سوق الإثنين الرمضاني في النبطية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سوق الإثنين الرمضاني في النبطية
بسطات متواضعة تحمل عبق التاريخ
عماد الدين رائف: اكتملت زينة مدينة النبطية الرمضانية، فقد أنجزت بلدية المدينة الجنوبية رفع لافتات حملت معاني الصوم وآيات قرآنية، وتم تركيب القناديل والأهلة الرمضانية ليتحول ليل المدينة إلى مهرجان حقيقي، بعد أن يطلق المدفع القديم المتموقع في "ساحة البيدر" قذائفه التقليدية المصنعة يدوياً معلناً انتهاء يوم من أيام الصوم المباركة؛ ثم ينام المدفع "الختيار" حتى الفجر الصادق مانحاً أهل المدينة وزوارها ساعات من المرح والتسوق والزيارات المتبادلة بين الأحبة والأصدقاء.
النبطية، من جديد، المدينة العريقة التي شهدت حروباً ومجازر إسرائيلية على امتداد الخط الزمني للاحتلال والاعتداءات المتكررة منذ حلول هذا "الجار البغيض" على حدود الوطن الصغير لبنان؛ ترتدي اليوم حلتها الرمضانية ليتحول سوقها التاريخي، "سوق الإثنين"، إلى ملتقى لأهلها مع أهال قادمين من القرى المجاورة.
المدينة والجوار
يعتبر قضاء النبطية، البالغ عدد سكانه 233 ألف نسمة، قلب جبل عامل النابض. وهو نقطة وسط ما بين أقضية صيدا، صور، بنت جبيل، جزين، مرجعيون، عاصمته مدينة النبطية، التي يسكنها حوالي 38 ألفاً،
سوق الإثنين
تعتبر الزراعة المورد الأساسي لقضاء النبطية، لا سيما زراعة التبغ والحبوب ومنتوجات البيوت البلاستيكية، كما تشكل أموال المغتربين من أبنائه إلى الأمريكيتين وأفريقيا مورداً هاماً في اقتصاد المنطقة،
يمتد السوق على مساحة أربعة شوارع رئيسية في قلب المدينة، وتتناثر البسطات بأشكالها المختلفة على الجانبين، ويمتد إلى الساحة العاشورائية الشهيرة قرب النادي الحسيني الذي يعاد تشييده في وسط المدينة. تنقل سيارات الأجرة القادمين من كافة القرى المجاورة، فخدمة النقل المشترك لم تصل إلى المدينة بعد. يشكو القادمون من ارتفاع أسعار النقل، والتي تعود إلى مزاجية السائقين "لم يقبل بنقلنا إلى النبطية اليوم بخمسة آلاف ليرة!"، تقول سيدة خمسينة بعد مشادة كلامية مع السائق، تحمل ما اشترته مبكراً بأكياس بلاستيكية عدة، وتصطبحب ابنة لها، تضيف: "اعتدت على ارتياد سوق الإثنين منذ الصغر، آتي أحيانا بقصد التنزه لا التبضع". يستقبلك السوق ببسطة كتب مستعملة تشعرك بانتماء هذه المدينة إلى أجيال المثقفين المدمنين على القراءة، تقفز غلى عينيك من بين مئات عناويين الكتب الدينية عناوين بالإجليزية والفرنسية وأخرى صادرة حديثاً عن دور نشر عالمية، ولا يتعدى متوسط سعر الكتاب دولاراً واحداً. إلى جانب الرصيف، تشمخ بسطة كبيرة امتدت عليها كل أنواع القرطاسية المدرسية، ويتعالى صياح البائعين على نسوة يردن الأفضل لأولادهن من الدفاتر والأقلام مع بدء موسم الدراسة. "تباع القرطاسية بأسعار رخيصة ومعقولة جداً، ونبيع كميات كبيرة منها في هذه الأيام، ويمكننا تصريف ما تبقى لدينا من العام الماضي، فالضائقة الإقتصادية تجبر المواطنين على اختيار الأرخص سعراً.. ولا تسألني عن الجودة". بهذه الكلمات يعبر قاسم، بائع القرطاسية عن حال السوق، ثم يغرق بين أكوام الدفاتر والأقلام "المستوردة من الجارة سوريا حيث التصنيع وطني والأسعار أرخص".
إلى الخلف، يقف أصحاب المحال التجارية وهم ينظرون بتذمر إلى أصحاب البسطات والمشترين في آن معاً. "ندفع إيجار المحلات ونحافظ على جودة البضائع، ويأتي المشترون في يوم واحد إلى البسطات ليشتروا بضاعة
"النبطية بالنسبة إلينا هي السوق، فحن نأتي يوم الإثنين لنشتري الحاجيات من أناس مثلنا يقدمون إلى المدينة ليعرضوا بضائعهم"، يقول نعمة، "في رمضان يمكننا ان نشتري كل المشهيات الرمضانية والخضار والفواكه من المزارعين أنفسهم، فالسوق فسحة لتصريف البضائع بعيداً عن السماسرة والتجار، وهذه الحركة تجعل البضائع أرخص سعراً بكثير".
فوائد إضافية
لا تقف الفوائد الإضافية للسوق عند ما قالته الحاجة سعاد، التي تزور مقبرة البلدة صباحاً حاملة البخور و "العيزقان"، لتزين قبر أخيها. فيعتبر السوق ملتقى لعشرات من الشبان والفتيات، يتنزهون لساعات ويتحدثون، ويلتقون بعيداً عن عيون الأهل في هذه البيئة المحافظة. أحمد، الذي أنهى لتوه دراسته الثانوية بعد معاناة طويلة رافقت رسوبه في الدورة الأولى، يحكي عن لقاءاته المتكررة بزميلته نهى، "في الأيام العادية نتمشى وأعزمها على عصير ونتحدث.. ويمكن أن أمسك بيدها"، ينظر الشاب بخجل، ويأبى أن تلتقط الكاميرا صورته، يضيف: "أما في رمضان فنتكتفي بالتجوال والحديث، فلمس اليد قد يفطر الصائم". على الرصيف يتجمع الشبان ويتحدثون عن نشاطهم بعد الإفطار، وإلى جانبهم تمر نسوة متحجبات في مدينة ما زالت صبغة الالتزام الديني تكللها، مصحوبة بصور لعشرات من أبنائها سقطوا شهداء في حروب لم تلتئم جراحها بعد.