حكاية الطفل الفلسطيني: نادر، نموذجًا!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
نصر جميل شعث من غزة: لا يخلو بيت، في هذه الأيام، من وسائل الاتصال والإعلام المختلفة، بدء بالتلفاز والمحمول والحواسيب... وما إلى هنالك من كماليات غدت ضروريات ومسليات يومية. لكن السؤال : ما تأثير هذه الوسائل على الأطفال؟ هناك الكثيرُ من الآباء والأمهات يرجع محاكاة طفل (لا يتجاوز السنة ) لحركة أبيه أو أمه في استخدام المحمول، أو تقليب المحطات بـ " الريموت " ؛ إلى الذكاء وسرعة التعلم والالتقاط. نعم، هذا، إلى حد ما، له ما يسنده لدى المختصين في عالم الطفولة والنمو والتربية والذكاء ؛ فهم
لكن ما هو الخطر الذي يتغافل عن ردّه الأب أو الأم؟ أو يعجزان عن إقصائه عن الأطفال؟ هذا السؤال بصيغته العريضة هو بحاجة إلى إجابة تكون حلا وقائيّا للطفولة. ولكن ليس قبل عرضنا لحكاية بسيطة، ولكنها خطيرة في مراميها وأثرها النفسي على الطفل الفلسطيني الذي يتأثر بما حوله بسرعة، لدرجة أنه يربط الأحداث بصورة قد يفسّرها البعض بالوعي المبكر لما يدور حوله.
فـ بدلا من الحكايات الموجهة لأطفال، بطرق ناعمة تنتمي لسياسة رومانسية، تغري بجذبهم للنعاس، كما اعتدنا قراءة ذلك أو مشاهدته في قصص وأفلام عديدة عن حياة الأسرة والطفولة السعيدة ؛ بدلا من ذلك، يحكي أحد الآباء من مدينة "خانيونس" ( جنوبي قطاع غزة )، حكاية عن أبنه " نادر " ؛ صاحب السنوات الثلاث : فبينما كان يتابع الأب أحداث العالم عبر بعض الفضائيات الإخبارية، صَرَخ " نادر " متذكرًا أخته الصغيرة " بسملة "، في عامها الواحد، التي ذهبت بها الأم لعيادة خاصة، في إثر إصابتها بسخونة حادة. صراخ نادر يفسّره الأب بأنه احتجاج وخوف على حياة أخته في إثر مشاهدته معه صورة لجثة طفلة ( تشبه بسملة ) بين يدي ممرض في غرفة الاستقبال، أثناء بث الخبر عبر الفضائية، عن أحداث عراقية مشابهة لما يجري في فلسطين.
كان الخبر مضى، بل نشرة الأخبار انتهت. ولكن نادر، لم يسكت عن البكاء على أخته الغائبة عن البيت. يقول الأب : " ظل نادر يبكي، ويمارس احتجاجه ؛ يرمي بجسده على الأرض، ويفتح الأبواب، ويرفض أي نوع من إغراءات التهدئة كالنقود أو الحلوى والفاكهة ".. " وأخذ يتجول في البيت بحثًا عن أخته ". ويضيف الأب: " عند عودة أمه من مشوارها، اندفع "نادر" بسرعة غير مسبوقة باتجاهها، وأخـذ
"يتشربح " أي يتعلق بها عند مدخل الشقة، ليتمكن من حضن أخته النائمة المحمولة في حضن الأم. حيث أيقظها وضمها إليه، وهو يردد بصوت طفولي متلهف : " حبيبتي بسملة ". طبعا، لم تعرف الأم دوافع نادر وتلهفه لضم أخته، فلو كانت تعرف، يقول الأب، لما نهرته وقالت له : " خلّي أختك نايمة.. مش قادرة ".
وقد أخذ الحديث مجراه بين الراوي والمستمع كقضية ثقافية إعلامية، خلاله تم التحدث عن تحوّل الأطفال في فلسطين عن نعت الآخر والمجهول والمخيف والموت بكائنات الغابة المرعبة. واختزال كل ذلك في كلمة " اليهود "، وصوت " الطخ "، و " إشارة الطفل بيده إلى السماء لحظة تحليق الطائرات الحربية ". في مقابل انقراض كلمات وأصوات وإشارات اشتهرت كأسماء وصفات للمخيف والقاتل والمرعب.. من قبيل : " الغول "، " العو " ( صوت الكلب). وقد سادت، على ألسنه الأباء والأمهات، عبارات ترهيبية، ذات مقاصد تربوية، موجّهة للأطفال، من قبيل : " إذا فتحت الباب بالليل راح يطخك اليهودي "، بدلا من : " إذا فتحت الباب بالليل راح ياكلك العو، أو الغول "..
هذه الثقافة التي احتلت مساحة كبيرة، باعتبارها بدائل تربوية شعبية مفروضة، بحكم الواقع، على الفلسطينين ؛ هي السائدة الآن، والواضحة حتى في بعض ألعاب الأطفال، لاسيما لعبة : يهود وعرب "، وهي اللعبة الأكثر شهرة ورواجًا، إذ تجري سيناريوهاتها وحلقاتها الدرامية في الحواري والشوارع وزقاق المخيمات.
التحقيق منشور في ايلاف دجتال يوم الخميس 3 مايو 2007