ممارسات شاذة وظلم كبير وراء أسوار السجون
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
كيف هي الحياة وراء القضبان
السجون تخفي وراء أسوارها ممارسات شاذة وظلما كبيرا
سكينة اصنيب من نواكشوط: تصوِّر الكثير من الأفلام الحياة داخل السجون ويصيب أغلبها في نقل حقيقة ما يجري داخل مكان لا يتسنى لحسن الحظ للنسبة العظمى من الناس العيش داخله إلا أن خوفهم منه يدفعهم للاستعلام عما يجري داخله. ويقول أحد الحكماء أن "القبر والسجن والمشفى أكثر الأماكن كرها على النفس البشرية"، وقد دفعنا هذا الكره والخوف الى نسج حكايات وعوالم تزيد من بغضنا وخوفنا من تلك الأماكن. ويصور الخيال الشعبي الحياة داخل السجون على أنها قهر وظلم وأسوار عالية ونوافذ صغيرة مسيجة وأبواب حديدية كبيرة تفتح من الخارج فقط، في ساحاتها يجول عساكر يحملون العصي ويتقنون فنون التعذيب، وفي زنازينها يسيطر أباطرة المجرمين على الضعاف وتسود الأعراف بدل القوانين.
وتعد هذه أكبر عملية فرار للسجناء في موريتانيا، وكان أغلب الفرارين يقضون عقوبات متفاوتة بتهم القتل والاغتصاب والسرقة، بينهم خمسة سينغاليين حكم عليهم بالإعدام في قضايا تتعلق بالحق العام.
واكتفت ادارة السجون بالقول أن حادث فرار السجناء مماثل تماما لغيره من الاختلالات التي تشهدها أحيانا كافة السجون في العالم مهما قويت حراستها، مؤكدة أنها "اتخذت التدابير الفورية التي وصلت إلى حد متابعة المسؤولين عن الحراسة أمام القضاء بتهمة الإهمال وعزل مسير السجن وقائد سرية الأمن وتحويل جميع العاملين به وقت حصول الحادثة"، ولم تتم محاكمة أو محاسبة أي مسؤول.
ويؤكد تكرار الحادث وفي ظرف وجيز أن السلطات لم تعالج الأمر بما يتطلبه من حزم ومسؤولية، فهؤلاء مجرمون ارتكبوا أفظع الجرائم (الاغتصاب والقتل) وفروا الى الدول المجاورة كالسينغال ومالي حيث يخططون لجرائم أخرى.
وتحاول تقارير منظمات المجتمع المدني ودراسات الخبراء كشف واقع السجون الموريتانية التي يتجاوز عدد نزلائها امكانيات السجون من حراسة ومعدات ومأونة. وتشير أغلب هذه الدراسات أن النسبة العظمى من السجناء في عهد ولد الطايع تعرضوا للعنف اللفظي، وأن حوالي ثلثهم تعرضوا للعنف الجسدي، وتفضح الرسائل التي يرسلها السجناء لمنظمات حقوقية بطريقة سرية أشكال الاعتداءات والتجاوزات التي تعرضوا لها، ويتهم هؤلاء سجانيهم بالاعتداء والتهديد ثم السب والشتم، والحرمان من الزيارة العائلية والخروج للساحة والاتصال بالأقرباء واستعمال الهاتف، واشتكت نسبة لا بأس بها من السرقات والسجن الانفرادي، ووجدت أغلب الدراسات أن السجناء بالسجون المركزية أكثر تظلما من المتواجدين بالسجون المحلية.
ويرى المهتمون أن وضعية السجون الحالية تساعد في تفريخ مجرمين أكثر مما تساعد على اصلاحهم حيث أن بعض الأشخاص دخلوا السجن بسبب جنحة بسيطة ثم تحولوا الى مجرمين حقيقيين بسبب الظلم والقهر الذي تعرضوا له في السجن، ويشير المختصون الى أن السجون تسود فيها الأعراف بدل القوانين، وتكرس هذه الأعراف داخل المؤسسات السجنية التمييز بين السجناء فالقوي والمقتدر وصاحب النفوذ متسلطون يزيدون من قسوة السجن على بقية السجناء.
وتشير تظلمات وشكاوي السجناء أن الإدارة السجنية في جل الحالات تبقى حكما وطرفا في نفس الوقت، وهو ما يبعث على الاعتقاد بأن لا فائدة من تقديم تظلمات فلا وجود للحقوق خلف القضبان رغم أن القوانين والمواثيق الدولية تؤكد أنه من أوجه الحماية القانونية التي يجب أن توفرها السلطة للسجين حق تقديم الشكوى فيما يتعلق بالمشاكل أو المعاملة أو ما يمكن أن يحصل من إشكالات في كيفية حصولهم على التسهيلات.
ويقول الباحث الاجتماعي محمد محمود ولد الغيث أن "السائد في السجون هي لغة السلطة والمساطير التأديبية والمستثنى هو الحقوق والتسهيلات التي نص عليها القانون، فإذا كان السجناء يخضعون لتنفيذ عقوبات زجرية لارتكابهم أفعالا مخالفة للقانون، فهذا لا يمنع من تمتيعهم بعيش كريم داخل المؤسسات السجنية، وحمايتهم من التعسفات والانتهاكات التي يمكن أن تطالهم داخل السجن".
ويشير الباحث أن من أوجه المعاملة الحسنة التي يجب أن يعامل بها السجناء الحصول على الحقوق والاستفادة من التسهيلات والمنح التي ينص عليها القانون طبقا للعهود والمواثيق الدولية، مؤكدا أنه لا يمكن إصلاح السجين دون تمتيعه بأدنى الحقوق. ويقول الباحث أنه "يجب على السلطات أن تستغل فترة حبس السجناء لاصلاحهم وتقويم سلوكهم وتدارك ما يمكن أن تداركه، فأغلب السجناء يدخلون السجن نادمين على ما اقترفوا من أفعال، تلمس لديهم الاستعداد لإعلان التوبة والرجوع الى طريق الهداية والصلاح".
وأشار الى أن تجارب الدول المجاورة مليئة بالأفكار التي يمكنها المساهمة في معالجة الأوضاع غير السلمية السائدة في السجون الموريتانية، وذلك حتى تتحول إلى مؤسسات إصلاح وليس إلى مؤسسات إقصاء، وطالب المهتمون بدراسة تظلمات وشكاوي السجناء من الإدارة السجنية والاعتناء بخلاصات دراسات المختصين لأنها ستساعد على النهوض بوضعية السجون وستساهم في رسم سياسة سجنية تهدف الى تحقيق التقويم والاصلاح.
وقال أنه "لا بد من اعادة النظر في طبيعة السجون وطرق تدبيرها وأساليب إدارتها وطبيعة بناياتها ومؤسساتها، ولا بد من مساعدة السجين لينسى الجريمة التي اقترفها بادخال الأنشطة الفنية والاجتماعية والرياضية الى السجن، وتنظيم تظاهرات تواصل مع السجناء لمساعدتهم على الاندماج مستقبلا في الحياة، وتشجيعهم على التعلم القراءة والحرف، واكتساب الخبرة والمهارة في ورشات السجون، من أجل العمل والانتاج في الحياة مستقبلا، فالكثير من السجناء يملكون مهارات ومواهب يجب صقلها والاهتمام".
ويضيف "كما انه من المهمة الاهتمام بالجانب الديني للقضاء على الممارسات الشاذة واللاأخلاقية داخل السجون، وعقد مصالحة بين السجين والسجان من خلال اقرار برنامج إصلاحي يستهدف موظفي السجون، لتغيير نظرتهم حول السجناء وحول عمل مسيري السجن حيث أن كثير منهم يعتقد أن مهمته تنحصر في معاقبة السجين وتنفيذ الأحكام السالبة للحرية الصادرة في حق الأشخاص المنحرفين، دون أن يكون للعنصر الاجتماعي دور في ذلك، ولا يخفى على أحد أهمية تمتين العلاقة ما بين المعتقل والمجتمع الخارجي ودور المؤسسات السجنية في ذلك".
واعتبر الباحث أن تمتيع المعتقلين ذوي السيرة الحسنة بكافة التسهيلات مكافأة لهم على استقامتهم واحترامهم للقوانين المعمول بها سيساعد على اصلاح باقي السجناء، مطالبا السلطات الموريتانية بادخال الرخص الاستثنائية في قوانين السجون كالترخيص بالخروج من السجن لمدة لا تتعدى عشرة أيام لأسباب شخصية وبمناسبة الأعياد الدينية والوطنية والسماح بالخلوة الشرعية للأزواج.
وقال أن السجون في موريتانيا لا تقدم دروس في محو الأمية، ولا في مختلف أطوار التعليم من أساسي وثانوي وجامعي، معتبرا أن ذلك خطأ كبير يجب تداركه، وطالب أيضا بإفساح المجال للهيئات والجمعيات الثقافية والفنية بالتواصل مع السجناء وتقديم شتى أشكال المساعدة والدعم المادي والمعنوي عبر أنشطة وبرامج اجتماعية وثقافية وتربوية ورياضية ذات أهداف تكوينية تساعد السجين على إبراز مواهبه وإبداعاته، وتمكينه من اندماج سليم وفعال بعد الإفراج.
وذكر الباحث ان موريتانيا تعاني من مشكل يتعلق بإيواء السجناء حيث أن ارتفاع أعداد المعتقلين يؤدي الى حدوث اكتظاظ في السجون التي يعاني أغلبها من هشاشة. واستغرب الباحث من حدوث اكتظاظ بالسجون رغم أن عدد المترددين سنويا على محاكم البلاد بمختلف تخصصاتها ضعيف جدا حيث يفضل الموريتانيون حل مشاكلهم ونزاعاتهم بطرق ودية وبأحكام يطلقها شيوخ القبائل والعشائر بدل القضاة، ورأى الباحث أن أسباب عزوف الموريتانيين عن الذهاب للمحاكم تخفيف العقوبة والإعفاء مما تبقى منها وضعف التعويضات المادية اضافة الى فرار المساجين، بينما تؤمن الحلول الودية تعويضات مادية كبيرة.