قصة مدينتين مغربيتين بين الصخب والتفجير
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
هالة غوراني من مراكش:في المدينة القديمة، تمتد أسواق صاخبة وضيقة وملتوية كالثعبان، يعرض فيها الباعة أصنافاً من الملابس المزركشة والأحذية والحصائر المصنوعة يدوياً، وتتوسطها ساحة "جامع الفناء" التي تبدو بحواتها، الذين يراقصّون الثعابين، أو القردة، وكأنها واحدة من قصص ألف ليلة وليلة.
وقد تحولت تلك المنازل، التي كانت تاريخياً مساكن لعائلات كبيرة من أجيال مختلفة، إلى حلم يتنافس الأجانب للحصول عليه، وتحويله إلى أماكن راحة أو فنادق.
وخلال العقد الأخير، ومنذ زيارتي الأولى لمراكش، لمست بالفعل تلك الظاهرة.. فمئات البيوت القديمة بيعت وجددت وتم تحويلها إلى أماكن يقصدها الغربيون الباحثون عن تجارب الشرق الغرائبية وغير المألوفة.
وفي هذا الشهر، سوف يسبر برنامج "من داخل الشرق الأوسط" غور هذه القضية، ويستعرض هذا الاتجاه الجديد في مراكش..
ترى من هو المستفيد من تلك الاستثمارات؟ وهل باتت الأمور تتغير بسرعة في المدينة القديمة؟ هل ما زال باستطاعة أهل مراكش تحمل أعباء العيش في قلب مدينتهم ؟
كان يوم التصوير الأول لنا في المدينة يوماً مشمساً، اجتمعنا فيه داخل بيت مراكشي قديم، كان طاقم CNN بدوره قد استأجره، وقد هممت باحتساء فنجان قهوتي الصباحية، في اللحظة التي تحققت فيها مسوؤلة الطاقم الفني شمس الوزير من بريدها الإلكتروني لتعلن لنا قائلة "لقد وقعت تفجيرات انتحارية في الدار البيضاء."
وبصورة مباشرة، اتصلنا بمكاتب CNN في أتلانتا، وسرعان ما تسارعت وتيرة الاتصالات، كما يحدث في تغطية أي قصة متفاعلة، فهاتفنا وزارة الداخلية المغربية، ووزارة الإعلام وغيرها.
وسمعنا من أحد مصادرنا أن الهدف كان القنصلية الأمريكية في الدار البيضاء، وأكد لنا مصدر مغربي مطلع أن شقيقين فجرا نفسيهما في الشارع، بالقرب من القنصلية الأمريكية، بالإضافة إلى أحد المراكز الأمريكية لتعليم اللغات.
اتصلت عندها بالقنصلية الأمريكية، وسألت الرجل الذي أجاب على الهاتف، قائلة "هل حدث أي شيء قرب المبنى هذا الصباح؟"
وكان رده: "سيدتي .. يتوجب علي المغادرة!" ولم أسمع بعدها سوى رنات الهاتف.
ويبدو أنه في اللحظة الذي كانت فيه باحة "الرياض" الذي استأجرناه في مراكش غارقة بسلامها الهادئ، كانت شوارع الدار البيضاء شاهدة على شبان يفجرون أحزمتهم الناسفة بأنفسهم، بعدما طوقتهم الشرطة.
كانت كل تناقضات المغرب حاضرة في ذلك الصباح المشمس من أبريل.. فكان جمال البلاد ودفء أهلها وجهاً لوجه مع تهديد "الإسلام المتطرف".. ورغم أن همهمتها ظلت بعيدة ومتقطعة، لكنها كانت من النوع الذي يستحيل على المرء ألا يسمعه.
الهجوم كان الثالث من نوعه خلال شهر واحد في المغرب.. والتفجيرات الأخيرة لم تترك الكثير من الضحايا، لكن المخاوف تتزايد مما يتردد حول نية تنظيم القاعدة الدفع باتجاه تأسيس شبكة "إرهابية" على امتداد شمال أفريقيا.
ففي الأسبوع عينه، قتل 30 جزائرياً في هجوم بالمتفجرات في الجزائر العاصمة.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة، هو: هل يمكن لتنظيم القاعدة، الذي يعمل بجد على تعزيز صفوفه في المغرب واستقطاب المزيد من المؤيدين، لا صلة له بالتفجيرات الأخيرة؟
السلطات المغربية من جهتها بذلت قصارى جهدها لطمأنة السياح والمستثمرين، معممة أن تلك الهجمات من فعل شباب ناقم لا تربطه أي صلة بـ "الإرهاب الدولي". لكن بعض الخبراء يصرون على أن المغرب بات ساحة تنتشر فيها، وبسرعة، جماعات تسترشد بفكر تنظيم القاعدة.
وباستثناء الشقيقين المزنرين بالأحزمة الناسفة، لم يقتل أحد في هجوم ذلك الصباح على القنصلية الأمريكية بالدار البيضاء..
أما نحن، وبعد أن جمعنا المعلومات اللازمة للخبر، حزمنا معداتنا وعدنا إلى مراكش لنتابع تصوير فيلمنا عن المدينة القديمة.
وعلى امتداد البلاد، عادت الحياة إلى إيقاعها الطبيعي أيضاً.. لكنني حين سألت سكان مراكش ما إذا كانوا يخشون هجوماً دموياًَ آخر، اتفق الجميع على أن الأمر لا يعدو مسألة وقت فقط.\