إيلاف+

مساطر النساء وجه آخر من حياة المرأة العراقية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

كربلاء: أرامل ومطلقات ومهجرات وفتيات دون سن العشرين يفترشن ساحات بعض المناطق الفقيرة في كربلاء في انتظار من يأتي ليأخذهن إلى العمل ساعات النهار مقابل اجر زهيد يعيل أسرهن على تحمل أعباء الحياة.. مشهد جديد، لكنه ليس غريبا على حياة المرأة العراقية الفقيرة التي خبرت تداعيات الحروب بكل وجوهها المأساوية طوال عقود طويلة..


ففي الوقت الذي اعتاد العراقيون أن يطلقوا كلمة ( المسطر) على أماكن تجمع العمال( الرجال) للانطلاق للعمل ، فإنهم لم يعتادوا على سماع كلمة (مساطر النساء) إلا في الآونة الأخيرة عندما اضطرت شرائح فقيرة من النساء تحت ظروف الفقر والحياة القاسية التي أفرزتها الحروب المتتالية والاحتلال والتهجير القسري للعمل في مهن صعبة وتحت ظروف عمل قاسية.
وفي مدينة كربلاء نشأت ساحات في المناطق الفقيرة تتجمع فيها النساء الراغبات في العمل بالأعمال اليدوية الصعبة وتدعى هذه الأمكنة بمساطر النساء على غرار الأماكن الخاصة بالرجال.
إحدى "نساء المساطر"، السيدة نورية عويد (42 عاما)، وهي أم لثمانية أيتام توفي والدهم بمرض التدرن قالت إن" راتب الرعاية الاجتماعية الذي استلمه من الدولة لايكفيني لثلث الشهر.. ولدي أطفال في المدارس الابتدائية والمتوسطة وقد اضطرت ابنتاي الكبيرتان إلى ترك الدراسة لعدم تمكني من تسديد نفقات الدراسة."
وأضافت للوكالة المستقلة للأنباء(أصوات العراق)" لهذا السبب اعمل.. وقد أتعبتني هذه الإعمال ولا ادري إلى متى استطيع الصمود لتجنيب بناتي ذل العوز والحرمان."
ولفتت العاملة نورية إلى مشكلة خطيرة تواجهها "نساء المساطر"، بقولها "أنا أراقب ما تتعرض له الفتيات تحت سن العشرين من تحرش واستغلال..بعضهن يتعرضن إلى مشاكل أخلاقية مخلة بالشرف وبعضهن يقعن في فخ الإغراء لأصحاب العمل."
أم علياء، امرأة في نهاية الثلاثينات، تقول إن زوجها عامل خدمة في إحدى المؤسسات الصحية في كربلاء وهو يسمح لابنته (علياء) البالغة من العمر 18 عاما بالعمل في الحقول لتساعده في تكاليف المعيشة "لان راتبه قليل ونحن بحاجة لدخل إضافي."
وأضافت" أحيانا تخرج العائلة بكاملها للعمل في كور الطابوق تحت ظروف عمل قاسية من اجل توفير ما يلزمنا من كسوة الموسم وخزين المحروقات وإيجار البيت.. والباقي على الله وعلى الراتب."


وغالبا ما تنشط مساطر النساء في مواسم الحصاد وجني التمور، إذ تخرج بعض النساء مع العائلة بكاملها للعمل بتقطيع قوالب الطين في كور الطابوق البدائية تحت ظروف عمل صحية وبيئية سيئة.


وكانت هذه المهن تقتصر على عدد قليل من النساء في أيام الحصاد ويطلق عليهن (الطواشات) وهن النساء الأجيرات في المزارع في مواسم الحصاد، أما الآن فقد امتلأت المساطر بنساء العوائل النازحة قسرا وممن فقدن أزواجهن في المحافظات المتوترة امنيا، وبعضهن نساء بدون معيل.


تقول أم عماد، وهي متعهدة لجمع النساء وإرسالهن للمعامل ومخازن التمور والمزارع مقابل عمولة إن"جميع النساء ومن مختلف الأعمار يحصلن على فرصة عمل في مواسم جني التمور والذرة والحنطة والشعير."
وأضافت أم عماد لـ (أصوات العراق) "في الأيام الباردة تضطر النساء للعمل في مخازن التمور لتنظيفها وتغليفها وقد تضطر بعض النساء للعمل في التحميل وإزالة الأنقاض من البيوت المشيدة حديثا، فيما يفضل بعضهن الخدمة في البيوت ممن هن بحاجة إلى مورد يومي للمعيشة ولا يستطعن العمل في الظروف الصعبة."
وتابعت "بعض النساء المتعففات يخجلن من الخروج إلى المساطر رغم استعدادهن للعمل..فأتولى الاتصال بهن في البيوت للخروج مباشرة إلى موقع العمل."


من جانبه، قال أحد أصحاب العمل، الذي طلب عدم ذكر اسمه، لـ (أصوات العراق) انه يفضل النساء "رغم بطئهن في العمل." مشيرا إلى انه "في بعض الأحيان تصطحب النساء أطفال يعملون بنصف اجر."
وأشار إلى انه يستعين بالنساء "لان الرجال يأنفون من هذه الإعمال وهم يفضلون قضاء الوقت بالمقاهي والثرثرة على أن يعملوا بهذه الأعمال."


وفي إطار جهود احتواء النساء العاملات، قالت هند علوش، مسؤولة قسم المرأة والطفل في مركز المجتمع المدني في كربلاء إن" هناك الكثير من نشاطات المنظمات النسوية والمجتمعية مهتمة بتعليم النساء بعض المهن المحترمة التي تجنب النساء التعرض للاهانة والمخاطر في الإعمال الشاقة."
وأوضحت علوش لـ (أصوات العراق) أن" هناك ورش كثيرة لتعلم الخياطة والحياكة والتمريض والتوليد.. وقد تعاون مجلس المحافظة في لجنة حقوق المرأة والطفل مع الكثير من المنظمات النسوية على جلب مكائن خياطة ومدربات لتعليم مهنة الخياطة وهناك مساعدات كثيرة تمنح للعوائل المتعففة والمهجرة."
واستدركت "لكن المشكلة اكبر من إمكاناتنا بكثير وهناك نساء كثيرات ليس لديهن الرغبة أو القابلية على التعلم واغلبهن لا يعرفن القراءة والكتابة وليس إمامهن سوى هذه الإعمال."
وترى علوش إن "على لجنة حقوق الإنسان في مجلس المحافظة أن تتدخل وتكون وسيطا بين النساء وأصحاب العمل لتنظيم مكاتب تشغيل يحدد فيها ساعات العمل والأجرة حسب نوعية العمل وتحديد عمر العاملات ويتعهد صاحب العمل بتوفير ظروف عمل ملائمة مثل الماء الصافي ووجبة طعام جيدة أو واسطة نقل.


لكن الظروف الملائمة لازالت بعيدة عن هذه الشريحة من "نساء المساطر"، وكما توضح المتعهدة أم عماد ظروفهن في العمل، فضلا عن الأجور التي تتقاضاها العاملات، أن"اجر العاملة يتراوح بين 7 -10 ألاف دينار عراقي ( ما يعادل 8 دولارات) حسب ظروف العمل والتي تمتد إلى ثماني ساعات يوميا."


ومقارنة بين أجور العامل (الرجل) مع ما تتقاضاه عاملة من "مساطر النساء" يتضح إن العاملة تعمل بنصف الأجر الذي يتقاضاه العامل في ظروف عمل مماثلة تمتد لثمان ساعات.
وزادت المتعهدة أم عماد "على الأغلب تتحمل العاملة تكلفة الطعام، إلا إذا كان رب العمل كريما جدا ومن المحسنين.. فيرفق بحال النساء بوجبة طعام بسيطة!."

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف