إيلاف+

وصفة فريدمان لكسب العرب

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

محمد عبد الله كرام:عقد مؤخرا برنامج الشرق الأوسط التابع لمركز الدراسات الاستراتيجية الدولية في واشنطن، ندوة في إطار التواصل والحوار مع العالم العربي والإسلامي بحضور سياسيين ودبلوماسيين سابقين وممثلين عن منظمات غير حكومية ومراكز أبحاث، وكذا عدد من المهتمين بشؤون وقضايا الشرق الأوسط وقدر من الطلبة الباحثين.
خلال هذه الندوة التي تولى تسيير نقاشها مدير برنامج الشرق الأوسط جون آلترمان، تمت استضافة الكاتب الصحفي المرموق توماس فريدمان، حيث قدم للحاضرين على أنه يعد في الوقت الراهن الكاتب الصحفي توماس فريدمان الأكثر تأثيرا على الإطلاق في العالم، ويكتب توماس فريدمان عمود الشئون الخارجية في صحيفة نيويورك تايمز وهو أحد أكثر الكتاب والصحافيين الأمريكيين شهرة في العالم العربي. عمل فريدمان مراسلا لصحف أمريكية في بيروت والقدس وتعلم العربية في القاهرة وحصل على الماجستير في دراسات الشرق الأوسط من جامعة أكسفورد. وتترجم مقالاته أسبوعيا في الكثير من الصحف والمواقع الإلكترونية العربية. ويعتبر كتاب فريدمان الأخير "العالم مسطح" The World Is Flat امتدادا لكتابيه السابقين "السيارة الكسس وشجرة الزيتون" (1999) و"تطلعات ومواقف: العالم في عصر الإرهاب" (2002) في الاهتمام بقضية العولمة والتحولات التي يشهدها العالم.

هذا الكاتب الذي حازعلى جائزة "بوليتزر" الشهيرة ثلاث مرات، قد أمضى الكثير من وقته في الحديث عن ضرورة حتمية تتمثل في التواصل مع الشباب العربي والمستمعين العرب، قصد إدراك أزمة الخطاب القائمة بين الولايات المتحدة الأمريكية والعالم العربي وسبل تجاوز الإشكالات العالقة.
في بداية مداخلته تحدث توماس فريدمان عن أهمية الرسالة التي تضطلع بها وسائل الإعلام، وأشار في هذا السياق إلى مبادرة "ليالينا" للإنتاج الإعلامي والفني، التي أقدمت على إعداد برنامج تلفزيوني مؤخرا، يقدم للمتلقي العربي صورة إيجابية عن الولايات المتحدة الأمريكية من خلال مشاهده التي تعرض لمجموعة من الشباب العرب قدموا إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتفاعلوا مع المجتمع الأمريكي.

إلا أن فريدمان يرى أن هناك أمرين أكثر أهمية من تسليط الضوء على الخطاب الأمريكي، لكون رسالة "ليالينا" عبر برنامجها التلفزيوني رغم أهميتها، تظل غير قادرة على إعادة صياغة الرأي العام بمفردها، وهنا يعرج فريدمان على ضرورة ترتيب الأولويات لدى الولايات المتحدة الأمريكية كمعطى أول، وذلك بالعمل على تقليص الهوة بين المبادئ المعلنة للحكومة الأمريكية وتصرفاتها على المستوى الخارجي، وأشار إلى مثال معتقل غوانتانامو الذي صار بمثابة الند لتمثال الحرية، فهو ينافي القيم والمبادئ التي نسعى إلى نشرها حسب قول فريدمان، ثم كمعطى ثان، تحديد الخلل الكامن في آليات التواصل والخطاب مع العالم العربي والإسلامي، مع مراعاة واقعية مواجهة هذه المبادرة أو صدها من قبل بعض التيارات والقوى في العالم العربي، التي تسعى إلى تعميق العداء ونشر صورة مغلوطة عن الولايات المتحدة الأمريكية، ففريدمان يرى أن تفعيل نهج الحوار مع العالم العربي يتطلب تجاوز النخب العربية وإيصال الرسالة إلى قدر أوسع من الجماهير والمتمثل في الشارع العربي الذي بات يتملكه الشعور بالاستياء من السياسة الخارجية الأمريكية ويعادي في أغلب الاحيان كل ما هو أمريكي.

استحالة الانتصار في حرب الأفكار
ويعرض فريدمان في حديثه إلى ما يسميه "بحرب الأفكار" القائمة بين العالم العربي والإسلامي و الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الآونة، واستحالة خروج الولايات المتحدة الأمريكية منتصرة في هذه الحرب ويرجع ذلك لأسباب يذكر منها تغييب أصوات قوى الاعتدال والوسطية، وعدم القدرة على فهم واستمالة الهوامش البسيطة في المجتمعات العربية وهي الشرائح أو الفئات التي يتوجب إشراكها في أي مشروع تواصلي.

فمنح خمسين ألف تأشيرة دراسة لطلاب عرب للقدوم إلى الولايات المتحدة الأمريكية قد يكون أكثر فعالية وجدوى من التخاطب معهم عن بعد، حسب رأيه، ويضيف في نفس اطار "حرب الأفكار" إلى أن حركة طالبان منذ سقوطها استهدفت في هجوماتها ما يزيد عن 200 مدرسة ، استنادا إلى مصادر عسكرية أمريكية، مما يثبت نشوب هذه الحرب بموازاة مع الحرب على الإرهاب التي تخوضها الولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية هذا العقد والتي أظهرت عدم نجاعتها.
ويتطرق فريدمان إلى ظاهرة التفجيرات الانتحارية، ويسرد نموذجين الأول حدث في بعقوبة منذ حوالي سنتين، حيث فجر انتحاري نفسه في مسجد في اليوم الأول من رمضان وسط حشد جنائزي، والثاني في أفغانستان حيث قام انتحاري آخر بتفجير قنبلة أثناء حفل تدشين مستشفى، وهنا يدلل فريدمان على انه يستعصي فهم هذه الظاهرة، حيث يعتقد أن القيود الحقيقة التي يخضع لها الشخص إجمالا هي:

العائلة والمجتمع والدين، وإذا كانت هذه الثلاثية قد تراجعت أو تصدعت إلى حد التلاشي، فقد كان من المتعين في العالم الإسلامي أن يشذب أو يندد بهذه الأفعال المشينة والوحشية، ويظهر للآخرين في مسيرات شعبية أن هذه الممارسات غير مقبولة وأن المسلمين جميعا يدينون برسالة واحدة تنبذ العنف وتدعو إلى السلام، ومع ذلك لم نسمع أي صوت، فإن كان الأمر كذلك، حسب فريدمان فليس بوسع أيا كان مواجهة هذه الظاهرة التي لا تمت للثقافة العربية والإسلامية بأية صلة.

هل ستتغير أمريكا؟
وفي جانب آخر، يؤكد فريدمان أنه يتعين على الولايات المتحدة الأمريكية إمعان التفكير في تصرفاتها، لأن أية خطوة سياسية تقوم بها تجاه العالم العربي والإسلامي تعد بالغة الأهمية، فالعمل على صياغة خطاب أمريكي متوازن يستدعي تكاثف الجهود من الجانبين ويتطلب تعبئة وسائل الإعلام في العالم العربي وإحداث شراكة مبنية على التفاهم المتبادل واحترام الآخرين، معتبرا أن على الولايات المتحدة الأمريكية أن تحسن الإصغاء والاستماع إلى مخاطبها العربي، لأن حسن الإصغاء ليس طريقة لتلقي الأفكار فحسب، وإنما هي أيضا سمة تعكس احترام المخاطب. فاليوم ليس بوسعنا أن نحادث العرب حتى بأقل الأمور أهمية، لأنهم يدركون جيدا إن كانت الولايات المتحدة الأمريكية تنوي الاستماع لهم حقا، أو أنها تنتظرهم فقط أن يفرغوا من كلامهم ، وقد توضح لهم ذلك منذ البدء مع إدارة بوش الحالية.
ويضيف فريدمان، على الولايات المتحدة الأمريكية أيضا أن تحترم "قواعد اللعبة"، وأن لا تتدخل في صباغة الخطاب الداخلي العربي وأن تسمع صوتها فقط إن طلب منها ذلك.

مع التركيز على إبراز العلاقة الإيجابية في نماذج عربية وإسلامية أمريكية ناجحة، كعناصر فاعلة ضمن مكونات المجتمع الأمريكي والعمل على تقديم مقومات صورة متوازنة للإعلام المحلي العربي على أن الولايات المتحدة الأمريكية بلد يتميز بالانفتاح ويسمح بحرية الاختيار كما يحترم أسس ومبادئ الديمقراطية التي ينادي بها داخليا وخارجيا، ويحدد فريدمان مطالب الولايات المتحدة الأمريكية من العالم العربي في ثلاث:
 استمرارية تزويدها بالنفط
 الحفاظ على انخفاض سقف أسعار النفط
 أن يحسن العرب معاملة إسرائيل

خارج هذه المطالب يمكن للعرب أن يفعلوا ما يحلو لهم، مما قد ينافي ما تدعو إليه المبادئ المعلنة للولايات المتحدة الأمريكية حسب فريدمان.
ويحدد فريدمان مكامن الخلل في الخطاب الداخلي العربي، في غياب حكومات تراضي وانعدام وجود آليات "حوار أفقي" يشرك كافة فئات المجتمع، ويوفر بيئة تسمح بالتواصل البناء، كما يشير إلى ضرورة إقرار "عقد اجتماعي" يوائم مقتضيات الواقع السياسي في العالم العربي ويستحيب لتطلعات الشرائح المحبطة والمهانة من الشباب العربي.

ويقدم الهند كنموذج، حيث تعتبر البلد الثاني بعد أندونيسا من حيث عدد المسلمين، مع ذلك لم نسمع بأي مسلم هندي أعتقل في غوانتانامو أو تورط في أحداث 11 من سبتمبر ، ويعيد فريدمان ذلك إلى المجال الديمقراطي المتاح للمسلمين في هذا البلد، هذا المجال الذي سمح للمسلمين كأقلية أن يبرزوا طاقاتهم إلى حد أن يكون رئيس الدولة المنتخب منهم.

ويخلص فريدمان إلى أن الديمقراطية ليست ما ترغبه الأغلبية، وإنما هي احترام حقوق الأقلية، فالأمر هنا لا يتعلق بالانتخابات أكثر مما يتعلق بالامتثال للقوانين وتبني الوضوح والشفافية مع احترام المؤسسات وحقوق الأقليات.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف