قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الالغام: زراعة الموت عبر التأريخ
خبير دولي: نحتاج خمسة قرون للتخلص من الالغام!
نزار جاف من بون: الالغام، أو زراعة الموت الذي من ثماره الاساسية قطف حياة الانسان"أو الحيوان في أحايين أخرى"، تعتبر واحدة من أقدم طرق صناعة الموت التي فکر و خطط لها العقل الانساني. اللغم الذي کانت بدايته في التأريخ مجرد حفرة مموهة تخفي في داخلها أخشابا أو قطعا حجرية حادة موضوعة بطريقة بحيث تغرز في جسد الانسان الذي يقع في هذه الحفرة. وبعد إختراع مادة"T.N.T"، تطور اللغم من شکله البدائي المحدود التأثير الى شکل أکبر و أوسع و أعمق تأثيرا في الانسان وباتت حقول الالغام تنتشر في الارجاء المختلفة من العالم و بحسب مناطق الصراع و النفوذ الدوليين، ولعل تطور اللغم الى شکله"الاقسى و الاخطر" قد جعل ذکر اسمه مرادفا مع صورة إنسان مقطوع الساقين أو اليدين أو شيء من هذا أو ذاك. و هناك حقول ألغام يکاد عمرها يقارب القرن لاسيما تلك المنتشرة في القارة الاوروبية ذاتها. والامر اللافت للنظر، أن اللغم قد يبقى على فاعليته و تأثيره مع مر السنين، ولذلك فإن مجرد تحديد منطقة ما على أنها حقل ألغام کاف لکي تکون محرمة على الاقدام البشرية من وطئها.
الالغام منتشرة کما ألمحنا في البداية في مختلف بقاع العالم، ففي بلد کأنغولا، فإن ثلث أراضي هذه الدولة الافريقيـة مزروعة بالالغام، في حين تجد حقول الالغام ممتدة على طول مناطق الجولان بين سوريا و إسرائيل، مثلما تجدها مزروعة على طول الحدود السورية ـ الترکية و السورية ـ العراقية و الإيرانية الترکية وهي مناطق تعيش فيها أغلبية کردية في کل هذه الدول. کما أن الالغام تنتشر بشکل لافت للنظر في مناطق مختلفة من إقليم کردستان العراق وعلى الرغم من أن العديد من المنظمات الدولية قد قدمت خدماتها في مجال نزع الالغام، لکن المشکلة مازالت قائمة و تشکل خطورة ماثلة في العديد من المناطق.
110 ملايين لغم مزروع حول العالم
لتسليط الاضواء بشکل أکبر و أدق على مشکلة الالغام، إلتقت "إيلاف" الدکتور أکرم ناسان، نائب رئيس المنظمات غير الحکومية الالمانية(NGO) و الاختصاصي في حالات الطوارئ و الکوارث الطبيعية و نائب رئيس المنظمة العالمية للطوارئ الالمانية"IEH"،و لهذا الخبير تجربة غنية مع مشکلة الالغام حيث زار مختلف بقاع العالم و قدم العديد من المحاضرات و الدراسات في هذا المضمار و مجالات أخرى، وفي البداية سألته "إيلاف" هل إنه بالامکان القول إن الانسان قد تمکن أخيرا من الانتصار على مشکلة الالغام، فأجاب قائلا:"لا لم يتمکن، والسبب هو لأننا في هذا اليوم و في هذه اللحظة إذا أوقفنا زرع الالغام فإننا بحاجة الى 500 عام على أقل تقدير للتخلص من الالغام الموجودة تحت الارض". و بالنسبة إلى الألغام و تعريفها أجاب الدکتور ناسان"الالغام موجودة منذ القدم ولکن بطرق و أساليب أخرى، حيث کانت تستخدم فيها المواد الحارقة أو الالات الحادة مثلا، لکن في العصر الحديث ومع إنتشار الاسلحة النارية و تطور المتفجرات فإن تعريف الالغام قد تطور تبعا لذلك فعندما تسأل العسکريين فإنهم يعرفون الالغام بسلاح دفاعي يمنع القوات المهاجمة من إستغلال نقاط الضعف في الجبهة. لکن، کتعريف ثان يعتبر العسکريون الالغام بمثابة کلب حراسة لا ينام أبدا. وبالنسبة إلى المدنيين فإن الالغام حرب هجومية تعتبر محرمة دوليا لأن تأثيرها يتجاوز زمن المواقف العدائية. وإضافة الى ذلك فإن تأثيرها على الانسان يتعدى زمن الحرب أيضا و، يحول الانسان الى معوق دائم إن لم يجهز عليه، والهدف من اللغم هو الجرح وليس القتل"وعندما سألنا الدکتور ناسان ولماذا يتلخص هدف اللغم في الجرح الانسان وليس قتله أجاب"السبب هو أن قتل شخص هو إصابة واحدة، ولکن عندما تجرح شخصا عسکريا فإنه يربط ذلك أکثر من خمسة أشخاص بمشکلة إخلاء ذلك الجريح وهو يعني إنشغال هؤلاء الخمسة بعمل غير عسکري، ويجب الاخذفي الاعتبار ان اللغم لا يفرق بين العسکري و المدني"وفي إجابة له عن أنواع الالغام قال:"هناك نوعان رئيسان من الالغام، ألغام ضد الاشخاص و ألغام ضد الآليات و النوع الثالث يتم فيه ترکيب لغم ضد الاشخاص مع لغم آخر ضد الآليات، وبشکل عام تسمى هذه الالغام بالالغام المجنونة أو الغبية لأنها لا تفرق بين العدو و الصديق. أما الالغام الذکية فهي الالغام التي تفرق بين العدو و الصديق عن طريق برمجتها وبالامکان تحديد مدى فعالية و عمل الالغام الذکية الى سقف زمني محدود بحيث تقوم بتعطيب نفسها بعد ذلك. والحملة الدولية ضد الالغام موجهة بشکل رئيس الى الالغام الغبية وإذا علمنا بأن هذه الالغام من صنع دول فقيرة مثل الصين و دول المنظومة الاشتراکية السابقة و الهند وإيران و مصر و يوغسلافيا، لعلمنا بعدها سبب معارضة هذه الدول لحملة منع الالغام" وعن أهم المناطق المزروعة بالالغام في العالم قال:"أفغانستان و کمبوديا و کردستان و أنغولا و البوسنة و موزمبيق و السلفادور، کمثال في أفغانستان وبموجب معلومات الامم المتحدة و الصليب الاحمر الدولي و منظمات نزع الالغام، فإنه هنالك حوالى 15 مليون لغم، کما أن ثلث بلد کأنغولا مزروع بالالغام، وهناك أکثر من 20 مليون لغم في إقليم کردستان وطريقة زرع الالغام في کردستان کانت بعکس زرع الالغام في الکويت أثناء الغزو العراقي، أي أن زرع الالغام هناك کان وفق خطط عسکرية بعکس کردستان حيث بطريقة مغايرة إذ کانت هنالك ثلاث مراحل لتلغيمها، المرحلة الاولى، مرحلة تلغيم الحدود الايرانية ـ العراقية و الحدود الترکية ـ العراقية وکذلك الحدود بين سوريا و ترکيا إذ إن الالغام مزروعة من مدينة زاخو في العراق الى منطقة عفرين الکردية في سوريا أي بطول 600 الى 800 کيلومتر وعرض 50 الى 200 متر بمعنى مئات الالف من الهکتارات من الاراضي الصالحة للزراعة منذ الستينات للقرن المنصرم، والانکى أن ترکيا قد قامت بالتوقيع على إتفاقية"اوتاوا"الخاصة بمنع الالغام وتدعي ترکيا أن خرائط حقول الالغام مفقودة وتحمل المزارعين مسؤولية دخولهم حقول الالغام تلك والتي جلها في المناطق الحدودية"ذات الغالبية الکردية" والمرحلة الثانية إبان حملة الانفال قام الجيش العراقي بتلغيم القرى التي شملتها حملة الانفال لکي تضمن عدم عودة أهالي تلك القرى الى مساکنهم. والمرحلة الثالثة هي تلغيم نقاط التماس بين قوات البيشمرکة الکردية و الجيش بعد عام 1991 على أثر سحب الحکومة العراقية لإداراتها من کردستان حيث هنالك الالغام المزروعة حول کرکوك و الموصل و مخمور و نقاط عديدة أخرى". و أشار الدکتور أکرم ناسان في معرض حديثه عن الالغام الذکية و الغبية، إلى أن هناك فرقا فاحشا بين أسعار النوعين، إذ إن سعر اللغم الغبي لا يتجاوز 5 دولارات في حين أن سعر اللغم الذکي يتجاوز 200 دولار. وعندما سألناه هل أن هناك إحصائية معينة لضحايا الالغام، أجاب قائلا:" ضحايا الالغام لايمکن إحصاؤهم لعدة أسباب:
1 ـ أغلبية الضحايا هم من القتلى الذين لا توجد إحصائية بصددهم.
2 ـ تأثير الالغام على الانسان متعلق بقرب و بعد الضحية من نقطة الانفجار، بمعنى کلما کانت الضحية صغيرة الحجم ضعيفة المناعة وأقرب الى نقطة الانفجار، کان التأثير أکبر و أسوأ بحيث يصل الى مستوى القتل.
3 ـ فقط بإستطاعتنا التکلم عن الضحايا الذين يصلون الى نقاط التأهيل و المعالجة و بمقدورنا أن نذکر بأن 87% من إصابات البتر هي من تأثير العتاد العسکري(لغم، شضايا، طلقات..الخ) و 63% من النسبة السابقة هي من جراء الالغام، فقط 7% نتيجة حوادث الطرق والبقية أمراض مختلفة مثل السکري و القلب و الدورة الدموية..الخ. وکمثال في منطقة ديانا بقضاء سوران في إقليم کردستان العراق، هنالك أکثر من 5000 آلاف إصابة مسجلة، وفي مدينة مالانش في محافظة مالانش في أنغولا هنالك أکثر من 4000 إصابة. وأغلبية المصابين هم من الجنس الذکري وبالاخص بين 17 الى 44 عاما". و أکد الدکتور ناسان ضرورة العمل على إطلاق حملة دولية فعالة من أجل وضع حد لعمليات زرع الالغام في العالم خصوصا وأن خطر أکثر من 110 ملايين لغم مزروع حول العالم ما يزال ماثلا.
أطراف إصطناعية للضحايا
لتسليط المزيد من الاضواء على ضحايا الالغام، إلتقت"إيلاف"الدکتورة جيمن قاسم والتي عملت في السنوات السابقة في مجال إعادة تأهيل ضحايا الالغام في منظمة" هاندي کب" في محافظة السليمانية علما بأنها من ضحايا الالغام، وفي إجابة عن سؤال بخصوص عدد ضحايا الالغام في المنطقة الکردية أجابت قائلة:"ليست لدي إحصائية دقيقة بخصوص عدد ضحايا الالغام في کل مناطق کردستان، لکنني ومن خلال عملي في منظمة تغطي مناطق عملها محافظة السليمانية و بعض المناطق المحيطة بها، فإنه بإمکاني أن أخبرکم بأن هناك بحدود 4000 معوق من جراء الالغام و غالبيتهم من الذکور مع ملاحظة أن نسبة الاعاقة الاکبر هي في المناطق السفلى أي في السيقان" و بخصوص أهم المناطق التي تتکرر فيها حوادث الالغام قالت:" تکاد تکون منطقة بنجوين الحدودية من أهم المناطق علما بأن ذلك لا يقلل من أهمية المناطق الحدودية الاخرى". و أکدت الدکتورة جيمن أن ما يزيد على 100 شخص قد تمت إعادة تأهيلهم حيث تم ترکيب أطراف إصطناعية لهم". وأشارت الدکتورة جيمن إلى أن هناك إهتماما من لدن حکومة إقليم کردستان العراق بضحايا الالغام و أکدت أنه و بسبب برامج التوعية و الارشاد الحکومية و کذلك تلك التي تقوم بها المنظمات غير الحکومية الاجنبية العاملة في الاقليم، فإن نسبة الاصابة بحوادث الالغام باتت أقل من السابق، لکنها شددت على أن قضية نزع أکثر من عشرين مليون لغم من إقليم کردستان لوحده قضية بالغة التعقيد خصوصا وأنه ليست هناك خرائط لحقول الالغام ناهيك عن الظروف غير المستقرة أساسا على الحدود.
في حين أشار مصدر مسؤول آخر من محافظة"سوران"الى أن هناك أکثر من خمسة آلاف معوق بسبب حوادث الالغام و أن غالبيتهم من الذکور و أشار الى أنه قد تم إعادة تأهيل أکثر من 91 فردا من هؤلاء من خلال ترکيب أطراف إصطناعية لهم.