إيلاف+

المثليون جنسيا في الجيش الأميركي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

واشنطن: ترجع خدمة المثليين (يطلق البعض كلمة شواذ) من النساء والرجال داخل الجيش الأمريكي إلى بداية تأسيس الجيش ذاته، إذ تعود أول واقعة كشفت عن تورط مثليون داخل الجيش إلى عام 1778. ومنذ ذلك التاريخ فقد الآلاف وظائفهم ومواقعهم العسكرية بسبب اتهامهم بممارسة الجنس مع نفس الجنس، كما عانى آلاف آخرين من المضايقات والإهانات للسبب ذاته. فقد عانى المثليون من التمييز والتحيز ضدهم داخل الجيش، وداخل المجتمع الأمريكي، لفترات طويلة. وعلى الرغم مما يشهده المجتمع الأمريكي، بما في ذلك داخل الجيش، والرأي العام الأمريكي من تغيرات مهمة تجاه تلك القضية، في اتجاه مزيد من الانفتاح وقبول المثليين وخدمتهم داخل الجيش، إلا أن هذا لا يعني اختفاء الخلاف الحاد بشأن تلك المشكلة، سواء فيما يتعلق بتكلفتها الاقتصادية، أو انعكاساتها على الأمن القومي الأمريكي، خاصة في ضوء "سياسة لا تسأل، لا تتحدث" المطبقة داخل الجيش بشأن تلك القضية.

سياسة "لا تسأل، لا تتحدث": ما لها وما عليها
تاريخيا، اتخذ الجيش الأمريكي موقفا متشددا من مسألة المثلية الجنسية ومماثلة المثلية الجنسية داخل الجيش، فقد نص قانون الجيش صراحة بعد الحرب العالمية الأولى على حظر المثلية الجنسية داخل الجيش، وتجريم ممارسة الجنس بين المثليين، اعتاد الجيش خلال القرن التاسع عشر تسريح المتهمين بممارسة المثلية الجنسية. ونصت القوانين واللوائح العسكرية المنظمة للخدمة العسكرية على استبعاد الشباب المثليين والفتيات السحاقيات من الخدمة العسكرية. وفي أواخر عام 1981 رأت وزارة الدفاع أن هناك تناقضا بين المثلية الجنسية وطبيعة الخدمة العسكرية، وأن المثليين لا يتوافقون وطبيعة هذه الخدمة. وقد ظل حظر التجنيد العسكري للمثليين قائما حتى عام 1993، عندما بدأ الحكومة الأمريكية في تغيير المبادئ والقواعد القائمة بخصوص تلك الظاهرة.

في عام 1993 طرحت إدارة الرئيس بيل كلينتون سياسة جديدة لتنظيم وضع المثليين داخل الجيش، عرفت بسياسة "لا تسأل، لا تتحدث" Do not Ask, Do not Tell. وقد طرحت هذه السياسة كإجراء توفيقي بعد أن حاول الرئيس بيل كلينتون إلغاء الحظر التاريخي على الخدمة العسكرية للمثليين. وعلى الرغم من المعارضة الشديدة التي لقيتها تلك السياسة، سواء داخل الكونجرس أو داخل الجيش والمؤسسة العسكرية، فقد تم تطبيقها ابتداء من عام 1994. وقامت تلك السياسة على السماح للمثليين بالالتحاق بالخدمة العسكرية بشرط ألا يفصحوا صراحة عن توجهاتهم الجنسية وألا يمارسوا المثلية الجنسية أثناء خدمتهم العسكرية، كما حظرت تلك السياسة إهانتهم أو مضايقتهم أو التحقيق معهم بدون أدلة مادية قوية على اختراقهم للسياسة السابقة.

ورغم النوايا الجيدة للرئيس كلينتون، إلا أن السياسة الجديدة فاقمت من مشكلة المثلية الجنسية داخل الجيش، من زوايا عدة. فمن ناحية، زاد عدد الأفراد الذين تم تسريحهم من الجيش لذلك السبب. كما تشير الدلائل إلى أنه بعد تطبيق تلك السياسة أصبح الاضطهاد والاعتداء على المشتبه في توجهاتهم الجنسية المثلية أكثر انتشارا وشيوعا من قبل. وأصبح تطبيق تلك السياسة أكثر عشوائية، كما ظل تفسيرها من الأمور المعقدة؛ فبينما لم تلق قيادات عسكرية اهتماما بمسألة المثلية الجنسية داخل الجيش، لعب القانون دورا مهما في تحفيز آخرين ضد المثلية الجنسية داخل الجيش، فبذلوا جهودهم الخاصة للقضاء على تلك الظاهرة والبحث عن المثليين بهدف التخلص منهم استنادا إلى القانون ذاته.

وقد أرجع مسئولو البنتاجون زيادة عدد الأفراد الذين تم تسريحهم من الجيش بسبب المثلية الجنسية إلى قيام عدد كبير من الجنود بتحدي سياسة "لا تسأل، لا تتحدث"، سواء من خلال الإفصاح عن توجهاتهم وميولهم الجنسية بشكل صريح، أو من خلال ممارسة المثلية الجنسية. وبصرف النظر عن الأسباب الحقيقية، إلا أن هذه النتيجة لم تكن هي الهدف الحقيقي الذي سعى إليه الرئيس بيل كلينتون من تطبيق هذه السياسة، وهو ما دفع بالرئيس كلينتون في عام 1999 إلى القول بأن "سياسة لا تسأل، لا تتحدث" لم تعمل في الاتجاه المقصود، واتهم القيادات العسكرية بالتطبيق الخاطئ للسياسة.

ومنذ تطبيق تلك السياسة في عام 1993، فقد الجيش حوالي 11 ألف عسكري من الجنسين بسبب المثلية الجنسية، عدد كبير من هؤلاء كانوا يعملون في مواقع استراتيجية مهمة، مثل المترجمين، ومحللو المعلومات الاستخباراتية intelligence analysts. وعلى الرغم من الحاجة الماسة للجيش الأمريكي إلى مثل تلك التخصصات في إطار الحرب ضد الإرهاب إلا أنه لم يتردد في تسريح ذوي التخصصات الحيوية واللغويين الذين يُتهمون بممارسة المثلية الجنسية. ومنذ بدء عام 2007 (أي خلال نحو ثلاثة شهور فقط) تم تسريح أكثر من 800 مجندا من ذوي التخصصات الحيوية تلك، بالإضافة إلى 300 لغوي آخرين، سواء بسبب إفصاحهم عن ميولهم الجنسية أو بسبب ممارساتهم الجنسية المثلية. الكثير من هؤلاء الجنود والعسكريين كانوا يتحدثون لغات مهمة في إطار الحرب ضد الإرهاب (العربية، الفارسية، الكورية) وهي لغات نادرة بين المجندين والعسكريين الأمريكيين. يقول أحد الجنود الذين تم تسريحهم بسبب المثلية الجنسية، "القضية في نظري ليست قضية حقوق المثليين، بقدر ما هي قضية الكفاءة العسكرية، الجيش يتخلص من عناصر جيدة ونادرة".

وإزاء النزف اليومي الذي يشهده الجيش الأمريكي من الكفاءات بسبب مسألة المثلية الجنسية، يحاول الجيش تعويض هذا النزف من خلال عدد من الآليات الأخرى. وعلى سبيل المثال لجأ الجيش إلى تخفيف الشروط والمعايير الأخلاقية للمجندين، حيث أصبح بمقدور الأفراد الذين ارتكبوا جرائم وجنايات convicted felonies معينة بالتطوع في الجيش. وبمعنى آخر، لجأ الجيش إلى النزول بالمعايير والشروط الأخلاقية للتطوع والخدمة العسكرية. وقد أدى النزول بتلك المعايير إلى زيادة عدد المتطوعين في الجيش من مرتكبي جرائم سابقة إلى حوالي الضعف. وصل إجمالي المتطوعين من تلك الشريحة خلال السنوات الأربع الأخيرة إلى حوالي 4230 متطوعا.

ومن ناحية أخرى، فإن تكلفة تجنيد وتدريب جندي جديد قد تصل في بعض الحالات إلى أكثر من مائة ألف دولار أمريكي. وقد أنفق الجيش الأمريكي في هذا الإطار ملايين الدولارات على إحلال جنود جدد محل الجنود المسرحين بسبب المثلية الجنسية، خاصة أولئك الذي عملوا في مواقع ووظائف استراتيجية مهمة. ومن ثم، فإن خسائر هذه السياسة لم تقتصر فقط على الإضرار بالأمن القومي الأمريكي ولكن أيضا كانت لها تكلفة مالية باهظة.

وقد دفع ذلك بمؤيدي حقوق المثليين والعديد من صانعي القرار إلى المطالبة بتغيير هذه السياسة. ويرى هؤلاء أنه رغم أن سياسة "لا تسأل، لا تتحدث" تضمن حق المثليين في الانضمام إلى الجيش والتطوع فيه، بشرط الالتزام بعدم الإفصاح عن ميولهم الجنسية أو ممارسة المثلية الجنسية داخل الجيش، إلا أنهم يرون أن فرض حالة من السرية على المثليين والمثلية الجنسية داخل الجيش خلقت المزيد من المشكلات أكثر من مساهمتها في حلها. ومن بين تلك المشكلات على سبيل المثال، أن هذه السياسة تكتفي بحظر ممارسة المثلية الجنسية داخل الجيش، دون حظر أو تجريم صريح للشذوذ الجنسي في حد ذاته، وهو ما أدى إلى خلاف وغموض في الموقف من المثلية الجنسية في حد ذاته، فقد اعتمد البعض على تلك السياسة للتأكيد على أن المثلية الجنسية غير محظور في حد ذاته داخل الجيش، ولكن المحظور هو ممارسته بشكل صريح وعلني. النقطة الأخرى المهمة التي يثيرها هؤلاء، أن الحكم على سلوك جندي أو عسكري ما بالمثلية يعتمد بالأساس على تقييم طرف ثاني وربما طرف ثالث غير طرف في العلاقة الجنسية، ويعني ذلك من الناحية العملية أن أي جندي يمكنه إدعاء علمه بشذوذ جندي آخر. وقد تصبح هذه الشهادة أو المعلومة ـ والتي قد تكون غير صحيحة أو مستندة إلى موقف شخصي ـ أساسا أو شهادة إثبات في تحقيق عسكري، قد ينتهي بتسريح أو إنهاء الخدمة العسكرية للمجند أو المتطوع.

سياسات أخرى بديلة
إزاء المشكلات السابقة التي تثيرها سياسة "لا تسأل، لا تتحدث"، يرى البعض أن السياسة الأنسب للتعامل مع مسألة المثلية الجنسية داخل الجيش ربما تكون "لا تسأل، لا تُعطل" Do not Ask, Do not Disturp. وتعني حق المثليين في الإفصاح عن ميولهم الجنسية إلى الحد الذي لا يؤثرون فيه بالسلب على أداء وكفاءة وحداتهم العسكرية التي يعملون في إطارها. ويلتزم الجيش وفق هذه السياسة بالسماح للشواذ بالخدمة في الجيش طالما أن سلوكهم العملي لم يلق معارضة من زملائهم العسكريين. كما يجب ضبط مسألة توجيه الاتهامات الخاصة بتجاوز تلك السياسة، وضبط إجراءات عمليات التحقيق مع المثليين، وضرورة استناد تلك التحقيقات إلى شهادات مكتوبة من أكثر من مصدر. ويرى معارضو سياسة "لا تسأل، لا تتحدث"، أن السياسة البديلة المقترحة، تسمح من ناحية للمحققين العسكريين بالتركيز أكثر على الاعتبارات والأبعاد الأمنية للمشكلة، كما تسمح من ناحية أخرى للشواذ بالتمتع بحقوقهم وحرياتهم المدنية.

هل هناك تعارض بين المثللية الجنسي والخدمة العسكرية؟
هناك خلاف شديد بشأن هذا السؤال. الجنرال بيتر بيس Peter Pace، والذي يرى أن المثلية الجنسية في حد ذاته هو عمل غير أخلاقي، وأن على الجيش عدم التغاضي أو السماح بممارسة المثلية الجنسية، لا يبدو أنه يعتقد بوجود هذا التناقض. فقد اضطر بيتر تحت تأثير الاتجاه المعارض للسياسة الراهنة تجاه المثليين داخل الجيش، إلى الاعتذار عن تصريح سابق له قال فيه: "إن القول بأن المثليين يجب أن يخدموا في الجيش بحرية، يعني بالنسبة لي أننا يجب أن نتغاضى عما اعتقد أنه عمل غير أخلاقي"، قائلا: "كان يجب أن أركز أكثر على دعمي للسياسة المطبقة، وأن أركز بدرجة أقل على رأيي الشخصي والأخلاقي من مسألة المثلية الجنسية".

لازال الكثيرين يعارضون خدمة المثليين داخل القوات المسلحة الأمريكية، ولازال الجيش يتبنى موقفا متشددا تجاه المثليين. وتظل حجة هؤلاء أن حرية ممارسة المثلية الجنسية يمكن أن تخلق اضطرابات ومشكلات داخل الوحدات العسكرية، على نحو قد يهدد تماسك هذه الوحدات. ولكن البعض الآخر يتساءل حول مدى جدوى تسريح عناصر عسكرية مهمة، ولديها الرغبة في خدمة وطنها، بسبب ميلوها الجنسية؟ ولكن تزايد درجة تقبل الرأي العام والمجتمع الأمريكي، بما في ذلك داخل الجيش، للشواذ، أضعف بشكل كبير من قوة حجة المعارضين لخدمة المثليين داخل الجيش الأمريكي. وتشير الإحصاءات إلى أن عدد الأشخاص الذين تم إنهاء خدمتهم داخل الجيش بسبب المثلية الجنسية قد تراجعت بشكل واضح منذ وقوع أحداث سبتمبر 2001. فقد تراجع هذا العدد من حوالي 1200 شخص في عام 2001 إلى حوالي 600 شخص فقط في عام 2006. وفي الاتجاه ذاته، كشف استطلاع للرأي أجرته النيوزويك Newsweek أن 63% من الأمريكيين يعتقدون أن من حق المثليين الخدمة في الجيش والكشف عن ميولهم الجنسية، وكان رأي 58% من العسكريين الذين تم استطلاع رأيهم إما محايدا أو غير معارضا لخدمة المثليين داخل الجيش. هذا الاتجاه المنفتح تجاه مسألة خدمة المثلين داخل الجيش لا يقتصر فقط على الاتجاه الليبرالي، ولكنه يشمل أيضا عناصر من المحافظين، والجمهوريين، والمتدينين والمترددين على الكنيسة.

ومع ذلك لا يمكن القول بأن مسألة خدمة المثليين داخل الجيش أضحت مسألة محسومة، إذ يظل هناك خلاف شديد بشأنها. البعض يدافع بشدة عن خدمة المثليين داخل الجيش من زاوية حقوق المثليين والحفاظ على الحريات المدنية، والبعض الآخر يرفض خدمة المثليين بشدة من زاوية اعتبارات الأمن القومي. ولكن بصرف النظر عن مبرر كل فريق فإن صانعي القرار، والقيادات السياسية والعسكرية، والمواطنين أيضا، جميعهم يتفقون على هدف مشترك وهو التأكيد على أمان، وكفاءة، ونجاح المواطن الأمريكي في الدفاع عن الدولة الأمريكية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف