إيلاف+

السكن العشوائي يغزو بغداد

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

مافيا المقاولين وأحلام الفقراء: السكن العشوائي يغزو بغداد


بغداد: استشرت ظاهرة التجاوز على الأراضي المملوكة للدولة عقب التغيير الذي شهده العراق في نيسان ابريل 2003، وتحولت خلال أربعة أعوام فقط، من ظاهرة مؤقتة بانتظار فرص أفضل للسكن، إلى تجارة رابحة يقودها أصحاب رؤوس أموال ومقاولون ووسطاء محترفون، يتقنون استثمار حاجة الباحثين عن بضعة أمتار للسكنى هربا من غلاء أسعار بدلات الإيجار.

يقول احمد عبد الله، موظف في نهاية عقده الرابع، إن "الإيجارات التي أثقلت كاهلي طوال سنوات ما قبل أحداث 2003، وارتفاعها الجنوني بعد الأحداث، هي ما أجبرتني على أن اجمع مدخراتي وما بقي لي من شجاعة، لبناء غرفتين تأويني وعائلتي في ارض كانت مخصصة لكرة القدم في المنطقة."

ويضيف عبدالله، للوكالة المستقلة للأنباء (أصوات العراق) "لم اكن وحدي، فعل هذا قبلي عدد من أبناء المنطقة، وكلنا كنا نريد الخلاص من جشع أصحاب العقارات الذين لا يتوقفون عن رفع الإيجارات بسبب ودون سبب. ماذا كان بوسعنا أن نفعل غير هذا؟"
وتبرر خالدة عبد الحسين لـ(أصوات العراق) سبب بنائها بضعة غرف من الطابوق الرديء على ارض مجاورة لمستوصف طبي، فتقول "اضطررنا إلى ترك منزل عائلة زوجي في مدينة الصدر بعد أن عشنا فيه سبعة أعوام، لم يكن بإمكاننا إنجاب المزيد من الأطفال أو العيش مثل بقية البشر بسبب ضيق المكان والمشاكل التي لا تنتهي، ومن حقنا أن نحصل على ارض نعيش عليها، نحن لم نأت من خارج العراق كي لا نحصل على قطعة ارض فيه"
" كما بثت خالدة شكواها من عدم اهتمام الحكومة بتمليك هذه الأراضي للمواطنين الذين هم بأمس الحاجة لها وقالت " نحن نعرف أننا نتجاوز على غير أملاكنا ولكن فليعطني احد من الحكومة حلا آخر، فنحن من الكسبة الذين يعيشون كل يوم بيومه بدون زيادة ولا نقصان والحمد لله على كل حال".

البعض من سكان منطقة حي الرشاد اشتكى من الوضع الخدمي المتردي للمنطقة وتحدث أبو إسراء بالقول" نحن نعاني من إهمال البلدية لنا، فلا مشاريع لمد أنابيب للماء الصالح للشرب ولا مجار للمياه الثقيلة، صحيح نحن في اغلبنا متجاوزون لكن من الذي يرضى بالمر إلا من ذاق الأشد مرارة " ويضيف "نأمل من الحكومة أن تجد حلا، كالسماح بتمليكنا الأرض التي قمنا ببناء بيوتنا عليها بالأقساط بما يتناسب وقدرتنا المادية ".

المرجعيات الدينية بدورها حاولت الحد من تفشي هذه الظاهرة، فقد اصدر المرجع الديني آية الله العظمى علي السيستاني فتوى بتحريم التجاوز على الأراضي العامة المسجلة باسم البلدية آو احد دوائر الدولة وبناء دور سكنية عليها دون الحصول على أية موافقات من الجهات ذات العلاقة، واعتبر أن من قام بالبناء في هذه الأراضي لم يستتبع ذلك حقا له فيها بالإمكان إلزامه بالتخلية.

أما عبد السلام داوود الكبيسي رئيس قسم التفسير وعلوم القرآن في كلية الإمام الأعظم ببغداد فقد أفتى بعدم جواز وضع اليد على المال العام من غير إذن السلطان لأنه يعد تعديا محرما، ويدخل ذلك في قوله تعالى و{وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}، ومن ثم فإن على المعتدي أجر المثل من وقت الاعتداء إلى زوال اليد، وعلى المعتدي ضمان ما أتلفه من مال مع وجوب إخلاء المكان على الفور.

أبو مروة احد المتجاوزين على ارض للدولة في منطقة بغداد الجديدة قال " بعد أن قضيت خمس سنوات من عمري في حرب الخليج الأولى وبعد أن خضنا حربا بلا داعي في الكويت وانتقلنا منه إلى حصار أكل الأخضر اليابس، اعتقد أن من حقي أن يكون لي دار ألتجئ إليها من جور ارتفاع بدلات الإيجار والارتفاع المرعب في أسعار قطع الأراضي والعقار " ويضيف " لم استطع أن احصل حتى على مائة متر لأحولها إلى مسكن يأويني وعائلتي، حتى وجدت هذا البيت الصغير الذي لا يتجاوز المائة متر مربع في ارض مملوكة للدولة ومتجاوز عليها من قبل الساكن قبلي، فهو قام ببنائها واشتريتها بمبلغ سبعة ملايين دينار بعد أن بعت سيارتي " واثر تساؤل طرحته عليه (أصوات العراق) حول إمكانية إصدار الحكومة لقرار إخلاء أجاب"انأ اعرف إني جازفت بعملي لكن ماذا افعل وسط الأوضاع المأساوية التي نعيشها. انأ أيضا أعيش هاجس أن تقوم أمانة بغداد بطردي ، ولكن أملي في أن يصدر قرار ينصفنا نحن ذوي الدخل المحدود الذين قضينا أعمارنا في حروب وفقر اكبر من خوفي من القرار".

لكن أبا احمد الساكن في نفس منطقة التجاوز قال " ليس من حق احد أن يزيل البيوت التي قمنا ببنائها، سنمارس حقنا في التشبث بما بنينا." هذه البيوت على بساطتها تأوي الآلاف من ذوي الدخل المحدود الذين لا يمتلكون القدرة على بناء بيوت من دخلهم الذي لا يسد إلا رمقهم " وأضاف "مع تفشي البطالة وبقاء الكثيرين بدون عمل فترات طويلة بسبب العنف أحيانا آو بسبب حظر التجول أحيانا أخرى يجعل من غير الممكن أن يحصل الناس على دخول تسمح بفائض ادخار، إلا إذا فعلت الحكومة مثلما تفعل دول الخليج وتمنح قروضا لشراء منازل أو تقوم بتنفيذ وعودها بتوزيع أراض سكنية أو بناء مجمعات لمن هم في مثل وضعنا".

ومع ذلك فليس كل من بنى دارا بعد أن تجاوز على ارض مملوكة للدولة هو من المعسرين فالبعض يتحدث عن مقاولين يقومون بوضع اليد على الأرض وبناء البيوت والمحال التجارية دون وجه حق ومن ثم بيعها إلى المواطنين مستغلين أزمة السكن المتفاقمة وضعف تطبيق القوانين التي تصدرها أمانة بغداد برفع التجاوزات لانشغال أجهزة الدولة التنفيذية بحل معضلة الأمن في بغداد.

أبو داود الذي امتهن بيع وشراء العقارات المتجاوز عليها يقول " ليست الأرض هي من نقوم ببيعها وشرائها، نحن نبيع البناء فقط" ويضيف لوكالة (أصوات العراق) " هناك أزمة سكن لا احد من الدولة على ما يبدو قادر على حلها، ما نفعله نحن هو التوسط لبيع البناء بثمن المواد الإنشائية التي تكلفها واضع اليد الأول، وإلا لكانت أسعار البيع والشراء أعلي بكثير من المتداولة حاليا" وحول أسعار العقارات المتجاوز عليها يقول " الأسعار ليس متساوية فقد تجد بيتين متجاورين احدهما بضعف سعر الآخر وهذا يأتي من نوعية البناء، فكما قلت نحن نبيع البناء فقط، البيت المبني بالآجر يختلف عن المبني بالثرمستون أو(البلوك) وكلما توفرت الخدمات في المنطقة زاد السعر " وأورد أبو داود أمثلة على ذلك " البيت ذي البناء الجيد في منطقة بغداد الجديدة يتراوح بين سبعة لغاية عشر ملايين دينار أما البيوت التي تم التجاوز عليها في مناطق مثل المنصور أو الكرادة فتباع بحوالي 17 مليون دينار وأكثر، وهناك بيوت بأقل من ذلك بكثير "

وحول تقبل المشترين لإمكانية صدور أمر الأخلاء قال احد المتعاملين مع أبي داود " أنا أعي المخاطر التي قد تأتي بسبب هذا الشراء ولكني آمل في إيجاد حل لمعضلتنا، قد اخسر ما جنيته خلال حياتي كلها، لكن ماذا افعل إذا كان صاحب العقار الذي اسكن فيه حاليا يطالبني بإخلاء عقاره خلال شهر".

أبو علي احد سكنة منطقة (أم الورد) في كرادة مريم تحدث لـ ( أصوات العراق) حول معضلة المنطقة التي تمتد إلى أكثر من أربعة عقود والتي كما يقول بدأ التجاوز عليها منذ نزوح العائلات من جنوب العراق إلى بغداد أيام عهد الإقطاع ويضيف" قبل 2003 ابلغونا أن هناك تعويضات ستمنح لسكنة قطعة الأرض وان الدولة ستقوم بهدم المنطقة بالكامل وبناء مجمع سكني على أن يتم منح العائلات التي تسكن فيها شققا في المجمع" وأكمل " لكن الاتفاق لم يتم فالحرب الأخيرة أجلت التنفيذ إلى وقت غير معلوم، إلا أننا نسمع منذ بعض الوقت أن الحكومة الحالية ستقوم بتنفيذ هذا المشروع ونحن ننتظر".

قائمقام مدينة الصدر في بغداد من جهته قدم مقترحا حول توزيع قطع أراضي في ارض زراعية خلف السدة الشمالية وقال في حديث لـ (أصوات العراق) " تعتبر مدينة الصدر احد أكثر مناطق بغداد كثافة سكانية والتي بدأ سكانها بالنزوح منها واستغلال قطع الأراضي المملوكة للدولة والمتروكة فيما يسمى بيوت الحواسم ( والحواسم هي تسمية أطلقت على المسروقات من أموال أو أملاك الدولة إثر سقوط النظام السابق) وبنائها بشكل عشوائي غير منظم وتخلو من الخدمات" واستطرد " اقترح توزيع قطعة الأرض الزراعية الواقعة خلف السدة الشمالية نظرا لكبر مساحتها والتي تقدر بسبعة وعشرين كيلومترا مربعا" مضيفا " إن قيام الحكومة بتوزيعها على المستحقين لمعالجة هذه الظاهرة أفضل من تركها على وضعها الحالي إذ قام مؤجرها من البلدية ببيعها إلى المواطنين بشكل عشوائي مستغلا حالة الفوضى التي أعقبت عام 2003 " مؤكدا على أن هناك إمكانية " لبناء مجمع سكني على غرار مجمع الحبيبية الذي يتكون من بنايات ذات ثلاث طوابق، إضافة إلى إمكانية توزيع قطع أراضي لبناء المساكن والمدارس نظرا لحجم الأرض الكبيرة"مؤكدا على أهمية " منح قروض لأصحاب العقارات واللجوء إلى تسهيل إجراءات البناء العمودي، الأمر الذي سيترتب عليه التخفيف من حدة الظاهرة".

الباحث الاجتماعي فارس العبيدي بدوره تحدث عن أزمة السكن العشوائي في العراق بالقول "إن هذه الأزمة ليست جديدة على العراق وهي ليست وليدة المرحلة فقط ، فمنذ زمن الرئيس الراحل عبد الكريم قاسم كانت العشوائيات موجودة وخير مثال عليها مدينة الصدر الحالية التي قام بتوزيع أراضيها على الفقراء بعد أن قام هؤلاء ببناء البيوت عشوائيا فيها" ويضيف العبيدي" مع تطور الحياة الاجتماعية وزواج الأبناء ونمو النزعة الاستقلالية بعد إنجاب الأبناء ونضجهم يصبح من غير المقبول اجتماعيا أن تبقى العائلات مكدسة في بيت واحد صغير أو تبقى أسرة بكاملها حبيسة غرفة في بيت أهل الرجل" واستدرك بالقول" إلا أن تفاقم ظاهرة البناء العشوائي ليس أمرا يجوز السكوت عنه إذ يجب إيجاد مخارج من قبل الدولة ببناء مجمعات سكنية مناسبة تحمي تلك العائلات فبعض العشوائيات (مناطق سكنية عشوائية بنيت من دون ترخيص على أراض مملوكة للدولة) تقع في حدود مدينة بغداد وهي غير صحية نفسيا على الأبناء، كما لا يتوفر فيها مدارس على الأغلب أو يكون الوصول إلى المدارس صعبا مما سيؤدي في النهاية إلى خلق جيل خارج نطاق التعليم وهذه مهمة صعبة للدولة ولكنها ليست مستحيلة".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف