أمريكا وروسيا وشفا الحرب الباردة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
آن ماري بروكس:شهدت العلاقات الأمريكية الروسية فتورا على مدار الأسابيع الماضية بسبب خطط الولايات المتحدة لتطوير ونشر دروع صواريخ دفاعية في أوروبا الشرقية. حيث تخطط الولايات المتحدة لإرسال عشر طائرات إعتراضية إلى بولندا ورادار متخصص إلى جمهورية التشيك خلال السنوات الثلاث أو الأربع القادمة. وقد عارض الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بشدة وجود درع من الصواريخ الدفاعية
بوتين وتراث الحرب الباردة
دافع بروكس الذي كان يشغل منصبا رسميا رفيع المستوى في الحكومة الأمريكية عن حكومته قائلا إن مهمة تلك الصواريخ هي "ردع إيران ومواجهة التهديد الذي تشكله". وكرر أنه في حال إختيار روسيا الهجوم على الولايات المتحدة، فإن صواريخها سوف تذهب فوق القطب الشمالي بدلا من أوروبا، وبالتالي فإن نظام الدفاع الصاروخي لن يؤثر على القدرات العسكرية الروسية. ووفقا لبروكس فإن نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي ليس بإمكانه حتى صد هجوم من قبل روسيا. حيث يزعم أن هذا النظام المخطط إقامته في أوروبا، على غرار الأنظمة الموجودة في كاليفورنيا وألاسكا "بإمكانه فقط التعامل مع التهديدات الأولية" التي تشكلها دولة في حجم كوريا الشمالية، وليس حتى دولة كالصين. وبدلا من الشعور بعدم الارتياح من نظام الدفاع الصاروخي، يعتقد بروكس أن روسيا تتخذ هذا النظام حجة لخرق الاتفاقات الخاصة بسحب قواتها من الدول المجاورة.
جاء تحليل بروكس داعما للبيانات التي جاءت على لسان مسؤولين أمريكيين آخرين، والتي تؤكد أنه ليس هناك أي نية لاستخدام نظام الدفاع الصاروخي في أوروبا الشرقية ضد روسيا، التي تربطها بالولايات المتحدة علاقات متطورة منذ 15 عاما، لكن الهدف هو حماية أوروبا من "الدول المارقة" كإيران وكوريا الشمالية. وأثناء رحلته إلى براغ الأسبوع الماضي للقاء الرئيس التشيكي ورئيس الوزاراء، أشار الرئيس بوش إلى تلك المزاعم معلنا لروسيا أنه "لا داعي للخوف من نظام الدفاع الصاروخي، فلماذا لا تتعاون روسيا معنا في هذا النظام؟". ورغم ذلك لم يلقى عرض الرئيس بوتن بوضع النظام الدفاعي في أذربيجان قبولا واسعا من قبل إدارة بوش.
وفي حديثه عن العلاقات الأمريكية الروسية في مجملها ألمح بروكس إلى أن الرئيس بوتن يطور مدخلا إلى دبلوماسية مفعمة بالذكريات عن الحرب الباردة. فقد جادل بأن الرئيس بوتن يحن لعهد الاتحاد السوفيتي الإشتراكي عندما كانت المنطقة لها نفوذ دولي أكبر، وإنه يرسل برسالة مفاداها أن "روسيا قد عادت، وأنها لن تسمح بالسير فوق مصالحها". ووصف بروكس الطرق التي ستستخدمها روسيا لتطوير مشكلاتها الدولية، والتي تشير بعضها إلى العودة إلى الماضي الشيوعي. كما أشار إلى عدة قضايا منها قيام الاقتصاد الروسي القوي على النفط والغاز إلى حد كبير، وإنخفاض متوسط أعمار الرجال الروس بنسبة عشرين عاما، وتركيز وسائل الإعلام على إهمال رأس المال الإنساني، إلى جانب حديثه عن وجود مشكلات رئيسية في نظام العناية الصحية. وأوضح بروكس أيضا أن هناك عودة إلى الوراء نحو التوترات الدبلوماسية، والاختلافات الأيديولوجية في عصر الحرب الباردة.
الشك في النوايا الأمريكية
أما الصحفي الروسي سيتوف فقد كان في غاية الريبة من النوايا الحقيقة الأمريكية التي تقف وراء بناء مجال مضاد للصواريخ في مناطق من الإتحاد السوفيتي السابق. ذكر سيتوف إنه إذا كان التهديد بشن أي هجوم يأتي فعليا من قبل إيران، فإنه يجب على الحكومة الأمريكية بناء نظام دفاع صاروخي في جنوب أوروبا أو تركيا. وأن وضع الصواريخ الدفاعية في أوروبا الشرقية يوحي بدوافع مستترة، حيث سيسمح وضع الرادار في جمهورية التشيك للولايات المتحدة بكشف الآراضي الروسية، وبالتالي سيصبح إسقاط الصواريخ الروسية أسهل بكثير. كما عبر أيضا عن قلق الحكومة الروسية بشأن سرعة التخطيط لبناء مجال الدفاع الصاروخي، مجادلا بأنه طالما كانت قدرات كل من إيران وكوريا الشمالية بعيدة عن إطلاق صواريخ نحو أوروبا، فإن سرعة المشروع تشير إلى استهداف دول، قاصدا روسيا. فبالنسبة لروسيا فإن الدروع المضادة للصواريخ توجد بالفعل في ألاسكا وكاليفورنيا، أما نظام الدفاع الصاروخي المخطط إقامته في أوروبا الشرقية فينظر إليه على أنه نظام عالمي مضاد للقذائف البالستية أنشأته الولايات المتحدة لتطويق روسيا والصين. كذلك ناقش سيتوف مسائل الإتصال طويلة المدى في العلاقات الأمريكية الروسية. فالحكومة الروسية تشعر بعدم إرتياح للحميمية المبكرة الزائدة لإدارة بوش، والميل نحو التفاوض غير الملزم بدلا من توقيع وثائق ملزمة قانونيا. كما ذكر سيتوف إن "معاهدة موسكو كانت مجرد ظل لمعاهدة مراقبة الأسلحة الحقيقية"، مما جعل روسيا لا تثق في نوايا الحكومة الأمريكية بالالتزام بالاتفاقيات المتفق عليها. وبشكل عام أعرب سيتوف عن مخاوف بشأن تخطي الولايات المتحدة حدود القوى خلال السنوات القليلة الماضية، مستشهدا بوعد وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس بمزيد من التنازلات في سياسات الإدارة، لكن الآن تدور حربان، ونذر الحرب الثالثة تلوح في الآفق ضد إيران.
وردا على إتهامات ومخاوف مشاركين آخرين دافع سيتوف عن سياسات روسيا الداخلية قائلا إنه "خلال حكم الرئيس السابق يلتسن لم يكن بالإمكان فعل أي شيء في أي مكان" بسبب فساد الشرطة، ويرى أنه "بالنسبة لبوتن فإن الحرية في حد ذاتها ليست نهاية المطاف". ووفقا لسيتوف فإن الولايات المتحدة بدأت تتعامل مع روسيا كما كانت تتعامل مع الإتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة. حيث تحاول أمريكا الحد من القوى الروسية من خلال المعاهدات، والدرع الصاروخي، وبالتالي إضعاف القدرات العسكرية الروسية.
جاءت وجهات نظر أحد المشاركين غير المتصلين بالحكومة بصورة مباشرة وهو البروفيسور ماكفول أكثر إعتدالا، ومع ذلك فهو يرى أن مسألة تصاعد الحرب الباردة هي ظاهرة تقوم في الأساس على روسيا. أما تحليله للوضع فقد أوضح أن التكنولوجيا لا تمثل تهديدا بالنسبة لروسيا، لكن بوتن يرغب في إشعال خطاب الحرب الباردة من جديد، قائلا "يبدو أن موسكو تميل تجاه الحرب الباردة أكثر من واشنطن، في حين لا يعتقد أي شخص في واشنطن أننا حقا في حالة هدنة مع روسيا".
وصف ماكفول روسيا بأن لها علاقات متوترة مع كل من أوروبا والولايات المتحدة. فمنذ أربعة أعوام عارضت روسيا وألمانيا الحرب على العراق، ومع ذلك، حسبما ذكر ماكفول "فإن الولايات المتحدة وأوروبا لديهم نفس وجهة النظر (السلبية) بشأن التطورات الداخلية في روسيا"، فقد قطعت روسيا إمدادات الطاقة عن جيرانها إيستوانيا، وأوكرانيا، وبيلاروسيا، وبولندا. ويتفق ماكفول مع وجهة نظر بروكس التي ترى أن تقييد الحريات في روسيا يشكل مشكلات بالنسبة للشعب والعلاقات مع الدول الديمقراطية الأخرى.
وفي الوقت الذي انتقد فيه ماكفول بشدة طريقة تعامل روسيا مع كل من السياسات الداخلية والخارجية، فقد كان شديد اللهجة أيضا في حديثه عن إدارة بوش. إذ انتقد أيضا الطريقة التي تناولت بها الولايات المتحدة مشروع الدفاع الصاروخي ومفاوضات أخرى قائلا "إن سياسات بوش قد عادت كثيرين في جميع أنحاء العالم، وأن نظام الدفاع الصاروخي لن يشكل تهديدا إذا ما تمت معاجته بطريقة دبلوماسية". وشأنه شأن العديدن من المحللين والأساتذة فقد عاب على الولايات المتحدة عدم إظهار الإهتمام الملائم للمشكلات الروسية الداخلية المستمرة والناشئة، وأشار إلى أن هذا الافتقار للتفاهم ظهر على شكل فرص ضائعة.