جانب اخر للحياة في السودان: قصة حب وزواج
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
اوفيرا مكدوم من الخرطوم: يسألني الناس عادة كيف يمكنني ربط نفسي بالسودان الى الابد بعدما قمت بتغطية أسوأ الاحداث التي شهدها هذا البلد في مناطق صراع مثل دارفور.. اعتقد انني فهمت في نهاية المطاف قوة الحب..
الاخبار التي اغطيها عادة ما تكون قاتمة. لكن العيش هنا لثلاثة أعوام منحني فرصة فريدة لرؤية جانب في هذا المكان الرائع لا يفهمه سوى القليل من الناس.
كنت غريبة عندما وصلت الى هنا ووحيدة في مكان لا يوجد به سوى قلة من الاجانب وكنت موضع ترحيب من كثيرين في هذه العائلة.
وزوجي محمد عمر عبد العاطي من شمال السودان ويدير شركة خدمات جوية والجامعة الكندية بالسودان.
أنا وزوجي مسلمان وفي التاسعة والعشرين من العمر وكانت لنا نفس دائرة الاصدقاء طول عامين لكننا لم نتقارب من بعضنا البعض حقا حتى عام 2005 .
وعندما تقاربنا كان لقاؤنا في مزيج ثري للثقافتين العربية والافريقية حيث لا تهيمن ثقافة على الاخرى رغم سياسة تلقين المباديء التي تتبعها حكومات عديدة.
وعلى سبيل المثال تواصل حفل زفافي على مدى أسبوع لينتهي يوم السبت.
ومن الطقوس السودانية المتبعة في حفلات الزواج ما يعرف باسم "الجرتق" حيث يتبادل العريس وعروسه بخ اللبن في وجه بعضهما تفاؤلا بأن حياتهما ستكون نقية خالية من المشاكل.
وتطلق النساء وهن تغنين وتنشدن البخور ويرششن العطور ويشكلن دائرة محكمة حول العروسين. ويرتدي العريس رداء أبيض اللون ويحمل سيفا كبيرا بينما ترتدي العروس ثوبا احمر زاهي اللون وتضع حليا كثيرة من الذهب تنوء بحملها.
وأمضت أسرتي السودانية ساعات طويلة في صنع العطر التقليدي. واحضروا ما أسموه "أظافر" كائنات بحرية من الشرق الاقصى وقاموا بحشو تفاح بحفنات من القرنفل وتركوه ليجف.
وبعد ذلك يغلى الخليط في وعاء ضخم ويصب في النهاية في أوان من البلور تحفل بروائح مدهشة ليوم وليلة. والنتيجة الخلابة تفوق كثيرا عطور شانيل الشهيرة.
ويجب أن ترقص العروس امام النساء من الاسرتين.
اهتز مثل شاكيرا هذا ما ظننته.. يا له من مرح.. حتى اكتشفت ان الامر يقتضي تعلم نحو 75 رقصة قبلية مختلفة بما في ذلك هز الكتفين على الطريقة الاثيوبية.
وفي الايام الخوالي كانت العروس ترقص وهي مرتدية تنورة من اوراق الحشائش ولا شيء سواها لتظهر لقريبات زوجها انها ستتمتع بالخصوبة. وفي الوقت الحالي ترتدي العروس ملابس ولكنها تكشف أكثر مما تغطي.
ويشارك الجميع في الاعداد لحفل الزفاف السوداني. عشرات من الاهل والاصدقاء يعملون على اعداد الاطباق رائعة المذاق وتصميم الزينات المتقنة.
ويرسل الاقارب الذين يعيشون في الخارج لفافات تحتوي على مكونات هامة تتراوح بين وصلات الشعر اللازمة في رقصة العرس الى الشموع وكميات كبيرة من الحلي المصنوعة من الذهب والثياب. والشيء الذي يتوقع من العروس القيام به هو لا شيء تقريبا.
ولمدة شهر على الاقل قبل الزفاف تمكث العروس السودانية في المنزل ويجري تدليكها يوميا بمزيج يصنع من مسحوق جذور الكركم والبن واللوز المسحوق والارز وخشب الصندل. وتوضع العروس بعد ذلك على حافة حفرة تمتليء بخشب طيب الرائحة تشعل فيه نار هادئة لاضفاء لون جميل على الجلد وتعطيره برائحة جذابة.
وتبدأ طقوس الرسم بالحناء الشهيرة على اليدين والقدمين. وعندما تظهر العروس في يوم الزفاف يخطف لون بشرتها الرائع الابصار.
وجهت الدعوة لافراد من اسرتي وأصدقاء من مختلف انحاء العالم لحضور حفل زفافي وحضر 2000 مدعو ليلة الثوب الابيض في فندق بالاس على ضفاف النيل في الخرطوم لانني اردتهم ان يروا هذا .. الجانب الاخر من السودان.
لكنني عروس سودانية غير تقليدية الى حد ما اذ قبل زواجي بثلاثة اسابيع ذهبت الى دارفور مرة أخرى فيما أسماه احد اصدقائي "اندفاعة الحرية الاخيرة".
وكانت السلطات منعت دخولي الى دارفور قرابة ثلاثة أشهر وأخيرا حصلت على تصريح بالسفر.
والاشخاص الذين يعانون من الصراع هناك ويصل عددهم الى 2.5 مليون شخص يمكنهم فقط تخيل الترف على شاطيء شهر العسل بينما يكابدون الشعور بالمرارة في مخيمات يخيم عليها البؤس وينتابهم خوف بالغ من العودة لديارهم ويعتمدون على المعونات التي يقدمها لهم عمال الاغاثة.
ويقول زوجي انه يريد ان يكون أطفالنا جزءا من الجيل الذي سيعيد بناء السودان كأمة متساوية بعد سنوات عديدة من الحرب الاهلية واتفاقات السلام المتداعية.
وامل فقط الا يستغرق الامر كل هذا الوقت.