاء کأسرى أزليين في المقهى أو التبرم من الزمان و ضروبه".

الشاعر الوزير شيرکو بيکهzwnj;س ماذا يقول؟!
صحيح أن أحدا لم يذکر اسما محددا لأولئكالادباء الجاحدين الذين تنکروا لهذا المقهى"بحسب کلام العديد من الذين حاورناهم"، لکنهم کانوا يلمزون بشکل أو بآخر الشاعر الکوردي المشهور شيرکو بيکهzwnj;س، الذي کان أول وزير للثقافة في أول تشکيلة وزارية لحکومة إقليم کوردستان بداية التسعينيات. وعلى العکس من الکثيرين الذين يأخذهم سحر و بريق الشهرة، لم أجد أية صعوبة في أمر إتصالي به، بل وقد کان ودودا و شفافا الى حد غير عادي. zwnj;ولم أود أن أثيره من البداية وانما طلبت منه أن يحدثني عن مقهى الشعب، فطلب مني أن امهله بعض الوقت حتى يستجمع مافي ذاکرته عن هذا المقهى و کان أمينا في وعده عندما عاودنا الاتصال به مجددا فقال:"أعتقد ان هذا المقهى قد بني في الاربعينيات، وأنا شخصيا کنت أرتاده في الستينيات وکان الى جانبي هناكمجموعة أخرى محددة کانت هي الاخرى تتردد على هذا المقهى مثل الشاعر الاستاذ"أحمد هردي"و"عبدالله جوهر"الذي هو من رعيل فترة "کلاويز"، و الحقيقة انني أصبحت من رواد هذا المقهى عن طريق هذا الاديب، کما انني رأيت في هذا المقهى المطرب"محمد صالح ديلان"و الفنان"فريدون علي أمين" الشعراء"أخول"و"ع.ح.ب" و الصحفي المعروف"مصطفى صالح کريم" و"سلام منمي"و"رؤوف بيکرد" والروائي المشهور"حسين عارف" وآخرون، وقد کان وقت جلوس الادباء و الفنانين في هذا المقهى بشکل خاص عصر يوم الجمعة. و قد جرت تغييرات و تحويرات على هذا المقهى خصوصا في الثمانينيات وأضيف اليها دکان مجاور."ولما بادرناه بالقول أن هناكمن يتهمون الادباء و الفنانين المشهورين"ذوي الحظوة"بانهم تنکروا لهذا المقهى، قال وقد طرأت على لهجته شئ من الإستنکار:"ليس کذلكإطلاقا، أنا لا أذهب الى هناک، لأنه في الحقيقة لم يبقى لهذا المقهى من علاقة بالادباء و الشعراء و الفنانين، کل الناس باتوا يرتادونه. وأن معظم الذين کنت ألتقيهم لا يتواجدون هناكمثلما ان مشاغلي و إرتباطاتي کثيرة وقد لاتمنحني الوقت الکافي في بعض الاحيان حتى لراحة نفسي. کما إنني من الذين ساهمت في تأسيس مکتبة المقهى و حتى انني تکلمت مع"عمر فتاح"(نائب رئيس حکومة إقليم کوردستان) وقد کان أمر تحديث المقهى أساسا بناءا على مشورتي."

الصور إلتقطها"ريزين ابراهيم".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف