تانك: بلدة يعتصرها الخوف
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تانك- باكستان: على أحد الجدران تقرأ علامة بارزة جريئة تعبر عن إرث بلدة تانك بشمال غربي باكستان. "مرحبا بكم في تانك: بوابة جنوب وزيرستان، وبلد شرطة الحدود".
لقد شكلت شرطة الحدود هذه أثناء الحكم البريطاني في هذا الجزء من الهند قبل التقسيم.
غير أن الماضي يتكرر اليوم ليلقي بظلاله على هذه البلدة الحدودية التي يقطنها ربع مليون شخص فحسب.
فقد باتت مجموعة قبلية جديدة من المسلحين الموالين لطالبان تهبط على البلدة بشكل منتظم.
وفي البداية كانت زياراتهم غير عنيفة، ولكن - كما يشهد الكثيرون - صارت تلك الزيارات الآن مليئة بالتهديد الصامت.
حتى الجدران لها أذان هنا
وأصبح ذلك أكثر وضوحا منذ 26 مارس/آذار حينما حاولت قوات الأمن وقف الغارات التي يقوم بها المسلحون.
وأدى ذلك إلى عدة اشتباكات عنيفة أسفرت عن مقتل العشرات.
وفي أعقاب تلك الاشتباكات، أصبح الطالبانيون أكثر اجتراء على ممارسة أنشطتهم.
ويبدو أن قوات الأمن قد تراجعت وأصبحت تتوارى، إذ يبدو أنهم غير قادرين على وقف المسلحين.
ويقول سكان المنطقة إن الجيش محجم على التحرك خشية وقوع المزيد من القتلى والجرحى في صفوفه، فضلا عن خشية الرئيس مشرف أن يثير غضب المتشددين.
وثمة شعور ملموس بعدم الارتياح ما إن تدخل البلدة، ويبدو الوجوم على وجوه أفراد حرس الحدود وعدم اليقين تجاه المستقبل.
ومن الخارج تبدو البلدة مفعمة بالنشاط، ولكن المزاج أبعد ما يكون عن الارتياح أو السعادة.
هناك البعض الذين قطعت رؤوسهم بعد اتهامهم بالتعاون
فقبل ثلاثة ايام اقتحم الطالبان دار رئيس الإدارة المدنية المحلية، وقتلوا 13 من أفراد أسرته.
ونفذ الهجوم رغم تأكيدات الحكومة أن الوضع تحت السيطرة.
ومن اللقاء الأول داخل البلدة تبدو تلك الحقيقة واضحة للعيان - ألا وهي أن الجيمع يدرك ما يحدث ولكنهم يخشون من التفوه بشيء.
"متعاونون"
ويقول مدرس بإحدى المدارس متحدثا خلف باب داره "حتى الجدران لها أذان هنا".
وفي الداخل يشرح كيف تعرض مدير المدرسة المحلية للخطف على يد طالبان لما يزعم عن تقديمه معلومات للسلطات.
يقول الكثير من السكان إن السلطات لا تحميهم
ويضيف "تركوه يمضى بعد أن أقنعهم أنه غير متورط".
ويتابع بالقول "ولكن هناك البعض الذين قطعت رؤوسهم بعد اتهامهم بالتعاون".
وشأنه شأن الكثيرين غيره يؤكد هذا الشخص أن الحكومة ليس لديها نية مواجهة المسلحين.
ويضيف صاحب مطعم محلي وقد بدا الغضب على وجهه وصوته "الحكومة مسؤولة عن حمايتنا".
"دائما لا تجدهم حينما نكون في أشد الحاجة لهم".
ولكن ليس كافة السكان المحليين ضد طالبان بهذا القدر، إذ يقول أحد الرجال "نحن معهم... كل ما يفعلونه إنما يفعلونه لخدمة الإسلام".
نحن معهم... كل ما يفعلونه إنما يفعلونه لخدمة الإسلام
ولكن يتعين علي القول أن الغالبية من السكان لا تشاطر هذا الرأي.
فأحد السكان الغاضبين يقول "نحن مسلمون، وطول عمرنا ونحن مسلمون.. ولا يلزمنا من يقول لنا كيف نمارس ديننا".
ولكن رغم الغضب، يبدو هذا الشخص، والناس عموما، لا حول لهم في وقف هجوم المسلحين.
ويتساءل رجل آخر "الحكومة تعرف ما يحدث.. لماذا لا يوقفون ذلك؟".
خوف مميت
ليس سكان تانك هم وحدهم الذين تأثروا من تصاعد النشاط الطالباني.
فالمرقد الصوفي الذي يستضيف مولدا سنويا واحتفالا دينيا تضرر كثيرا.
لم يعد الضريح مركزا مفعما بالنشاط
ويقول خادم الضريح "صلوات بير شابير شاه كانت تجتذب الآلاف ".
"وكان يقام احتفال (مولد) حيث تقام الموسيقى وألعاب المصارعة ورياضات أخرى".
ولكن كل هذا تغير الآن.
فحينما زرنا المرقد، القريب من وسط المدينة، لم يكن به سوى بضع عشرات من البشر.
وقال أحد المتعبدين قبل أن ينبهه من يخافون عليه بضرورة التزام الصمت "كلهم خائفون لأن الطالبان لا يحبون أن يروا الناس يستمتعون بالحياة".
نحن مسلمون، وطول عمرنا ونحن مسلمون.. ولا يلزمنا من يقول لنا كيف نمارس ديننا
هذا لب المشلكة ويظهر مدى الترهيب الذي يواجهه الناس هنا، فرغم أن الجميع يشتكون من الحكومة، إلا أن كل إنسان هنا تقريبا يجتاحه خوف مميت من أن يتفوه بكلمة سيئة عن المسلحين".
ويقول محمد إدريس خان، نائب رئيس شرطة تانك "الأمر عينة لما يحدث في المناطق القبلية ككل".
ويقول خان إن الأمور تحسنت منذ حادث مارس/آذار وإن الشرطة الآن في وضع تسليحي وتأهبي أفضل.
ويضيف "لدينا أيضا دعم حرس الحدود ويمكننا التعامل مع أي فعل غير محمود".
ولكن مسلكه العصبي أثناء مرافقتنا إلى سيارتنا يكشف عما بداخله حينما سألناه متى كانت آخر مرة أمضى فيها إجازة، إذ رد قائلا " آه، منذ فترة.. الأمور ليست على ما يرام، كما تعرف".
الحكومة إذا فشلت في فرض هيبتها، فالنتيجة التي لا مفر منها هي أن الدولة ستبدأ في الانهيار
ويلقي زعيم سياسي محلي بعض الضوء على ما يحدث قائلا: "الحكومة تعرف ما يجري.. وهم أنفسهم جزء من المشكلة".
ويتساءل كم من المسلحين يمكن أن يتحركوا ذهابا وإيابا دون أن تدري قوى الأمن أي شيء عنهم.
ويضيف "الحكومة إذا فشلت في فرض هيبتها، فالنتيجة التي لا مفر منها هي أن الدولة ستبدأ في الانهيار".