إيلاف+

صيف اللبنانيين بين الشاطيء والمنزل

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

صيف اللبنانيين من الشاطئ الملوث للمسابح الخاصة

عماد الدين رائف: بدأ موسم الصيف مبكراً في لبنان مع ارتفاع نسبي في درجات الحرارة على الرغم من غيوم أيار المتلبدة بين يوم آخر. لا يجد الناس فقراء بيروت وضواحيها، الذين ازداد عددهم بشكل كبير في السنوات الأخيرة نتيجة الوضع الإقتصادي الضاغط سوى البحر الملتف حول مدينتهم ملجأ لرمي همومهم على صفحته، وللابتراد فيه. لكن المختلف هذا العام عن الأعوام السابقة يتمثل في أن نسبة تلوث الشاطئ قد ارتفعت بشكل كبير مما دفع كثيرين من المواطنين إلى انتظار تعميم ما، من الجهات الرسمية، يعلن عن إمكانية الاستجمام بعيداً عن خطر التلوث الذي يتخوفون من أن يؤدي إلى أمراض كثيرة هم في غنى عنها.

التسرب النفطي الناتج عن حرب تموز، الذي غدا يعرف بالكارثة النفطية، يلقي بظلاله بشدة على موسم الصيف في لبنان، لا سيما أن أصحاب المنتجعات السياحية والمسابح الخاصة يهمهم بشكل كبير أن يمر موسم الصيف مربحاً هذا العام تعويضاً عن خسائر كبيرة مني بها هذا القطاع العام الفائت. لكن طمأنتهم للبنانيين والسواح على حد سواء تجاه التلوث والحد منه، لم يصاحبها توجه رسمي من جهة وزارة البيئة المعنية بهذا الموضوع، بل على العكس من ذلك، أفادت المصادر الصحفية أن مدير عام الوزارة قد فتح تحقيقاً مع موظفيه لمعرفة من سرب تقريراً إلى الصحافة نشر نصه الكامل في 7 مايو الجاري، كان قد أعده فريق مختص من الوزارة قام بمسح المواقع الملوثة بالفيول بين 13 و25 أبريل 2007؛ وذلك بدل تعميم هذه المعلومات مصحوبة بإرشادات خاصة لإطلاع المواطنين والمصطافين على حقيقة الوضع!

"سنسبح هذا العام"
يصر أحمد على اصطحاب أخوته الصغار ونرجيلته إلى الشاطئ الصخري المحاذي لكورنيش المنارة، وعلى تحدي كل التحذيرات، يقول: "ليس لدينا في بيروت إلا هذا الشاطئ، وحالتنا لا تسمح أن نستأجر شقة في الجبل لقضاء فصل الصيف، كما تفعل بعض العائلات البيروتية، وهنا على الشاطئ يمكننا أن نسبح ونمارس هواياتنا بالكلفة الأقل". يتبارى الشبان في "الشك" إلى المياه من ارتفاع أربعة أمتار مستعرضين عضلات أجسادهم التي تعبوا طوال الفصل الماضي في تنميتها. فيما يمارس البعض هواياتهم، فالسباحة ليست وحدها الهدف. "أستفيد من فترة بعد الظهر لأهرول على الكورنيش ولا أهتم بالسباحة الآن، بل سأقصد مسبحاً خاصاً بالنساء"، كما تقول وفاء، تحاول الفتاة جاهدة أن تحرق أكبر عدد من السعرات الحرارية قبل أن ترى نتيجة ذلك على جسمها في "انتظار أول نزلة إلى المسبح". انتشر هذا النوع من المسابح في السنوات الأخيرة على امتداد الشاطئ اللبناني، فالنساء يقصدن المسابح الخاصة بهن، والأخرى المغلقة، "إما تحرجاً لعدم تناسق أجسامهن، أو لعدم رضاهن عن عنها"، كما تقول ليلى، التي تفضل الابتعاد عن الشاطئ المفتوح.
لكن كثيرات يقصدن المسابح الخاصة بالنساء "لأسباب دينية، فالدين الإسلامي يحرم على المرأة إظهار جسمها أما الغرباء"، كما تقول غادة، التي تقصد هذا النوع من المسابح الخاصة كل أسبوع. على كل حال، يقول مصطفى الذي انتهى لتوه من لعبة "فولي بول"، كرة طائرة: "سنسبح هذا العام هنا على الشاطئ الصخري، وعلى الآخر الرملي في محلة الرملة البيضاء، على الرغم من التلوث الذي ما يزال ظاهراً هناك". ليس أمام هؤلاء الشباب القادمون من مدينة بيروت والضواحي القريبة غير هذا المتنفس لقضاء صيف بيروت الحار القادم.

"نكتفي بالصيد"
هواية أخرى أكثر إثارة بالنسبة لسعيد الذي يتأبط سلة مليئة بمستلزمات صيد السمك، يحمل بيده الثانية قصبة صيد طويلة وكرسياً قابلاً للطي. يتمركز على أقرب صخرة إلى المياه، ويجلس بهدوء تام متابعاً حركة الخيط الغاطس في الصحفة الزرقاء. إلى يمينه يجلس حسام الذي تزود بقصبة صيد أكثر تطوراً، فقد رمى الطعم بعيداً، وأشعل سيجارة في انتظار مرور الوقت قبل أن يسحب سناراته الكثيرة بواسطة بكرة ذات مقبض. يضحك الشاب الثلاثيني من السابحين، يقول: "لن أجازف هذا العام بالنزول إلى المياه، من الممكن ان أتوجه إلى مسبح مغلق حيث المياه مكررة، وقد علمت أن المسبح الذي أتردد إليه عادة، تضاف إلى مياهه كمية معينة من مادة الكلورين، مما يقتل الجراثيم ويحد من مخاطر الإصابة ببعض المراض الجلدية". أما بعض زملائه في الهواية، فعندما يشعرون بحرارة الجو تحت قبعاتهم الكبيرة، يخلعون ثيابهم ويقفزون ببساطة إلى البحر، مبتعدين عن قصبات الصيد قليلاً. يبرر جميل عدم توفقه بالصيد اليوم، يقول: "هي هواية جيدة، ولا أقصد من ورائها أن أحصل على صيد كبير، لكن الموسم الفعلي لم يبدأ بعد".

"أتيت لآخذ لوناً"، يقول سامر، فهو لم يقترب من الماء، لكنه اكتفى بدهن جسمه، أو ما ظهر منه، بزيت خاص يعطي لوناً برونزياً سريعاً "على نكهة الجزر". يبتسم لسيل النكات الذي يكيله له صديقه زكريا الذي يعمل على تجفيف جسمه، يضيف: "نعمل لساعات طويلة في مستودع تحت الأرض ولا نرى الشمس، وبالتالي لا نكتسب لوناً برونزياً إلا من خلال هذة الطريقة، ولا يخفى أن الفتيات يفضلن الأجسام الملوحة والسمراء!". على الرغم من أن وجهة نظره لا تخلو من صحة، إلا أن الشبان حوله لا يوفرونه من بعض السخرية، إذ انهم ومن دون زيوت، "معتمدين على المياه المالحة وأشعة الشمس الربيعية، نكتسب ذات السمرة".


على الكورنيش البحري الطويل، وتحته على الشاطئ يجتمع السابحون والمستجمون من أبناء العاصمة وضواحيها ليستغلوا نعمة الشمس والماء، فالشاطئ الصخري الممتد من "بيت المحترف اللبناني" في منطقة عين المريسة إلى المسبح العسكري، الخاص بالقوى الأمنية، "يستجم عليه معظم شباب العاصمة الفقراء الذين لا يدفعون قرشاً غير كلفة المواصلات" كما يقول سامي، "دعني أذكرك انه في التسعينات كانت هناك محاولات من بلدية بيروت لمنع السباحة على هذا الشاطئ لكن إرادتنا أقوى، فأين نذهب؟". أما الشاطئ الرملي الممتد على طول جادة الرئيس الشهيد رفيق الحريري في محلة الرملة البيضاء، المسمى بـ "المسبح الشعبي" أو "سان بلاش" بالتعبير الشعبي، فهو لم يفتح أبوبه رسمياً بعد، كما في كل عام، لكنه يستضيف مئات الشباب والعائلات، ممن يستحضرون الصيف ولهوه في مايو بيروت.

التحقيق منشور في ايلاف دجتال يوم الاثنين 21 مايو 2007

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف