عاصمة التيطري المدية الجزائرية: مرآة بلونين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
كامل الشيرازي من الجزائر:لا تزال مدينة المدية الجزائرية (150 كلم جنوب)، العاصمة التاريخية لـ"بايلك التيطري" في عهد الدولة العثمانية، متشامخة بذاكرتها ومراياها بفسيفساء تاريخية نسجت مجد هذه المنطقة العتيقة، رغم كل الأحداث الجسام التي هزتها ، وعرفت المدينة الكثير من الحضارات منذ احتضانها لأوائل الرومان، مرورا بالفتوحات الإسلامية، وصولا إلى العهد العثماني، وتموقعها كمحطة مهمة مدت الجسور بين المشرق والمغرب منذ آلاف السنين.
ماديكس.. الصنهاجيون ويوسف بن تاشفين
ويروي باحثون، إنّ المدية خضعت ابتداءا من القرن الثالث عشر، لسيطرة قبيلة أولاد منديل المغراوية سنة 1289 م، حيث تمكن السلطان الزياني "عثمان بن يغمراسن" من الإستيلاء على ما يعرف حاليا بـ"الونشريس"، كما تسرد مخطوطات إنّ السلطان المذكور ضرب حصارا على المدينة التي كانت سيطرة تحت قبيلة "أولاد عزيز" من أبناء الزعيم الأمازيغي "توجين ثن".
وفي سنة 1303م، سقطت المدينة في يدي السلطان المريني " أبو يحيى"، هذا الأخير بنى قلعته المشهورة، قبل أن يقوم "أبو زيان" الذي كان سلطانا على بني عبد الواد، استرداد المدية وضمّها تحت حكمه سنة 1366 م.
إيالة الجزائر وملاحم الأمير
بدأت مدينة "المدية" عهدا جديدا مع قدوم الأتراك وإنشاء الدولة العثمانية لما عرف بـ"إيالة الجزائر" سنة 1547م، حيث قسّم "حسن باشا" البلاد إلى ثلاث مناطق، وجعل المدية عاصمة " بايلك التيطري " في الوسط، وعيّن أول باي للمنطقة سنة 1578 م.
وبعد دخول المحتل الفرنسي للجزائر في يوليو/تموز 1830 م، لم تستسلم المدية مبكّرا، رغم شنّ الجيش الفرنسي عدة محاولات توغل بقيادة الماريشال (دامريمون)، حيث تمكّن الباي "بومرزاق" آنذاك من إحباط هجمات الفرنسيين ودفعهم إلى التراجع حتى الساحل، ولم يتمكن الفرنسيون من اختراق المدية إلاّ بعد سبعة أشهر، إثر إعدادهم سبعة آلاف مقاتل بقيادة الماريشال "كلوزيل"، لتدخل القوات الفرنسية المدية في 21 شباط/ فبراير 1831 م، أين جرى تعيين "الباي عمر" واليا على المدية.
ولا يمكن للمرء أن يذكر المدية دون أن يتوقف عند العلاّمة "محمد بن شنب" (1869م- 1929م)، فهذا الأخير كان بارعا في اكتساب العلوم والمعارف وأجاد اللغات الاسبانية، الألمانية، اللاتينية، الفارسية و التركية، ناهيك عن العبرانية، وجرى انتخابه العام 1920 عضوا ضمن المجمع العلمي العربي بدمشق، قبل أن يكون أول جزائري يتحصل على الدكتوراه في الآداب بدرجة ممتاز سنة 1922م، كما كان شاعرا مفلقا، وشارك في عديد المؤتمرات العلمية في الرباط وأكسفورد وباريس.
العلامة محمد بن شنب، أجمع العرب والعجم على عبقريته، حيث أشد به المستشرق "رينيه باسييه" و"مارتينيو"، والعلامة "البشير الابراهيمي" و"سعيد الزاهري" و"احمد توفيق المدني" والفنان "عمر راسم"، وقال فيه "عبد الحميد بن باديس" رائد النهضة الحديثة في الجزائر:"فقدناه لما عرفناه".
وخلّف بن شنب ورائه ما يزيد عن الخمسين كتابا في سائر العلوم باللغتين العربية و الفرنسية منها: تحفة الأدب في ميزان أشعار العرب، رسالة في المنطق، "أمثال العوام في أرض الجزائر والمغرب"، "رحلة الورتيلاني"، "أبو دلامة، حياته و شعره"، وشرح "مثلثات قطرب" سنة 1907، كما له العديد التحقيقات والتنقيحات، والترجمات والفهارس لكثير من نفائس الكتب، وحينما عزم علماء الاستشراق على وضع دائرة المعارف الإسلامية سنة 1899م، كان "بن شنب" العربي المسلم الوحيد بين خمسين من المستشرقين.
سحر الآثار
تزخر المدية بعديد المناظر الطبيعية ذات الجمال والسحر المنقطع النظير، على غرار فسوحات أولاد هلال ومنعرجات الحمدانية، تمزقيدة، أولاد هلال، بوقزول، سهل بني سليمان، وغيرها، كما تمتاز بإرث تاريخي يمتد إلى ما قبل التاريخ، في صورة أقواس جواب، وقلاع الكاف الأخضر، وقصر البخاري، وسانق.
اللافت، هو تميّز أبناء المدية بمحافظتهم على تقليد متوارث، يتصل بإحياء الوعدات لمن يعرفون بـ(أولياء الله الصالحين)، وتقام بالمناسبة ما يسمى بـ"الطعمة"، وتقام على هامشها مسابقات لألعاب الفروسية مصحوبة بالأنغام والمدائح، كما تشتهر المدية بحفلات زفافها وتقاليد (العرضة)، (المحضر)، (الحزام)، وغيرها من الولائم المصادفة للأيام الدينية والموسمية، في صورة (عيد العنب) الذي تشتهر المنطقة بجودة محاصيله، تماما مثل أكلات شعبية تنفرد نسوة المدية بتفننهنّ في تحضيرها على منوال: العصبان، الكسكسي، البركوكس، وحلويات كـ: البغرير باللوز، حلوة العنب، المثقبة، المعارك، وغيرها من الأكلات ذات الصلة العرفية بين العوائل هناك.
التعليقات
عبق التاريخ
ابراهيم -عبق التاريخ من اصالة المكان .... مقال رائع
عبق التاريخ
ابراهيم -عبق التاريخ من اصالة المكان .... مقال رائع