محنة شط العرب بين الغوارق والطمي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
مهند السعدي: الكثير من البصريين يعتقدون أن شط العرب لم يكن نهرا فحسب.. بل كان جنديا خاض كل الحروب التي تعرض لها العراق قديما وحديثا، فعبر مياهه كان يتسلل الغزاة والطامعون.. وعلى ضفافه احتدمت المعارك.. وفي قراره تلفظ مخلفاتها وذكرياتها..فمن ثورة الزنج وحتى الحروب الاخيرة لم يكن شاهدا على مايجري..بل كان مقاتلا شرسا اثخنته الحروب بجراحاتها وتركت فيه ندوبا لاتمحى.
وتابع " كما أن الاحتلال البريطاني عام 1914 كتب على أديم مياه شط العرب صفحة من صفحات الخراب " وشط العرب هو نهر ناتج من التقاء نهري دجلة والفرات، حيث يلتقي النهران في مدينة القرنة على بعد 375 كم جنوب بغداد، ويبلغ طوله حوالي 190 كم، ويصب في الخليج العربي عند طرف مدينة الفاو والتي تعتبر اقصى نقطة في جنوب العراق. ويصل عرض شط العرب في بعض مناطقه إلى كيلومترين، وهو شريان العراق الاقتصادي الاهم لعمليات الاستيراد والتصدير.
وقال الاسدي "ولكن الحرب الايرانية العراقية التي إمتدت لاكثر من ثمان سنوات، وحرب الخليج التي اعقبتها مباشرة، وسنوات الحصار والحرب الاخيرة التي قادتها أمريكا ضد العراق، فتحت فصولا جديدة ومختلفة من الخراب والتدمير لهذا الرافد الحيوي والاهم للاقتصاد العراقي، فقد بدأت حرب الناقلات عام 1981 التي تم فيها الاستهداف المتبادل لناقلات النفط والناقلات البحرية التجارية العراقية والايرانية والتي امتدت لتشمل الدول الداعمة للطرفين وما تلاها من حروب تسببت بغرق مئات الالاف او ملايين الاطنان من الحديد في شط العرب والقنوات الملاحية لجميع الموانيء العراقية مما عرقل النشاط الملاحي فيها بشكل شبه كامل."
أضاف "غارت في اعماق شط العرب والموانيء العراقية عشرات القطع البحرية العراقية والاجنبية بسبب القصف الجوي، فضلا عن تآكل بعضها بسبب التوقف لأكثر من 15 سنة بسبب الحصار والعقوبات الاقتصادية التي حددت حركة النقل البحري وانهت الاسطول البحري العراقي وكل القدرات والامكانات الفنية والملاحية."
من ناحيته، قال حامد الجابري، مدير الشؤون البحرية في الشركة العامة للموانىءالعراقية " الظروف الاستثنائية التي أفرزتها سلسلة الحروب وسنوات الحصار والغياب الكامل لحركة الملاحة أدى الى تآكل البنية الملاحية العراقية في شط العرب والقنوات الملاحية في الخليج العربي." وأضاف الجابري " السفن التي كانت متوقفة في الموانيء أو القنوات الملاحية أما غائرة في الاعماق او معطوبة، وهذا يستدعي إنتشال الغوارق تتبعها عمليات الكري."
وتوجد في البصرة خمسة موانىء تجارية، ومينائين نفطيين، اولها ميناء المعقل ( الميناء الام ) الذى أنشىء عام 1916 وبدأ عسكريا تابعا للقوات البريطانية، وسلم عام 1937الى العراقيين، فضلا عن انشاء ميناء (الفاو) في نفس السنة، وهو حاليا ميناء صغير يستعمل لرسو سفن الصيد، ولكن من المؤمل ان يصبح أكبر ميناء في العراق في السنوات القادمة بعد أن وضع حجر الاساس له عام 2006، وفي مطلع السبعينيات تم بناء ميناء أم قصر، وفي عام 1974 تم بناء ميناء خور الزبير وميناء صغيرا اسمه ميناء( ابو فلوس ) على ضفاف شط العرب، ونشط اخيرا بسبب تنامي عمليات الاستيراد من قبل القطاع الخاص،.وهناك ميناءان نفطيان هما البصرة ويقع في رأس الخليج العربي، وهو مخصص لرسو وتحميل ناقلات النفط، وكذلك ميناء خورالعمية المخصص لنفس الغرض.
وقال الجابري " منذ بداية عام 2005 باشرت ادارة الموانىء بانتشال مجموعة من الغوارق التي كانت تعيق عمل الارصفة، كما جرت عمليات حفر في اماكن الانتشال مما اعاد الى ميناء خور الزبير نشاطه الكامل " ومضى في القول " اما ميناء ام قصر، فقد تم رفع الغوارق من قناته الملاحية، وكذلك تم اجراء عمليات الحفر فيها إضافة الى القيام بنفس الخطوات في القناة الملاحية المؤدية الى البحر." واشار الى أن شركة (دريجتك انترنشنال ) البلجيكية تعاقدت مع مكتب الامم المتحدة الانمائي ورفعت اكثر من 12 مليون متر مكعب من الطمى عام 2005 من اعماق هذه القناة (قناة البحر الملاحية) لافتا إلى أن اعماق القناة في مقطعها الاول بلغ 11 مترا مكعبا والمقطع الثاني اكثر من 13 مترا مكعبا مما مكن السفن ذات الغواطس من الدخول، كما زاد من عدد البواخر التي تصل الميناء.
تناقل البصريون على نحو واسع فى زمن التسعينيات حكاية مفادها أن وفدا يابانيا زار العراق إبان تسعينيات الحصار، وإثر زيارة ميدانية لمدينة البصرة ولنهر شط العرب بالذات، أبلغ الوفد الياباني الجانب العراقي فكرة تنظيف شط العرب من السفن الغارقة وكري النهرعلى أن يكون الطمي المستخرج من حصة اليابان تعمل على نقله لاستثماره كسرير ترابي لمدينة هورشيما اليابانية التي أفنت القنبلة النووية التى سقطت عليها فى نهاية الحرب العالمية الثانية كل أثر للحياة، وتقول الرواية أن الفكرة عرضت حينها على صدام حسين فرفضها..
وقال الكابتن البحري كاظم فنجان الحمامي ان " عدد الغوارق في نهر شط العرب وخور عبد الله وخور الزبير أكثر من 100 غارق، إضافة الى توقف عمليات الحفر والتطهير في السنوات السابقة، مما تسبب فى تراكم كميات هائلة من الطمي" وأضاف الحمامي " بالرغم من أن عمليات الحفر مستمرة، لكن عوامل الارساب والترسيب بسبب عوامل بيئية وطبعية تجعل عمليات الحفر التي تجري بطيئة وليست بذات جدوى، لأن عمليات الحفر يجب أن تكون أعلى من مستويات الترسيب. " وأشار الى أن "عمليات تجفيف الاهوار قد ساهمت في تنامي هذه الظاهرة حيث أن اغلب الترسيبات جاءت بعد تجفيف الاهوار التي تطرح سنويا 30 مليون طن من الطمي في مياه نهر شط العرب."
وقال عالمان فرنسيان ( ليز و فالكون ) في دورية صدرت عام 1952 "إن البصرة تخضع الى ظاهرة (تكتونية) عجيبة، فهناك مناطق في انخفاض مستمر كالاهوار، ومناطق أخرى في ارتفاع مستمر كمناطق الزبير وصفوان والواجهات الصحراوية."
وأوضح الحمامي أن " عدم وجود وزارة عطل خطة الموانيء في انتشال الغوارق ورفع الطمي وتطهير القنوات الملاحية. " لافتا أن الموانىء تحتاج الى صلاحيات أوسع اسوة بموانىء الخليج وبالاتجاه الذي يجعلها تعمل خارج الضوابط التقليدية، ومن اهمها التمتع بشيء من الاستقلالية لكي تستطيع انجاز مهمامها الصعبة ومنها موضوع الغوارق.
وتابع الحمامي "هناك صعوبات أخرى تقف حائلا دون الاسراع بعملية انتشال الغوارق وتطهير قناة شط العرب هو ان بعض الغوارق تقع في الشاطيء الايراني، وتقع مسؤولية انتشالها وتطهير الضفة الايرانية عليه، وهو ما لم يتحقق حتى الآن."
ويبدأ التشاطيء مع إيران بدءا من جزيرة أم الرصاص (30 كم جنوبي البصرة ) التي يقابلها ميناء المحمرة الايراني وحتى رأس البيشه حيث ينتهي نهر شط العرب، وليس هناك اتفاق بين الطرفين ينظم مثل هذه العمليات. وبعد التسعينيات وإنحسار دور الموانيء العراقية بسبب الحصار وازدهار تهريب النفط الخام من قبل جهات رسمية وغير رسمية، نشأت شركات أهلية لإنتشال الغوارق واعادة تأهليها لمزاولة عمليات التهريب فيها.
وقال عبد الامير مهدي، أحد العاملين في هذه الشركات " بدأت هذه الشركات بانتشال الغوارق الصغيرة كالزوارق والجنائب منذ منتصف التسعينيات لحساب أشخاص اما ان يكونوا تجارا كبارا او من من جهات حكومية دون عائديتها لهم، فمن ينتشل الغارق يكون هو صاحبه او مالكه بعد ذلك. " وأضاف مهدي " لم يكن بامكاننا انتشال غوارق كبيرة لان معداتنا بسيطة وبدائية، ونحن مجرد مجموعة من الغواصين واللحامين والعمال." وتابع "بعد ان ننتشل الغارق في عمل متواصل قد يستمر عدة أشهر، يقوم المالكون باعادة تأهليه وتزويده بمكائن جديدة ليمارسوا فيه عمليات تهريب النفط." واشار مهدي ان "رحلة واحدة او رحلتين لتهريب النفط تكون كافية لتغطية ما أنفق عليه من عملية انتشال او تأهيل، وتتعدى تأثيرات الغوارق في مياه شط العرب الحسابات الاقتصادية وتدخل في حسابات ربما تكون أكثر أهمية في حسابات البعض، فقد أدى غرق الناقلة (PFC2) في مياه شط العرب والتي كانت محملة بـ (7000 ) طن من النفط الاسود الى تلوث نفطي للمياه الاقليمية العراقية بعد تسرب اكثر من 1000 طن من مادة النفط الاسود عام 2006 في مجرى القناة الملاحية في شط العرب والخليج العربي، مما ادى الى اخلال في التنوع الاحيائي للمنطقة من خلال انتشار الهيدروكربونات على محيط البيئة المائية ورفع نسبة تلك المواد في الكائنات المائية وبالاخص المصادر السمكية التي يتغذى عليها سكان المناطق المطلة على شط العرب والخليج العربي." قال الاستاذ مصطفى الربيعي، مدرس الكمياء في كلية العلوم جامعة البصرة إن" الغوارق تؤثر على البيئة تأثيرا متناميا، ويمكن اعتباره من أهم اسباب التلوث البيئي وذلك بما تحمله الغوارق من مواد والتي تكون غالبا من النفط الخام " وأضاف الربيعي "صحيح ان هذه الغوارق تتحول بعد اسابيع الى حديدغائر في الاعماق، لكن تأثيرات ماتسرب منها سيبقى مدة أطول." وتابع الربيعي أن "عملية المد والجزر في شط العرب تساهم في نشر التلوث وتركيزه في اماكن معينة." ويبقى شط العرب هو الضحية الدائمة للحروب والاهمال... فهل من عاشق لأمواجه وضفافه وبساتينه ليقول كفى استهانة واهمالا فستفتقدون نخيله ونوارسه وظلاله بعد أن يغادركم غاضبا..
أصوات العراق