عيد العمال يقلص المسافة بين البصرة وشيكاغو
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عيد العمال يقلص المسافة بين عمال البصرة وعمال شيكاغو
مالك سعدون من البصرة: بين شيكاغو بأمريكا .. والبصرة بالعراق.. آلاف من الأميال والبحار والمحيطات وحقب من التاريخ والحضارة.. ولكن الأول من آيار مايو من كل عام يقلص هذه المسافات إلى حد التطابق. فمثلما أعلن آلاف العمال فى شيكاغو في 1/5/1886 الإضراب العام احتجاجاً على ظروف العمل القاسية التي كانوا يعانون منها ، اعلن في الاول من ايار عام 1918 عمال (الدوكيارد) في البصرة أول إضراب للعمال في العراق.
وبهذه المناسبة، إنطلقت اليوم الثلاثاء مسيرة حاشدة لعمال البصرة رغم التوترات الامنية التي تشهدها المحافظة، وضمت المئات من العمال الذين انطلقوا من تمثال السياب على كورنيش البصرة متجهين الى مقر اتحاد النقابات وسط المدينة يحملون الرايات الحمراء والهتافات التي تدعو للوحدة الوطنية ونبذ العنف وتحقيق مطالبهم بحياة كريمة .
بعد ثورة 14 تموز اصبح الاول من آيار عيداً رسمياً وعطلة رسمية يحتفل به العمال للتعبير عن مطالبهم وتضامنهم .
وقال ناصر عبود، أحد النقابيين القدامى لوكالة أنباء (أصوات العراق ) المستقلة اليوم الثلاثاء" في الاول من آيار عام 1918حدث أضراب عمال الدوكيارد في البصرة، وعبر هذا الاضراب عن وعي الطبقة العاملة في العراق ضد استغلال هذه الشركة."
واضاف عبود "كما عبر عن الشعور الوطني ضد الاجنبي المحتل، " مشيرا الى أن يوسف سلمان (فهد) مؤسس الحزب الشيوعي العراقي ساهم في تنظيم هذا الاضراب .
وتأسس الحزب الشيوعي العراقي في 31 آذار عام 1934 وهو أقدم الاحزاب السياسية العراقية التي لم تزل تمارس عملها السياسي.
واستدرك عبود "في نفس الوقت ، اي في الاول من آيار عام 1918، أضرب عمال البناء في النجف، لتحسين احوالهم المعيشية."
وقال رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال البصرة حسين فاضل إن " الاحتفاء بعيد العمال هو الاحتفاء بقيم العدل والمساواة وقهر الاستغلال، وهو تقليد من صميم تقاليد الطبقة العاملة، فهو يوم للتضامن الانساني ويوم لتجذير الوعي الوطني."
أضاف فاضل " نشأت الطبقة العاملة العراقية في البصرة قبل غيرها من المدن العراقية، ففي الاحتلال البريطاني عام 1914 وبعد المعارك التي خاضتها القوات البريطانية من اجل ترسيخ وجودها بعد معركة الشعيبة عام 1915، بدأت بانشاء قواعدها ومطاراتها."
وتابع "بدأت القوات البريطانية في تهيئة طرق المواصلات وفتح طرق بين بغداد والبصرة وباقي المدن العراقية، كما قامت باستغلال الموانىء العراقية وربطها بالخليج، إضافة الى محاولاتها في استخراج النفط ، كما أوجدت مؤسسات لوجستية لتسهيل عملية سيطرتها كانشاء الموانىء وسكك الحديد وشركات النفط والكهرباء ."
وأشار أن كل هذه المشاريع دفعت البريطانيين الى استخدام العمال العراقيين بأعداد كبيرة، مع جلب بعض العمال من الهند وانجلترا كفنيين .
وقال "هكذا تكونت الطبقة العاملة في ظل الاحتلال بإعداد كبيرة نسبياً في مؤسساتها" منوها أنه قبل الاحتلال كانت هناك معامل تعود للعراقيين (كالغزل والنسيج، والطابوق، والدباغة، ومعامل الكاشي، وصناعة الصابون، وكور النورة والجص، والعمال الموسميين في جني التمور وجمعه وكبسه. "
ومضى فاضل "ظلت البصرة المعقل الدائم للطبقة العاملة بسبب موقعها وانفتاحها على كل جديد عبر الموانىء ونشوء الصناعات الحديثة فيها، إضافة الى ثرواتها الطبيعية وخصوصا النفط الذي جذب المستعمرين والمستثمرين ."
وتابع " ورغم الغاء الطبقة العاملة في القطاع العام وتحويلهم الى موظفين بقرار حكومي من قبل النظام السابق ظلت الطبقة لعاملة وفية الى تقاليدها، وها هي بعد انهيار النظام السابق تستأنف مسيرتها وتنهض من جديد ."
وتمنى فاضل أن يكون عيد العمال الذي يعبر عن التضامن الاممي يوما للتضامن الوطني والوحدة الوطنية وان يكون حافزا للخروج من دوامة العنف والقتل والاتجاه لبناء الوطن واعماره وإعادة لحمة العراقيين التي مزقتها الطائفية والارهاب والمؤمرات .
وأصدر النظام السابق في مطلع الثمانينات من القرن الماضي قرارا قضى بتحويل جميع العمال في القطاعيين العام والمختلط الى موظفين، وبذلك تم حل الكثير من النقابات العمالية الكبيرة ولم يتبق سوى نقابات صغيرة تهتم بشؤون العمال في القطاع الخاص وعلى نحو محدود.
وقال (ابو محمد) مسؤول الحزب الشيوعي في البصرة وابرز قادة التظاهرة إن " الاحتفاء بيوم العمال العالمي في البصرة هو إحتفاء بالتاريخ الوطني بالقدر الذي هو يوم للتضامن الاممي بين عمال العالم ."
وأوضح " الاضرابات العمالية ومشاركة الجماهير منذ عام 1918- في البصرة ،هي التي هيأت الظروف الموضوعية وواقع الحياة الاقتصادية والاجتماعية للعمال والكادحين في تكوين الحركة السياسية الجديدة وخاصة الشيوعيين واليساريين في تجميع تجمعاتهم في البصرة والناصرية والنجف والديوانية وبغداد ، وانطلاق الحزب الشيوعي العراقي،وقد شكل (حسين الرحال) أول الخلايا العمالية في البصرة عام 1927، ودعا الى تحرير المرأة العراقية وبث الافكار الماركسية ."
وتابع ابو محمد " البصرة هي الحاضنة الاولى للطبقة العاملة، واحتفالها بهذا اليوم هو احتفال بالذاكرة والتاريخ وقيم العدالة والمساواة."
واستدرك ابو محمد" ولكن مايحدث في العراق حاليا من شتات وطني وقيم غريبة تغلغلت في عروق المجتمع العراقي من عرقية وطائفية وسباق على السلطة والنفوذ يمنح هذه الذكرى استحقاقات أضافية ربما تكون أهم من رمزية ودلالة الذكرى وهي النضال ضد هذه القيم الغريبة التي تتمثل بالعنف والطائفية والفرقة الوطنية والسعي الحثيث من قبل قوى الظلام لايقاف عجلة الديمقراطية وتدمير العراق ."
وقال جميل بريهي، أحد المشاركين في التظاهرة " جئنا لنعبر اليوم عن فرحتنا بعيد العمال العالمي الذي هو يوم الكادحين والفقراء للتضامن مع بعضهم."
وأضاف بريهي أن " احتفالنا هذا العام له معان خاصة وكبيرة، فقد اردنا أن نعبر فيه بأن هناك روابط وصلات أعمق مما يحرك المجتمع العراقي حاليا من المشاعر الطائفية والعرقية، ففي هذه المسيرة تختفي مثل المحددات، فالجميع هنا عمال فقط ."
وتابع أن " هذه الحشود لا تسعى الى مصالح طبقية أو مكاسب مطلبية، بل تعبر عن دعوات للوحدة الوطنية ونبذ العنف والصراعات الغريبة على المجتمع العراقي التي يسقط ضحيتها المئات من العراقيين يوميا ."