إيلاف+

لماذا يعشق الأمريكيون حمل السلاح؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

واشنطن: جاءت مجزرة جامعة فيرجينيا تيكVirginia Tech التي راح ضحيتها 33 من طلاب وأساتذة الجامعة، والتي قام بها طالب من كوريا الجنوبية يقيم بالولايات المتحدة، لتلقي الضوء من جديد على قضية حق حمل السلاح في الولايات المتحدة بين المواطنين العاديين، وخلفية هذا الحق الدستوري وتداعياته السياسية بين مؤيديه ومعارضيه.


وصدم الكثيرون خارج الولايات المتحدة من كلمة الرئيس الأمريكي جورج عندما عبر عن أسفه لسقوط الضحايا، إلا انه بادر في نفس الكلمة على التأكيد على حق المواطن دستوريا في اقتناء السلاح.
في الوقت الراهن تتركز الأغلبية الساحقة من مؤيدي تقييد حق حمل السلاح في أتباع الحزب الديمقراطي الذين يتمركزون في المدن الكبيرة وعلى ساحلي الولايات المتحدة. يوجد على النقيض أنصارا مؤيدون لاستمرار ممارسة حق حمل السلاح وهم غالبا من الطرف اليميني أو أعضاء في الحزب الجمهوري بصفة خاصة في الولايات الداخلية.
وتعتبر قضية حق حمل السلاح إحدى القضايا السياسية الرئيسية في حقبة التسعينات من القرن الماضي، ولكنها تراجعت على سلم الأولويات السياسية في السنوات الأخيرة بسبب عدم تمتعها بشعبية بين الناخبين الأمريكيين المحافظين.

العلاقة الغرامية بين الأمريكيين وسلاحهم
يؤكد التعديل الثاني في وثيقة الحقوق -التي تعتبر جزءا مكملا للدستور الأمريكي- على حق المواطنين الأمريكيين في حمل السلاح، ويقول نص التعديل الدستوري "إن وجود مليشيا حسنة التنظيم ضروري لأمن أية ولاية حرة، لذا لا يجوز التعدي على حق المواطنين في اقتناء الأسلحة وحملها." وهذا الجزء من التعديل دون ذكر بقية كلمات التعديل "مليشيا حسنة التنظيم" منحوت على مقر منظمة السلاح الأمريكية NRA.
ويمثل هذه المنظمة التي تعتبر أقوى لوبي (أي جماعة الضغط) في هذا الشأن 4.3 مليون عضو حيث تبرعت بحوالي 15 مليون دولار بصورة مباشرة لحملات سياسية ولجان حزبية منذ عام 1989، بالإضافة إلى مئات الملايين من الدولارات على اللوبي وشركات الدعاية. وذهب 84% من هذه الأموال لصالح الحزب الجمهوري. ودليل على نفوذ هذه المنظمة المتصاعد في السياسة الأمريكية ما ذكرته مجلة فورشين Fortune الواسعة الانتشار عام 2002 من أن منظمة NRA هي اللوبي الأقوى في واشنطن، مضيفة انها تتجاوز جماعات الضغط القوية التقليدية الأخرى مثل اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشئون العامة AIPAC ومنظمة المتقاعدين الأمريكية AARP.

وتعتبر الولايات المتحدة الدولة الأكثر تدججا بالسلاح في العالم، وطبقا لاستطلاع الأسلحة الخفيفة Small Arms Survey والذي أجراه معهد الدراسات العليا للدراسات الدولية عام 2003 Graduate institute of international studies in Switzerland
وجد أن هناك ما لا يقل عن 84 بندقية أو مسدساً لكل 100 شخص في أمريكا. وهذه النسبة أعلى كثيرا عن تلك الموجودة في أي دولة أخرى في العالم برمته، والبلد التي أتت بعدها في هذا الصدد وهي اليمن يوجد بها ما لا يزيد عن 50 سلاحاً لكل 100 شخص. أما بلدان الاتحاد الأوروبي فهي تمتلك عدداً ضئيلاً نسبياً ألا وهو 17 بندقية لكل 100 شخصاً فحسب.
وتؤيد غالبية الشعب الأمريكي استمرار ممارستهم للحق الدستوري في حمل السلاح، وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الحزب الديمقراطي قد يفقد جزءا من شعبيته بسبب موقفه المعروف ضد حمل السلاح إذا ما تجرأ وعرض القضية على أجندته السياسية بصورة واضحة. ويشير استطلاع رأي حديث إلى أن حوالي 65 % من الأمريكيين يعتقدون أن حمل السلاح خارج البيت هو حقً دستوري.

الأسلحة للدفاع عن النفس ... من الحكومة!

يوجد أكثر من استخدام للأسلحة الشخصية وأغلبية الأمريكيين يربطونها بهواية الصيد المنتشرة في المناطق الريفية، هذا بالإضافة إلى استخدام هذه الأسلحة عند الضرورة للدفاع عن النفس. إلا أن الهدف الأصلي في عيون أتباع وأنصار NRA هو الحيلولة دون الاستبداد والفساد من قبل الحكومة! وفي هذا الصدد تمثل الأسلحة الملجأ الأخير للمواطن المظلوم إذا تجاوزت الحكومة حدودها الدستورية.
إلا أنه في الوقت نفسه يرى بعض مؤيدي تقييد امتلاك الأسلحة أن التعديل الثاني في وثيقة الحقوق لا مكان له في المجتمع الأمريكي المعاصر الذي يتمتع بمؤسسات ديمقراطية منتخبة يوازن في عملها مراقبة متبادلة للحد من السلطات وعدم السماح بتجاوز ما نص عليه الدستور ويمنع معه ظهور الديكتاتورية.
ويحاول كل من معارضي تقييد حمل السلاح ومؤيديه إثبات أن أفكارهم تعكس نيئة مؤلفي الدستور، ومؤسسي الدولة الأمريكية الأوائل. ويذكر كلا الجانبين أن الجزء الأول من التعديل الثاني في الدستور الأمريكي "حيث أن وجود مليشيا حسنة التنظيم ضروري لأمن أية ولاية حرة" يدل على أن مؤسسي الدولة لم يقصدوا حق حمل السلاح للمواطنين الذين ليس لهم انتماء في مليشيات تابعة للولايات مثل الحرس الوطني في الوقت الراهن (لكل ولاية أمريكية ما يشبه تنظيم الميليشيات المسلحة تعرف بالحرس الوطني). ولا يستطيع الكونغرس نزع سلاح هذه المليشيات وليس له الحق في ذلك، ويستطيع الكونغرس فقط تنظيم امتلاك الأسلحة الشخصية كما يريد. من الناحية الأخرى يشير معارضو تقييد حمل الأسلحة إلى أن سائر التعديلات العشرة في وثيقة الحقوق تضمن الحقوق الفردية والتأكيد على ان واضعي الدستور اعتمدوا التعديل الثاني لكي يضمن ذلك الحق الفردي الشخصي الأصيل.

هل وجود الأسلحة مفيد أم مضر للمواطنين الأمريكيين؟
تتضارب الآراء حول فعالية تحديد حمل السلاح في مختلف الولايات الأمريكية، وتستطيع الولايات والوحدات المحلية الصغر مثل المقاطعات والمدن وضع بعض القوانين المقيدة لامتلاك الأسلحة، إلا أنها في التحليل الأخير لا تستطيع جعل امتلاك السلاح شيئا غير قانوني بصورة مطلقة.
ويشير أنصار ومعارضو حق حمل السلاح إلى عدد لا يستخف به من الدراسات والاستطلاعات والقصص الشخصية كبرهان في جدالهم.
من ناحية يؤكد المؤيدون أن البنادق لا تُستخدم في الدفاع عن النفس في أغلبية الأوقات بل في التشاجر الزوجي والانتحار أو القتل عن غير عمد، ويذكرون إحصاءات مثل عدد القتلى بسبب استخدام أسلحة مملوكة لأفراد في الولايات المتحدة والتي بلغت 30,242 عام 2002. من إجمالي هذا العدد نجد ان 56% منها كان بسبب الانتحار، وفقط 163 حالة قتل بسبب الدفاع الشرعي عن النفس. ويقول هؤلاء إن الخطر الأكبر على المواطن يأتي من الطريقة السهلة للحصول على السلاح لكل من هب ودب. ويستشهدون كذلك بدراستين أجرتهما The New England Journal of Medicine وأشارت إلى أن وجود سلاح بالبيت يضاعف من احتمال حدوث جريمة قتل فيه 2.7 مرة واحتمال حدوث انتحار 4.8 مرة.

من ناحية أخرى يقول معارضو التقييد إن حمل السلاح عند المواطنين الذين يخضعون للقوانين يخفّض نسبة الجرائم، على أساس أن وجود الأسلحة يكوّن ردعاً للمجرمين. وعلى سبيل المثال تشير NRA إلى ارتفاع نسبة القتل 300% في مدينة واشنطن العاصمة خلال الخمسة عشر عام بعد منع حمل المسدسات، إضافة إلى ذلك تؤكد المنظمة أن السلاح هو أداة مثالية للمرأة للدفاع عن نفسها، إذ وجد أن محاولات الاغتصاب تنجح بصفة عامة بنسبة 32 %، في حين تنخفض هذه النسبة إلى 3% إذا ما كانت المرأة مسلحة.

القيود القانونية على امتلاك السلاح
يتركز الكثير من الجدل بخصوص قضية حمل السلاح على الأسلحة الأوتوماتكية وشبه الأوتوماتكية وهي أسلحة خطيرة تم استعمالها في مجزرة مدرسة كولومباينColumbine الثانوية بولاية كلورا دو عام 1999 حيث أطلق شابان النار على زملائهم مما أسفر عن مقتل 12 تلميذاً ومدرساً قبل أن يقتلا أنفسهم.
ولا يزعم معظم الخبراء أن التعديل الثاني في الدستور يشمل كل أنواع السلاح بما في ذلك الهاون والقنابل اليدوية وأسلحة الدمار الشامل، بل يفسرون حق امتلاك السلاح على انه مقصور على الأسلحة الخفيفة. وبالنسبة لهذه النوعية من الأسلحة (الآلية ونصف الآلية) فتختلف الآراء حولها وعلى سبيل المثال لا الحصر يثير قانون منع الأسلحة الأوتوماتكية الجدل المحتدم كلما تم عرضه أمام الكونغرس للتجديد.

كذلك حسب قانون تحديد الأسلحةGun Control Act عام 1968 فإن هناك فئات عديدة لا تستطيع امتلاك الأسلحة منهم المجرمون الذين تم حبسهم لمدة سنة واحدة على الأقل ومدمنو المخدرات، والمرضى النفسيين، إضافة إلى من لا يتمتع بالجنسية الأمريكية.
ويسخر بعض الأمريكيين من مثل هذا القانون على أساس أن المجرمين لا يهتمون به وفي الواقع هو قانون يقيّد فقط المواطنين الذين يخضعون وينصاعون للقوانين.

رأي المحكمة الدستورية العليا

تتحاشى المحكمة الدستورية العليا مناقشة مسألة حق حمل السلاح منذ تناولها لقضية U.S. vs. Miller عام 1939 وهي القضية التي كانت الشرطة في ولاية اركنسو قد ألقت فيها القبض على مجموعة من الأشخاص الذين كانوا قد ارتكبوا جريمة لتوهم وكانوا يحملون نوعا من البنادق المحورةsawed-off shotguns الذي لا يستخدم في أي ميليشيات أي من الولايات الأمريكية، زاعمين ان الدستور يكفل لهم حق حمل تلك الأسلحة.
ويختلف المعسكران الرئيسان بالمحكمة (الليبراليون والمحافظون) على تفسير الدستور بهذا الشأن حتى الآن. ويفسر مؤيدو تقييد حمل السلاح في أمريكا القرار بأنه يرفض حق الفرد الذي لا ينتمي إلى أي مليشيا في حمل السلاح، بينما يدعّي معارضوهم أن المحكمة العليا كانت تقصد أن التعديل الثاني في الدستور هو حق للفرد ولكنه حق لا يشمل امتلاك أسلحة غير تقليدية مثل تلك التي تمتلكها الميليشيات المنظمة.
وانتقد بعض الليبراليين مؤخرا اختيار القاضي صامويل أليتوSamuel Alito بعد ترشيحه للمحكمة الدستورية العليا، إذ إنه كان القاضي الوحيد من بين 19 قاضي في منطقته الذي عارض في عام 1996 قانوناً جديداً لمنع الأسلحة الأوتوماتيكية بصورة كاملة. لهذا أثار تأكيد أليتو في مجلس الشيوخ في أواخر يناير الماضي على حق حمل السلاح مخاوف مناصري تقييد حق حمل السلاح في حالة ما تم رفع القضية أمام المحكمة الدستورية العليا الآن حيث سيكون للمحافظين من أنصار حق امتلاك السلاح اليد العليا.
وبينما حالت القرارات القضائية للمحكمة الدستورية العليا السابقة بشكل عام دون إقرار قوانين شديدة تحد من حق حمل السلاح، وتركت هناك منفذاً مفتوحاً للولايات والمقاطعات والمدن التي تسعي إلى سن مثل هذه القوانين وعلى هذه الساحة المحلية تستمر المعركة مشتعلة في الولايات المتحدة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف