كيف ينظر الايراني لهويته؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
خسرو علي أكبر منباريس:قبل فترة كنت جالسا في مقهى دكليشي بانتظار صديق ايراني كان مدعوا لنشاط ثقافي نظمته مؤسسة ايرانية مستقلة ، ومن الصدف أن حضر صديق عربي في المكان ذاته ، وتجنبا
بدا هذا الحديث غريبا لصديقي العربي ، وصار يطرح اسئلة عن معنى ان تكون ايرانيا في بلد يضم العديد من القوميات والاقليات ، وكان جواب صديقنا جوزيف في غاية الوضوح:انتم مسلمون وتحملون اسماء عربية وفارسية ولكنكم تعتبرون انفسكم فرنسيين رغن ان اقامتكم لاتتجاوز عقدين من الزمن ، فلماذا لانعتبر انفسنا ايرانيين ونحن نعيش في ايران منذ عدة قرون؟!
العامل اللغوي
في تحقيق سابق كان عنوانه من هو الايراني اشرنا الى عوامل اساسية في تحديد معيار الانتماء وهنا لنا وقفة مع دور العامل اللغوي في صوغ الهوية الايرانية و لابد من الاشارة الى اننا ازاء مفهومين غيرمستقرين وفي طور تحول دائم أي الهوية واللغة ، فمن المعلوم ان الفارسية قد شهدت تطورات عديدة عبر القرون بحكم انفتاحها على [ وتماسها مع ] ثقافات مختلفة. ويؤكد بعض الباحثين في الشأن الايراني على انعدام اية علاقة الزامية تجعل من الناطق بالفارسية فارسيا او ايرانيا ،فثمة ابناء قوميات غير فارسية اعتمدوا اللغة الفارسية لغة اولى ،كما ان هناك اقليات ناطقة باللغة الفارسية في شبه القارة الهندية لم تعتبر نفسها ايرانية بفعل عامل اللغة.
،ويمكن ذكر امثلة عديدة في هذا الصدد ،فعبد القادر بيدل دهلوي و العلامه محمد اقبال اللاهوري والشاعر الشهير اسدالله غالب هم من كبار الشعر الفارسي الكلاسيكي لكن لايمكن اعتبارهم ايرانيين بحكم لغتهم
وا ذاا كانت الفارسية هي اللغة الرسمية في افغانستان وطاجيكستان فان المواطن الافغاني او الطاجيكي يبقى متمسكا بهويته الوطنية ولايقبل اي دور تابع للجار الايراني بسبب المشترك اللغوي.
ان الانتماء الوطني يسبق موضوع اللغات والجدل الدائر حولها ، فشيوع لغة ما في منطقة جغرافية محددة.
لايتنافى قط مع العادات والتقاليد والموروث الثقافي المشترك ، وربما يمكن الاستشهاد في هذا السياق باللغة الآذرية في اقليم آذربايجان ، فهي لاتنقض ايرانية الناطقين بها ، لا لإعتبار تاريخي محل خلاف وهو رواج اللغة الفارسية وشيوعها بشكل شبه مطلق بين سكان هذاالاقليم ( ويمكن البرهنة على هذه المعلومة من خلال ديوان اشعار انارجاني واشعار الشيخ صفي الدين الاردبيلي ) وانما من خلال الرجوع الى المواقف الوطنية على مدار التاريخ السياسي والاجتماعي لايران منذ العهد الصفوي ، وهي مواقف صارت أكثر تجليا مع دور المناضلين الآذريين التقدميين في ثورة الدستور )1906( ونضالهم المشهود لتحقيق الحرية والتحديث.
وواضح ان كلا الطرفين المتعصبين في الفكر والممارسة العنصرية تجاه الاخر اي القومويين الفرس والقومويين العرب يلغيان وان بفعل دوافع مختلفة ، القوميات التي تشكل نسيج المجتمع الايراني.
ويعتقد عليرضا خرمنجاد ( مترجم مقيم في باريس ) ان محاولات العنصريين الفرس في حصر انجازات الادب الفارسي الكلاسيكي بمشاهير ينتسبون عرقيا الى العنصر الفارسي ليست من الناحية العلمية والتاريخية سوى هذيان وضرب من فراغ القول: "انهم يحاولون تكريس مصطلح فارس وبلاد فارس مقابل الناطق بالفارسية وايران ". عن هذه النقطة يكتب محمد جلالي في صحيفة كيهان اللندنية " ان الشائع هو اعتماد مصطلح الناطقين بالفارسية مقابل الفرس والذين روجوا لمصطلح الفرس وشحنوه ببعد سياسي يوحي بالقومية الفارسية الظالمة مقابل القوميات الاخرى المضطهدة ، انما سايروا خطاب الاتاتوركية التركية والعنصريين العرب والشيوعية السوفياتية ، فهذه الاطراف هي التي أشاعت في بدايات القرن الماضي مصطلح الفارسية كقومية بعد ان كانت تعني وعلى مدار التاريخ اللغة والثقافة ،لا يمكن ان نعتبر الفارسية او البارسية حكرا على الاقليم الواقع في جنوب ايران ولامجرد اسم يطلق على الخليج الفارسي وانما المقصود اللغة والثقافة الفارسية ، يتوزع الناطقون بالفارسية في بلدان متعددة ولايمكن اعتبارهم جميعا ايرانيين ، ولناخذ الانجليزية مثالا فهل من المعقول ان نعتبر الناطقين بالانجليزية في القارات الخمس جزءا من الشعب الانجليزي؟
ناصر كعبي 32 عاما موظف حكومي من مدينة سوسنكرد ،ذكر لايلاف ان انتماءه لايران لاعلاقة له بالعامل اللغوي ، فهو لايستخدم الفارسية الا في مجال العمل وبحكم الوظيفة ، يقول ناصر:"ان تكون ايرانيا لايتنافى مع كونك عربيا ، فثمة قوميات عديدة تفتخر بهويتها الايرانية ، والعرب في اقليم خوزستان "الاهواز" وقفوا بشجاعة وببسالة ضد المحتل البعثي ابان الحرب الطالمة التي شنها النظام الديكتاتوري البائد ضد وطننا العزيز ايران ، بالطبع هناك تشكبلات سياسية من عرب الاقليم حاولت ان تخدع المواطن الايراني العربي ، ولكن اساليبها الاجرامية كتفجير الاماكن العامة وقتل الابرياء جعل عرب الاهواز يتمسكون بهويتهم الايرانية ، الهوية لاتصنع بالارهاب والعمليات الاجرامية التي تبرر باسم الكفاح المسلح ، وانما بالوعي والفكر ،العرب الايرانيون يفتخرون بانهم مواطنين ايرانيين من جهة وبكونهم الاكثر كفاءة على توثيق العلاقات الايرانية مع البلدان العربية ".زهراء أحمديطالبة في قسم الفيزياء في الجامعة الحرة في الاهواز "الم يكن سؤال الهوية بسيطا بالنسبة لي ، بين أن أكون ايرانية وأن أكون عربية عانيت من أجل الحصول على أجابة ، وبعد بحث وجهد أدركت ان القوميات الاخرى استطاعت ان تحصل على الكثير من حقوقها المقرة في الدستور الايراني من خلال تمسكها بالهوية الايرانية ، ولا أجد الان اي تعارض بين ان اكون ايرانية وعربية في آن واحد، الاحزاب القومية التي تدعو للانفصال عن ايران هي احزاب ثورية لايمكن لها ان تقدم ما هو ايجابي في موضوع الهوية ، انها تستخدم خطابا ثوريا يمجد القتل وسفك دماء الابرياء باسم حقوق الشعب العربي ، لكنها ستسير على خطى الاحزاب العربية القومية التي لم تجلب لشعوبها سوى السجون وخنق الحريات".
وربما كان المثال الهندي هو الابلغ في البرهنة على ان اللغة لايمكنها ان تصوغ بانفراد الهوية والانتماء فقد كانت اللغة الفارسية هي اللغة الرسمية في الهند على مدار مئات السنين دون ان يعني ذلك باي معنى من المعاني ان الهنود فرسا او ايرانيين. وحينما تحول الهنود الى اللغة الانجليزية بقوا مواطنين هنود وسيكون من المضحك ان يتحول الهنود من فرس الى انجليز بسبب التحول من الفارسية الى الانجليزية.