إيلاف+

جرحى حرب لبنان على أبواب المستشفيات

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

لبنان: مصابو حرب تموز ما يزالون على أبواب المستشفيات


عماد الدين رائف من بيروت: كانت وزارة الصحة اللبنانية قد تعهدت لمصابي حرب تموز الأخيرة، أكثر من مرة، تغطية تكلفة كافة العمليات الجراحية ومتابعة الاستشفاء في كافة المستشفيات على الأراضي اللبنانية، لكن النتيجة مع حالات كثيرة أتت معاكسة.. كالعادة. ومن المصابين من فقد الأمل في هذه الوزارة وتقديماتها منذ اللحظة الأولى للإصابة، فما الذي حدث؟ أين الوعود التي قطعت من قبل هذه الوزارة بتغطية مجمل فاتورة الاستشفاء والطبابة للمصابين؟ أسئلة برسم مَن مِن المسؤولين؟ في ظل استقالة الوزير المعني من جهة، وغياب الإدارة والدفع للمستشفيات الخاصة من جهة أخرى؟

تقوم مراكز الخدمات الإنمائية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، التي يفترض بها متابعة حالات الإعاقة، بإرسال لائحة بالحاجات إلى مكتب وزارة الصحة ولا يستجاب لطلبها، هكذا ببساطة، تعلق إحدى الموظفات: "لشو فاتحين هل المراكز، ليقبضوا معاشات بس!". يضيف موظف آخر: "تسألني عن كيفية التدخل بعد الحرب؟! نحن بصراحة وجدنا أن كثيراً من الجمعيات الأهلية تقوم بالعمل، ففضلنا عدم التدخل". في هذا الوقت، تعمل بعض برامج المجتمع المدني مع مصابي الحرب الأخيرة، ترصد احتياجاتهم وتقف على سير العمل وعلى متابعة ملفاتهم الصحية.

الدفع على الصندوق
محمد الفليطي، شاب من بلدة عرسال، التي تقع شمال شرق العاصمة بيروت قرب الحدود السورية، موظف بالتعاقد مع بلدية البلدة، يعتدل في جلسته العربية في بيته المتواضع مستنداً بيده اليسرى، يقول: "تم إرسالي في مهمة لتحميل عدد من الحصص الغذائية من مدينة بعلبك، أثناء تأديتي لهذه الهمة، أصبت إصابة بالغة في يدي مما سبب لي شللا شبه تام فيها". تؤكد ضحى يحفوفي (معالجة انشغالية) أنه ما زال بالإمكان تلافي الوصول إلى الشلل التام، فيما لو أمنت لمحمد العناية الملائمة. حاول محمد متابعة علاجه، يضيف: "حصلت على موافقة طبيب الوزارة في مدينة زحلة على تغطية العملية بنسبة 100%، ثم دخلت إلى مستشفى تلشيحا التي وافقت بالتالي على إجراء هذه العملية على حساب الوزارة، وبعد إجراء العملية تفاجأت بأن صندوق المستشفى المذكور طلب مني مبلغ 900 الف ليرة لبنانية كفرق وزارة". صُدم محمد بهذا الإجراء غير المبرر فقام بسؤال الموظف الذي أفاده بأن المستشفى لا يعترف به كمصاب حرب! في محاولة أخرى يقول: جربت من جديد التواصل مع مكتب وزارة الصحة من خلال طبيب آخر بهدف الضغط على المستشفى كي لا أدفع هذا المبلغ، فلم أفلح". يرفض محمد الدفع، وقد خرج من المستشفى، وما زالت قضيته معلقة. فكر في رفع دعوى قضائية ضد المستشفى الذي لم يعترف به كمصاب حرب، رغم المستندات التي بحوزته، وهي عبارة عن محضر المخفر وقت الإصابة وتقرير الطبيب الشرعي، لكنه عرف مسبقا انه لن يصل إلى نتيجة، يبتسم محمد وهو ينظر إلى الجدار بيأس. يعيش أحوالاً معيشية صعبة، فقد كان المعيل لعائلته، أما اليوم فتصرف له معونة اجتماعية مؤقتة من البلدية. وهو سينتظر لشهرين قبل إجراء عملية لتثبيت كوع يده، كما قرر الأطباء وفق كلامه، لعل الوزارة تغطي هذه العملية.

تأجيل العملية
محمد الحلاني، من بلدة الفاكهة البقاعية، كان يعمل سائق ميني باص، وقد أصيبت هذه المركبة أثناء الحرب الأخيرة، أحدثت الإصابة بتراً في رجله اليسرى وتلفاً في أوتار يده اليمنى، فلم يعد يستطيع تحريك أصابعها. يجلس إلى سريره بعد وصوله ببطء نتيجة سيره بدون عكاز على طرف اصطناعي مؤقت. استطاع خلال الحرب الأخيرة أن يتابع علاجه في مستشفى الجامعة الأمريكية في بيروت على حساب الوزارة لمدة 15 يوماً. فقد كان بحاجة إلى تركيب طرف لرجله، وقد كانت الفرصة مؤاتية لإرساله مع وفد إلى المملكة العربية السعودية، فأنجز محمد جواز سفره وأوراقه المطلوبة من المبلغ البسيط الذي تحصل عليه والدته من راتب تقاعد أبيه المتوفي، يقول: "لكنني لم أستدع إلى السفر لمتابعة العلاج". قرر محمد بعد حصوله على تعويض من وزارة المهجرين أن يباشر في صناعة الطرف المناسب الذي كلفه مبلغا وقدره 6000 دولاراً أمريكياً، مع العلم أن التعويض المذكور لا يمنح لمتابعة العلاج بل لفقدان طرف من الأطراف. دخل محمد مستشفى المعلقة الحكومي في زحلة لإجراء عملية تطويل وتر في اليد ليتمكن من تحريك أصابعه من جديد، فقد أتى التقرير الطبي مفيداً أنه إن لم تجرَ له هذه العملية سيخسر حركتها نهائياً، نصحه الطبيب الموكل بإجراء العملية تأجيلها لمدة شهرين كون الوزارة لا تغطي تكلف الاستشفاء، وقد تغطيه بعد شهرين! فإن أراد فليجرها على حسابه الخاص، لكن محمد الذي لا تسمح له قدرته المادية على ذلك قرر الانتظار ككثيرين من أمثاله. في منزل العائلة الكثير العتبات والعوائق يرينا محمد الكرسي المتحرك الذي كان يستعمله قبل تركيبه للطرف التجريبي، قرب صورة ابنته آية المبتسمة ويحلم من جديد بقيادة ميني باص آخر كي يستطيع متابعة عمله.

"رفضوا طلبي"
نداء مشيك، 8 سنوات، من بلدة حوش بردى البقاعية، تتابع دراستها في مدرسة الهدى في الصف الرابع أساسي، أصيبت خلال الحرب، لديها إصابة بالغة في اليد طالت الأعصاب مما قد يؤدي إلى شلل دائم، عولجت في مستشفى دار الأمل الجامعي أثناء الحرب على حساب الوزارة، ثم في مستشفى الجامعة الأمريكية في بيروت. يقول والدها حسين: "في 7 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي كانت بحاجة إلى تخطيط أعصاب، توجهنا بها إلى مستشفى الجامعة الأمريكية التي طلبت موافقة الوزارة، في مكتب الوزارة رفضوا طلبي بذريعة أن الوزارة لا تغطي ذلك، فأعطيت أوراقي إلى أحد المعارف ليتوسط لدى مكتب الوزارة، لكن الوزير كان قد استقال في تلك الفترة، فلم يتابع ذلك". لم تحصل نداء على الموافقة، فجرب الأهل التواصل من جديد مع مستشفى دار الأمل الذي رفض استقبالها على حساب الوزارة، وطلب منها مراجعة المستشفى الحكومي في مدينة بعلبك. الآن، ما تزال نداء تنتظر موافقة الوزارة على متابعة علاجها مع تخوف كبير من تسبب الإصابة بإعاقة دائمة، تبتسم نداء وهي تقول: "يا ريتني ما تصاوبت"، فيدها التي تبقى مغطاة بالثياب لا يمكن أن تحمل بها شيئا ثقيلاً، وبطبيعة الحال لا تكتب بها... أما عن حسن مطر، من الهرمل، فقد أصيب في حوضه وأدى ذلك إلى إعاقة مؤقته لديه، وأصيب كذلك بكسور متفرقة في جسمه، خلال الحرب، أجريت له عملية في مستشفى دار الأمل وقد زرع لها جهاز لتثبيت الحوض، وكانت هذه العملية على حساب الوزارة. في كانون الثاني الماضي دخل حسن مستشفى دار الحكمة للإزالة هذا الجهاز بعملية جراحية، لكن الوزارة لم تقبل تغطية تكاليف العملية الجراحية بالكامل كما وعدت، بل غطت جزءاً من هذه التكاليف، بينما اضطر والده إلى الاستدانة لتدبير المبلغ المتبقي في ظل أوضاعه المعيشية الصعبة.

لم يتأمل خيراً
علي حسين عساف، أصيب بكسور في الكتف والقدم والرأس والأذن مع جرح في الرئتين وكسور في الأضلاع، أنتجت الإصابة إعاقة سمعية، عولج لمدة ثلاثة أيام في مستشفى دار الأمل على حساب الوزارة، ثم تابع علاجه على حسابه الشخصي ولم يحاول مجدداً على حساب الوزارة لعدم تأمله خيراً بمصداقية الوزارة، كما يقول، على الرغم من حالته الإقتصادية السيئة، وحاجته الماسة إلى علاج فيزيائي وكشف طبي على طبلة الأذن وسماعات، بسبب تعطل هذه الحاسة لديه. كذلك حال عائلة جميل حيدر أحمد، من بلدة شمسطار. أصيب كل من جميل وابنه علي وزوجته وابنته. أصابة الأب في العين اليسرى عطلتها عن العمل، وكذلك في أوتاره الصوتية. ابنه تعرض لإصابة في رجله اليسرى فلا يستطيع أن يطويها، أما الإبنة فقد أصيبت بصدمة نفسية قوية وفقدان ذاكرة مؤقت، الأم أصيبت في يدها ولم يجر لها فحص طبي مع تشنجات ظاهرة كل أسبوعين. عولجوا جميعاً لمدة يومين على حساب الوزارة في مستشفى رياق ولم يتابعوا علاجهم، فلا يثقون بإمكانية متابعة العلاج مع تعقيدات معاملات الوزارة!
كذلك توقف علاج علي دندش، الذي أصيب بحروق بالغة بنسبة 40% من الدرجتين الثانية والثالثة، عولج لمدة ثلاثة أشهر على حساب الوزارة ثم توقف العلاج. نتج لديه جراء الحروب شد للجلد على المفاصل خاصة مفصل القدم، وهو بحاجة إلى كشف طبي لمعرفة إن كان بالإمكان إجراء عملية تعيد الحيوية لهذا المفصل، كما تقول يحفوفي. عن الوضع الحالي في البقاع كما تلخصه يحفوفي: "قامت بعض المؤسسات بإحصاء جرحى الحرب الأخيرة، ومنحتهم المؤسسة بطاقات صحية بنسبة الإصابة والعلاج وتقوم بمؤازرة الهئية الصحية الإسلامية بتغطية كافة النفقات. المؤسستان على تفاهم تام بما يخص الحالات ومتابعتها مع برنامج الطوارئ في منطقة البقاع، لكنهما من المجتمع المدني في ظل غياب أي توجه رسمي عن معاناة الناس".

التحقيق منشور في ايلاف دجتال يوم الخميس 26 نيسان 2007

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف