إيلاف+

اللحية السعودية.. بوابة الهداية والانتكاس

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

عالم الملتحين.. صادقون ومخادعون وعالقون
اللحية السعودية.. بوابة الهداية والانتكاس


سهيل محمد من الرياض: عندما أراد عبدالله أن يحلق لحيته الطويلة كان كمن ينوي الخروج من الدين. وعلى الرغم من أنه يعلم أن اللحية هي مجرد تجمع كثيف للشعر إلا انه يدرك ان المجتمع السعودي لايتوافق معه بهذا النظرة الحسية ولكن يعتبرها بطاقة الدخول لعالم التدين النقي والطهراني.ولكن بمثل حالة عبدالله فإن الأمر يشبه التنازل عن هذه البطاقة ولكن هذا لن يعيده إلى وضعه الأول قبل أن يدخل رسميا في عالم التدين كشخص مسلم ولكنه الآن سيبدو كشخص مرتد.

ويقول عبدالله ( إنك قادر على أن تتخلى عن كل شيء وبدون تتعرض للكثير من الضغط العصبي إلا إذا كان الأمر يتعلق بلحيتك. أنك قادر أن تتخلى عن زوجتك بدون أن تشعر أن رجولتك محل تشكيك وقادر على التخلي عن وظيفتك بدون أن يشكك أحد بسلامة عقلك. ولكن التخلي عن اللحية يشبه الإنتحار على أكثر من جبهة. سيعتبرونك منتكس دينيا وغير رجل إجتماعيا وغير عاقل بيولوجيا وهذا أسوأ دعاية يمكن أن تلحق بأي إنسان).

إن هذه الدعاية التي صنعت نفسها بنفسها هي التي تجعل عبدالله لايتخذ مثل هذا القرار وهو منذ سنوات يقوم بتأجيله وعليه أن يتعود على أن الأمر أشبه بالديكور وهذا ماسيجعل الناس مسرورين منه وينمحونه ثقتهم. وهذا مايفعله الكثير من الرجال المخادعين عندما يتعاملون مع اللحية كديكور يجلب لهم الربح المادي أو الوجاهة الاجتماعية.

إن اللحية بالمجتمع السعودي مشحونة بالزخم الديني وبمجرد أن يضعها شخص عادي فإن الكثيرين سينظرون له بشكل تقديسي وسيبدو بأعينهم كشخص لايقترف الأخطاء وذا بصيرة حتى لوكان قبل أسابيع وقبل أن ينبت شعر اللحية يرونه كشخص أهوج و يفتقد للتوازن العقلي.

إن هذا مايدفع الكثيرين وربما بشكل غير واعي لأن يتركوا شعر ذقنهم ينمو حتى يعوضوا هذا النقص الشخصي ولايوجد هناك أكثر من اللحية كطريقة سحرية وسهلة للحصول على الشعور بأنك شخص متكمل وينظر لك الآخرون بإحترام.

ولكن عندما تضع لحية فإن درجة تدينك لاترتبط بالأفعال التي تقوم بها ولكن بطول اللحية وشكلها و لونها. إن الزيادة تعبر على تدين عميق يشبه تدين المسلمين الأوائل وأما اللحية القصيرة فهي تعبر عن مستوى أقل من التدين وأما صبغها فإنها ترسم صورة للمتدين الذي لديه بعض الأفكار المشبوهة وعندما تكون اللحية طويلة ويقصر منها فإن معدل التدين آخذ بالتناقص و العكس صحيح.

الذين يريدون التخلص من اللحية في الغالب لايرتكبون الخطوة الواحدة والجريئة والتي تعتمد حلقها تماما وإنما يبدؤون بالتخفيف منها تدريجيا وهكذا يتلقون الضغط الديني والإجتماعي على جرعات وليس دفعة واحدة.وقد أثبتت تكتيك النزول التدريجي هذا نجاحه بإمتصاص الغضب ولكنه لم يلغي بالطبع من النظرة الاجتماعية التي تشبه النظرة إلى ممسوس وإن قام بالتمويه عليها وتشتيتها.

يقول (خ) وهو أحد الكتاب السعوديين أن تجربته مع حلق لحيته التي كانت طويلة جدا بطيئة وتدريجية مع أنه كان مقتنع أن بإمكانه الأستغناء عنها بدون أن يؤثر على تدينه ورؤيته للدين وكان ذلك بسبب عائلته التي لن تقبل أن يكون في يوم شيخ وفي اليوم الآخر كشخص حليق عادي. ويضيف :( إن حلق اللحية بشكل كامل يبدو مربك كثيرا للأشخاص الذين يرون فيها أكثر الرموز الدينية شهرة.ويصبح الأمر أنك قمت بالدخول إلى صالة الدين ولم تعجبك وخرجت منها لذا إن الأمر يأخذ هذا الشكل الإختزالي بعلاقتك مع الدين وستظهر كشخص ملعون. لذا فإن هذا الأمر مربك لعائلتك القريبة كما هو مربك للأشخاص الآخرين ومسألة الدفاع عنها بالنسبة لهم مسألة خاسرة. ثم أن الأمر يبدو إلى هذه الدرجة من الإرباك لدرجة يمكن أن يطال النقد أخوتك أو والدك الذي يمكن أن يشعر أنه محاسب بشكل غير مباشر عن حلق لحيتك. لذا فإني أردت أن اخفف عليهم المسألة بأن قمت بإزالتها بشكل تدريجي ومع ذلك لم يخلو الأمر من مساءلة وضغط ولكنه سيكون أصعب بكثير لو أن الامر تم مرة واحدة).

هذا مايجعل الدخول في عالم الملتحين يحمل الشخص مسئوليات كبيرة. مسئوليات إذا دخل ومسئوليات إذا خرج. إن المسئوليات في الداخل تتطلب نمطا معينا من الشخصية المتدينة الملتحية الذي يجعلك تبدي إلتزاما كبيرا بآداء الصلوات في أوقاتها المناسبة بالتمام. إذا لم يتجه الرجل الملتحي في السعودية إلى المسجد فور سماعه للأذان ومكث القليل من الوقت وهو جالس او يتحدث مع أحد فإن هذا من شأنه أن ينظر له الآخرون نظرة ارتياب وتوجس. إن الشخص الملتحي إذا كان صاحب شخصية تحب الظرافة والتعلقيات على الأشخاص فإن عليه أن يتغير على الفور و يكبح هذا الطبع المتأصل فيه ويستبدله بطبع مزيف يعتمد الهدوء وعدم الإكثار من الضحك من أجل أن يدخل في نادي الملتحين. فليس من اللائق أن يقوم شخص محلتي بإطلاق التعليقات الظريفه ويشبه وجه أحد اصدقاءه بوجه القرد ( أعرف شخصا متدينا ملتحيا يواجه صراعا بين شخصيته الأصلية والشخصية التي يجب ان يكون عليها المتلحي المتدين. هو شخص ظريف ويجيد التقليد وتمثيل المشاهد والتهكم على الآخرين ويطلق بشكل عفوي أصوات من فمه عندما يعلق أو يحكي موقف ولكنه بعد أن تدين ووضع لحية قمع كل هذه المواهب وتحول إلى شخصية رصينة ولكن هذا يستمر فقط لعشرة دقائق ثم تنبثق فجأة الشخصية الأصلية وتختفي ومن ثم تعود شخصية المتدين ويظل طوال هذا الوقت على هذا الصراع المؤلم).

وعلى الذين يريدون الخروج أيضا مسئوليات أكبر. أنهم يشعرون أنهم عالقون بوضع لايريدونه وعاجزون عن مغادرته وسيفرض عليهم نمط الشخصية الملتحية بشكل قسري. إنهم يعجبون في الموسيقى ولكن مشهد لرجل ملتحي في السعودية يستمع إلى الموسيقى هي أكثر المشاهد التي يراها الناس سوءا. ونسمع الكثير من القصص التي يسردها الناس بإستياء وأحدهم يقول أنه رأى شخص ملتحي (أو إلى نصف الصدر كما يقولون دائما) يستمع للأغاني أو يشاهد القنوات الأجنبية. لذا فإن هناك الكثير من الرجال العالقون يتصرفون داخل بيوتهم بالطريقة التي يريدونها حيث يشاهدون الأفلام ويقرأون الروايات ويغنون ولكنهم في الخارج يلتزمون بشروط الشخصية الملتحية.

إن اللحية أيضا اكتسبت في السنوات الأخيرة زخما اجتماعيا زيادة على الزخم الديني. وهذا على عكس السنوات القديمة خصوصا في المجتمعات البدوية حيث كانوا ينظرون بسخرية إلى الشخص الذي يضع لحية وهي ربما كانت تشير بالنسبة لهم علامة على تقوى الرجل ولكنها أيضا تدل على عدم قوة الشخصية التي يرون أنها تميل إلى المبالغة والضعف بحيث تكون دائما بحاجة إلى الله ولاتعتمد على نفسها. ثم إن منظر رجل ملتحي هي تعني أنه رجل يبكي والبكاء من أكثر الأشياء التي تقلل من قيمة الرجل تسلبه مكانته وتقلل من قدره. لذا فإن شيوخ القبائل كانوا لايضعون لحى وكانوا يبحثون في قصصهم عن الأحداث التي تؤكد قوتهم وأصالتهم. ولكن هذا تغير كثيرا في الأعوام ومع الإجتياح الكامل للصحوة أصبح شيخ القبيلة يتحدث كرجل الدين وبات عدد كبير منهم يضعون اللحى وهم بذا يظهرون كمن جمعوا الشرف في الدنيا والآخرة.إنهم باتوا ينظرون على أن الدين كجزء من الرجولة وأن الرجل مهما كان شجعا وذكيا فإنه يعاني من نقص إذا لم يكن يحافظ على الصلاة وسيكون شخص مكتمل إذا كان يضع لحية. أما الأشخاص الملتحين الذي كان يسخر منهم في السابق فقد استعادوا كرامتهم وأصبحوا يحاضرون في زواجاتهم ويدخلون في حل نزاعاتهم.
الكثير من الكتاب والصحفيين الليبراليين تشغلهم قضية اللحية في السعودية ويعتقدون انها قادرة على تشويش الرؤية لدى الناس وأن الكثير من المشاكل الكبيرة يمكن أن تحل إذا مانظر السعوديون إلى الأشخاص الذين يضعون اللحية بطريقة غير تقديسية لاتجعلهم يخشون من السلطوية الفكرية التي تمثلها اللحية وإنما يقومون بمقاربة أكثر للأفكار بعيدا عن الشكل. لحد الآن يبدو هذا بعيد جدا فاللحية السعودية مازالت البوابة الكبيرة والمضيئة التي تفصل بين عالم الأخيار والاشرار.

لقراءة تحقيقات اخرى في ايلاف

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف