المواقع الأثرية بـ"المسيلة" الجزائرية مهددة بالزوال
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عشرات المواقع الأثرية بـ"المسيلة" الجزائرية مهددة بالزوال
كامل الشيرازي من الجزائر: قال مشتغلون بالأبحاث الأثرية، إنّ عديد المواقع الأثرية في ولاية المسيلة الجزائرية (225 كلم شرق) باتت مهددة بخطر الزوال، وتعود غالبية هذه المواقع إلى نحو عشرة آلاف عام، وأتى هذا التبدد الأثري غير المسبوق نتيجة عدم الاهتمام وتسيّد ثقافة النسيان والإهمال على نحو يقلق الشارع المحلي إزاء مستقبل أهم معالم المدينة الموصوفة بـ"عاصمة الحضنة".
وفي خضم حركة التصنيع المكثفة وغير المدروسة، تتعرض المسيلة العذراء إلى انتهاك متواصل، ينتظر وقفة حازمة من وزارة الثقافة الجزائرية وكافة الغيورين على رصيد فكري جمالي يئنّ تحت سياط اللامبالاة والعبث.
واللافت، أنّ تاريخ المسيلة على عراقته وما ينطوي عليه محطات استراتيجية، لا يزال بحاجة إلى كشف النقاب عنه بشكل واف، مع الإشارة إلى أنّ روايات تاريخية موثقة تتحدث عن المسيلة كحصن منيع استولى عليها الملك ماسينيسا ما بين سنة 200 و193 قبل الميلاد، واحتمى بها الملك يوغرطا هربا من ملاحقة الرومان له سنة 106 قبل الميلاد، كما كانت المسيلة في العهد الأمازيغي تدعى : مملكة نوميديا الشرقية (مازيلة) في إطار دولة أمازيغية كبرى في شمال أفريقيا تمتد من قرطاجة التونسية شرقا إلى نهر ملوية غربا.
وتعاقب على حكم المسيلة في عهد الحكم البربري عدة أمراء بينهم" ستردير بن رومي" وكان أميرا على قبيلة أوروبة، "كسيلة بن لزم" الذي تولى أيضا إمارة قبيلة أوروبة، وفي بداية الاحتلال الروماني للبلدة أطلق على المسيلة اسم (زابي) لأول مرة وقد تحدثت عنها (رحلة أنطونا) و(الوثيقة الكرتوغرافية) المؤرخة في القرن الثالث الميلادي والمسماة ب(جدول بيتينجر)، وكذلك قوائم الأسقفية، وبين أواخر العهد الروماني وبداية العهد البيزنطي، شهدت المنطقة حروبا دينية اصطدمت فيها القوتان (الدوناتستية) و(الكاثوليكية)، وكذا المعارك التي قامت بين بربر الحضنة والأوراس من جانب ضد قوات الاحتلال الوندالي من الجانب الآخر، حيث خربت في تلك الفترة ما جعل البيزنطيين يعاودون الكرة لبنائها من جديد في عهد الإمبراطور البيزنطي (جستينيان الأول ) بإشراف قائده الجنرال سولومان .
وجرى فتح المسيلة على يد "عقبة بن نافع الفهري" الذي هزم الرومان على ضفاف وادي المسيلة، وعُرفت المسيلة في المخطوطات العربية القديمة بأسماء عديدة منها :أربة ـ أوربةـ أزبة ـ عدنة - عزبة ـ عربة، وفي العهد الفاطمي اختطها أبو القاسم محمد القائم سنة 315 للهجرة، حيث نسبها إليه وسماها:المحمدية، وولى عليها (جعفر بن علي ابن حمدون) أميرا، فأصبحت المسيلة تُعرف بإمارة ابن حمدون، وأمّ بلاط أميرها الشاعر المعروف ابن هاني الأندلسي المعروف بمتنبي المغرب.
وتقع قلعة بني حماد في سفوح جبال بلدة المعاضيد، وصنّفتها منظمة اليونسكو ضمن نفائس التراث الإنساني، وتعرّضت على مدار تاريخها الطويل إلى أحداث جسام، منذ الاصطدام الذي حصل في الزمن القديم بين الأمازيغ والعرب الهلاليين، مرورا بموجة التدمير الذي لحق قطاعا مهما من هياكلها في القرنين الخامس والسادس الهجريين، وصولا بما طالها القرن الماضي بسبب الاحتلال الفرنسي للجزائر، بيد أنّ القلعة ظلت صامدة متشامخة واستوعبت قوافل من العلماء والفقهاء والشعراء والمتصوفين، وأقام بها في مختلف الفترات مزيجا من السكان المحليين وكذا من وفدوا إليها من الدول المغاربية المجاورة، ما مكنّها بحسب جمهور الباحثين والمؤرخين إلى التموقع كعاصمة لحواضر الشمال الإفريقي، وملتقى لمختلف تجليات الحياة الثقافية والنتاج الفكري، حتى أنّ الشاعر "ابن هاني الأندلسي" امتدحها، وردّد قولته المأثورة:" قلعة بني حماد.. جنة الله في أرضه".
لكن بقاء تاريخ الحماديين في عداد المسكوت عنه، أفضى إلى تغييب الأفاريز الدينية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية للقلعة، وحرمان المتطلعين إلى استنشاق عبق تاريخها المنكوء خلف مقابر وساحات وأنقاض وطلاليات القلعة.
واللافت أنّ ما خلّفه عدد من الكتّاب الفرنسيين أمثال "لوسيان جولفان" و"جورج مارسي" اقتصر على الطابع العمراني الأثري لمساجد وقصور ومنتزهات القلعة، دون الولوج إلى مكتنزاتها وما كانت تتوّج به مجالسها ومساجلاتها، ولعلّ ما زاد الطين بلّة هو ضياع أعمال مؤرخي الدولة الحماديين.
وتنفرد مدينة المسيلة أيضا بقصر الأمراء البديع الذي يتكون من ثلاثة أجنحة للإقامة تربطها قاعات وحدائق ونظام رائع لتوزيع المياه.