الشيعة في سورية: حقوق مصانة في مجتمع مصادر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الشيعة في سورية: حقوق دينية مصانة في مجتمع مصادر
دبي، الإمارات العربية المتحدة: يمثل الشيعة الإمامية أقلية ضئيلة في سورية، ولكنها ممتزجة في المجتمع، ومتداخلة ديمغرافياً مع المجموعات الأخرى. ومع أن الحقوق الدينية للطائفة الشيعية محترمة، فإنهم جزء من المجتمع السوري الأوسع، المغيَّب عن المشاركة السياسية.
تمهيد
ترجع جذور التّشيع في "بلاد الشام" (وهي التسمية التاريخية للإقليم الذي يشمل حالياً سورية ولبنان
بيد أن التّشيع أخذ ينحسر منذ تلك الحقبة، بسبب محاربته من قبل الدولة الأيوبية، والدولة العثمانية لاحقاً، إلى أن أصبح الشيعة الإمامية في سورية اليوم يمثلون أقلية صغيرة.
ورغم أن العلويين يعدون فرقة متفرعة من الشيعة، والذين يعرفون أيضاً بالنصيريين، نسبة إلى مؤسس الطائفة أبوشعيب محمد بن نصير، الذي عاش في القرن الثالث الهجري، فإنهم يتمايزون عن الشيعة الإمامية، ولا ينطبق عليهم وصف "الشيعة".
ويبدو أن قلة عدد الطائفة الشيعية في سورية، أسهم في ألا يمثلوا عصبية متميزة، مثل دول أخرى في المنطقة. كما أن انتماء النظام الحاكم في سورية، منذ ما يزيد على ثلاثين عاماً، إلى الطائفة العلوية، القريبة إلى الطائفة الشيعية، جعل الشيعة الإمامية تعيش في ظل العلوية وفي كنفها.
هذا فضلاً عن عامل آخر لا يقل أهمية، وهو أن النظام، الذي يوصف بـ "الأتوقراطي"، لا يتسامح إزاء إدماج الدين في السياسة (وتجربة الإخوان المسلمين في سورية أوضح دليل على ذلك)، ولذا فإن الشيعة كطائفة نأت بنفسها عن السياسة، وظلت في إطار التدين المحافظ، الذي يرضى عنه النظام.
مسلم شيعي يقرأ القرآن في جامع السيدة زينب في دمشق
وفي الواقع، فإن الحقوق الدينية للشيعة الإمامية محترمة، ورغم الأيديولوجية العلمانية للنظام، إلا أنه حريص على ضمان ولاء المؤسسات الدينية المتعددة له، "للتعويض عن هشاشة مساندته الشعبية"، بحسب رأي المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات.
الوضع الديمغرافي/ الديني
ليس من السهل الاستناد إلى إحصائيات دقيقة عن أعداد المجموعات الدينية في سورية، بسبب حساسية السلطة تجاه مثل هذه البيانات، إلا أن تقرير "الحرية الدينية في العالم" لعام 2006، الذي يصدر عن وزارة الخارجية الأمريكية، يذكر أن العلويين والإسماعيليين والشيعة يشكلون ما نسبته 13 في المائة من عدد سكان سورية، أي قرابة 2.2 مليون من إجمالي عدد السكان، الذي يبلغ 18 مليون نسمة.
أما التقرير الصادر عن مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية بالقاهرة عام 2005، بعنوان "الملل والنحل والأعراق"، فيشير إلى أن الشيعة يمثلون (1) في المائة من عدد السكان، في حين يشكل العلويون من 8 إلى 9 في المائة. بينما تشير المصادر الشيعية على شبكة الإنترنت إلى أن شيعة سورية يمثلون نحو 2 في المائة من إجمالي السكان.
وبالإضافة إلى الشيعة المواطنين العرب، تعيش على الأراضي السورية جالية إيرانية (شيعية) تتركز في دمشق. كما يوجد عدد كبير من الشيعة العراقيين الذين أخذوا بالتوافد إلى البلد منذ السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، هرباً من بطش النظام العراقي السابق. وقد زاد عدد هؤلاء بعد غزو العراق عام 2003، نتيجة لانعدام الاستقرار والأمن والتناحر الطائفي في بلدهم.
وتشير الأرقام الرسمية إلى وجود 1.2 مليون لاجئ عراقي (من جميع الطوائف والإثنيات) في الأراضي السورية. بينما تشير تقديرات مفوضية الأمم المتحدة للاجئين أن عدد العراقيين يبلغ حوالي 800 ألف عراقي. ويتركز الشيعة العراقيون في منطقة السيدة زينب، التي تقع جنوبي العاصمة السورية دمشق.
ويقطن شيعة سورية بعض أحياء العاصمة دمشق، وبعض قرى وبلدات حمص وحلب. ومن أبرز الأحياء الدمشقية التي يتركز فيها الشيعة "حي الأمين" (وسمي بهذا الاسم نسبة إلى العلامة السيد محسن الأمين الحسيني العاملي، المتوفى عام 1371 هـ، والمدفون في جوار الحضرة الزينبية، لمكانته العلمية المرموقة). ويوجد في هذا الحي مسجد الإمام علي بن أبي طالب، ومسجد الزهراء، والمدرسة المحسنية العريقة.
ويوجد في سورية أحد مزارات الشيعة الرئيسية، وهو مرقد السيدة زينب، الذي يزوره الكثير من شيعة الخليج والعراق وإيران، وحوله الكثير من الحسينيات والحوزات العلمية. أما مقام السيدة رقية بنت الإمام الحسين، الذي يقع بالقرب من الجامع الأموي، فهو ثاني مزار بعد السيدة زينب أهمية. ومن المزارات الشيعية الأخرى، مقاما السيدتين سكينة وأم كلثوم ابنتي الحسين.
وهذه المزارات تمول تمويلاً ذاتياً، وتتبع لوزارة الأوقاف، كما أن مساجد الشيعة وأئمتهم يتبعون للوزارة أيضاً.
والشيعة في سورية لا يتبعون مرجع تقليد واحداً، فهم يتوزعون بين تقليد آية الله العظمى علي السيستاني في النجف، وآية الله العظمى علي خامنئي المرشد الأعلى في إيران، والمرجع السيد محمد حسين فضل الله في لبنان.
الواقع السياسي/ الاجتماعي
بصورة عامة، لا يوجد تمييز مجتمعي ضد الشيعة، فهم مندمجون في المجتمع، وبينهم وبين الطوائف المسلمة الأخرى مصاهرة وتزاوج.
ومعظم الشيعة في سورية هم من أصول عربية، ومن العائلات الشيعية المعروفة نظام ومرتضى وبيضون والروماني.
وهناك أفراد من عائلات شيعية تقلدوا مناصب عليا في الدولة، مثل وزير الإعلام السابق مهدي دخل الله. كما أن صائب نحاس، رجل الأعمال السوري البارز، هو من عائلة شيعية.
وفيما يتعلق في الواقع السياسي، فالحكم في سورية قائم على نظام الحزب الواحد، لذا يحظر القانون إقامة الأحزاب السياسية التي لا تنتمي إلى اللون الأيديولوجي نفسه لحزب الدولة.
ونظراً إلى أن النظام يشدد على الفصل بين الدين والسياسة، فإن الشيعة ليس لهم تشكيلات سياسية خاصة بهم.
التشيع: حقيقة أم مبالغة؟ من القضايا التي خلقت جدلاً واسعاً في الساحة السورية في الآونة الأخيرة، ما أثاره الداعية السعودي الشيخ سلمان العودة (المشرف العام على "مؤسسة الإسلام اليوم" السعودية)، في 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2006، عن "انتشار كبير للمد الشيعي في بلاد الشام، وسورية على وجه الخصوص."
وجاءت تصريحات العودة بعد قيام مؤسسات إيرانية ببناء مرقدي الصحابي عمار بن ياسر، والتابعي أويس القرني في محافظة الرقة (شمال شرقي دمشق)، وافتتاح مكتب ثقافي إيراني فيها أيضاً.
إلا أن رموزاً دينية شيعية وسنية ردوا على تصريحات العودة، واعتبروها تنطوي على "مبالغة،" وأوضحوا أنه إذا كان هناك من تشيع، فهو لا يعدو حالات فردية.
واستجابة للهواجس المثارة بشأن التشيع، ومن أجل "تعزيز أواصر الإخاء الإسلامي والتقريب بين المذاهب الإسلامية،" أعلن في تشرين الثاني/ نوفمبر 2006 عن تأسيس جمعية التآخي بين المذاهب الإسلامية في سورية، برئاسة الدكتور صلاح الدين كفتارو (نجل مفتي سوريا السابق أحمد كفتارو ورئيس مجمع الشيخ أحمد كفتارو)، ويشغل منصب نائب الرئيس العالم الشيعي عبد الله نظام، رئيس الجمعية المحسنية في دمشق، وتضم الهيئة عدداً من العلماء والمفكرين السنة والشيعة في سورية.
وفي السياق نفسه، تتهم شخصيات سورية المستشارية الثقافية الإيرانية في دمشق بأن دورها لا ينحصر فقط في النشاطات الثقافية المتعارف عليها، بل إنها ترعى عملية التشيع في سورية، ولاسيما أن المستشاريات الثقافية الإيرانية تتبع في الحقيقة سلطة مكتب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في طهران، مع أنها ملحقة اسمياً بالسفارات الإيرانية.
فالدكتور وهبة الزحيلي، الفقيه والمفكر الإسلامي المعروف، أشار إلى أن المستشارية تستخدم "الإغراءات المادية، من مال وبيوت وسيارات، من أجل جلب الناس إلى اعتناق التشيع"، وأن "مئات من السوريين في دير الزور والرقة ودرعا وغوطة دمشق، قد استجابوا فعلاً لإغراءات المستشارية الإيرانية وتشيعوا"، بحسب تقرير صحفي نشر بتاريخ 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2006 ، على موقع "أخبار الشرق"، التابع لمركز الشرق العربي بلندن.
والواقع أن "العودة" ليس أول من أثار هذه القضية، فقد صرح مراقب الإخوان المسلمين في سورية، علي صدر الدين البيانوني، لوكالة "قدس برس"، قائلاً إن "كل ما يجري من حركة تشييع في سورية هو (...) محاولة لإثارة البلبلة من أجل تغيير تركيبة المجتمع السوري."
كما أن نائب الرئيس السوري "المنشق"، عبد الحليم خدام، في تصريحات صحفية، وعبر البيانات الصادرة عن جبهة الخلاص الوطني (المعارضة للنظام السوري)، انتقد السفير الإيراني في دمشق، واتهمه بممارسة نشاطات تشييع في سورية.
وقال خدام في مقابلة مع "يونايتد برس إنترناشيونال" إن السفير الإيراني "يستغل حالة الفقر الموجودة في البلاد، ويأتي إلى منطقة ويقول إن الصحابي فلان ابن فلان مر بها، ويجب أن نبني فيها مقاماً، فيبني مقاماً وحوزة، ويوزع أموالاً على بعض الفقراء. وهو عمل يريد من ورائه بناء حزب إيراني في سورية، عبر ما يمكن أن تسمى عملية التشييع."
بل إن "هاجس التشيع" أثاره مثقفون سوريون مع نائب وزير الخارجية الإيراني، منوشهر محمدي، خلال جلسات حوارية جرت في دمشق.
فنقلت صحيفة "الحياة" اللندنية، في عددها الصادر في 25 فبراير/ شباط الماضي، أن النائب في مجلس الشعب السوري، محمد حبش، أشار إلى وجود "اتهامات بأن إيران معنية بنشر المذهب الشيعي في سورية." وطالب حبش إيران بموقف يصرح بأنها "مهتمة بالشأن السياسي، وليس بالخلاف المذهبي."
ورد محمدي على هذه الهواجس، بالقول: "إننا لا نسعى لأن نجعل من السني شيعياً. ولا نعرف أن هناك حركة كهذه."
ويذكر المراقبون أن العلاقات الوثيقة التي تربط سورية بإيران، والتحالف الاستراتيجي بين البلدين منذ العام 1980، أتاح لإيران أن تنشط في الساحة السورية. فالاحتفالات واللقاءات التي تنظمها المستشارية في دمشق، بالمناسبات الوطنية (مثل الاحتفال السنوي بانتصار الثورة الإسلامية في إيران)، والدينية (مثل الاحتفال بذكرى استشهاد الحسين بعاشوراء)، يحضرها مسؤولون سوريون وإيرانيون على مستوى عالٍ.
وعند الحديث عن العلاقات السورية - الإيرانية، وصلتها بالموضوع الشيعي في سورية، لا يمكن إغفال عنصر "حزب الله" (اللبناني الشيعي)، الذي يرتبط بإيران عقائدياً واستراتيجياً.
فخلال هيمنة سورية على لبنان، قدمت الرعاية للحزب، ووفرت له الدعم السياسي والعسكري والأمني. وفي المقابل، فإن الحزب شكَّل حليفاً رئيسياً لها، وبالتالي كان لابد من أن ينعكس هذا على وضع الشيعة في سورية نفسها.
كما أن الصورة الشعبية للحزب، الناتجة عن دوره في "مقاومة" إسرائيل، أوجدت في الشارع السوري تعاطفاً مع الشيعة بشكل عام. وقد أشارت تقارير صحفية خلال الحرب البنانية - الإسرائيلية في الصيف الماضي (حرب الثلاثة والثلاثين يوماً)، إلى تحول عدد من طائفة السنة إلى المذهب الشيعي في سورية، نتيجة للتأثر، بما يسمى "إنجازات" حزب الله، و"انتصاره" في الحرب، والإعجاب بشخصية حسن نصر الله، زعيم حزب الله.
إلا أن مثل هذا التشيع لحظي، وهو أقرب إلى الانفعال العاطفي، أكثر منه تحولاً مذهبياً مستنداً إلى اقتناع حقيقي وراسخ.
أبرز الشخصيات الشيعية العامة
من أهم رموز الشيعة في سورية، زعيم الطائفة الجعفرية في سورية آية الله السيد علي السيد حسين مكي؛ والعلامة السيد عبدالله نظام، الذي يعد من أبرز علماء الشيعة في الشام؛ والشيخ نبيل الحلباوي، إمام مسجد مقام السيدة رقية.