تونس تكتب تاريخها بالعملة

إيهاب الشاوش من تونس: تحول متحف العملة بتونس الى قبلة للباحثين و طلبة المراحل العليا، رغم ان عمره لم يتجاوز الشهر. فالمتحف الذي يعتبر فريدا من نوعه في تونس، يؤرخ عبر 43 خزانة زجاجية تشمل ابرز القطع النقدية النادرة من رصيد البنك المركزي (نحو خمسة الاف قطعة) ل25 قرنا من تاريخ العملة في تونس من الفترة البونيقية الى الفترة الحالية الى جانب نماذج لعدد من الأوراق المالية.

فطلبة علم النوميات،و الهندسة المعمارية و الباحثين، يجدون في المتحف ضالتهم من القطع النقدية النادرة، كما تضم مكتبة تقع في الطابق العلوي عددا مهما من المراجع العملية و كل مستلزمات الدراسة و البحث.

يقول احمد الفيتوري، المكلف بالمتحف" مع حداثته صار المتحف مرجعا للطلبة الذين يقومون بزيارات ميدانية، و خاصة من طلبة المرحلة الثالثة. لقد وفرنا لهم كل ظروف الدارسة، و نملك نقود ننفرد بها في تونس".

و يضيف" الهدف هو ان نصل بالمتحف الى مستوى معهد اعلى للدراسات في علم النوميات لأننا نملك مكتبة ممتازة و قطع نقدية مطلوبة من المختصين و الدارسين".

اما طالبة السنة رابعة هندسة معمارية، اميرة عكروت فتقول" المتحف جعلني اتعرف على مخزون هام من القطع النقدية بتونس. كما ان هندسته المعمارية و الأضواء و التقنيات التي استخدمت يمكن ان تفيدني في دراستي".

ضرب العملة في العهد الإسلامي:
المتحف يعرض للزائر في شكل دائري و تصاعدي تاريخيا، مسكوكات و قطع نقدية و اوراق مالية، عرفتها بتونس منذ 5 قرون قبل الميلاد مرورا بالفترة العثمانية و الاستعمارية وصولا الى الفترة المعاصرة،، حيث نلاحظ مثلا، قطع نقدية ضربت خلال فترة ثورة صاحب الحمار، و هي قطعة نادرة، بحسب ما يؤكده المشرفون، و تسلط الضوء على فترة تاريخية، مهمة في تاريخ تونس. كما يتعرف الزائر على اوراق نقدية اصدرها البنك الجزائري التونسي سنة 1947.

يقول احمد الفيتوري" المتحتف يحتوي على مقايس لقيس و سك العملة في العصور الإسلامية. و هي مصنوعة من الزجاج و مواد كريمة اخرى. طلبة علم النوميات يقبلون على دراستها بكثافة و يتعرفون كيف كانت تسك العملة في القيروان و المهدية خلال العصر العباسي و الأموى و الأغلبي او الفاطمي".
القطع النقدية لهذه الفترة تتميز، بنقوشها و كتابتها الجملية التي تتفنن الخطاطون العرب فيها. كما يعكس استعمال الذهب في تلك الفترة ازدهار الحضارة الإسلامية.
اما النقود التي ضربت خلال العهد القرطاجني، فقد نقش عليها صورة الآلهة تانيت و صور أخرى مثل رأس الأسد و الحصان. تلتها الفترة الوندالية و البيزنطية التي شهدت ظهور أول قطع ذهبية.

جناح لمتحف العملة:

انجاز المتحف، تم بعد دراسة علمية لمخزون البنك المركزي التونسي من العملة قام بها باحثون من تونس و الخارج.
و كانت خلاصة الأبحاث انجاز مؤلف من 3 مجلدات حول العملة و تاريخها اعتمادا على ال5 آلاف قطعة المتوفرة. ثم و في اطار احتفال البنك المركزي التونسي بالذكرى الخمسين لإنشائه، في نوفمبر الماضي، و بمناسبة توسعته تقرر تخصيص جناح لإيواء المتحف.
يقول الفيتوري" تمكنا من تخطي كل الصعوبات. و حصلنا على اغلب القطع عن طريق هبة من المؤرخ التونسي حسن حسني عبد الوهاب. كما حصل البنك على قطع اخرى عن طريق تبرع المواطنين. و لنا الآن مئات من القطع النقدية جمعناها من المواطنين، و سنتصل بيهم عندما نكمل دراستها".

تقنيات حديثة:

للمتحف شكل هندسي مميز، خاص بمتاحف العملة العالمية، سواء على مستوى الاضاءة او توزيع عرض القطع النقدية و ظروف المشاهدة. كما يستجيب المتحف للمواصفات العالمية للسلامة والأمان، التي تحافظ على النقود و الأوراق المالية و أدوات سك العملة من التلف و التآكل.
" الخزائن مجهزة بمكبرات و آلية تبيد و زجاج حامي يقيها من السرقة و من الأشعة التي يمكن ان تتلف القطع المعروضة" كما يؤكد مساعد مدير المتحف.
نور الدين الأجنف، مهندس ديكور، يؤكد من جهته لإيلاف" المتحف له تركيبة هندسية خاصة فهو أنجز في شكل بيضوي مستدير. بعد الدراسة وضعنا له مسارا سينوغرافية يمتد على 8 فترات ل25 قرنا من تاريخ العملة في تونس. الطابق السفلي يحتوي على النوميات و الميداليات و العلوي يضم الأوراق المالية".

ملتقى اقتصادي و ثقافي:

المشرفون يقولون ان تونس تسعى من خلال انشاء المتحف، الى إكمال الحلقة الثقافية ضمن السلسة الاقتصادية، للمؤسسات المالية بتونس. فالمتحف يقع في شارع يضم الى جانب مقر البنك المركزي اهم المؤسسات المصرفية التونسية.
وكان بيت التمويل الخليجي أعلن في منتصف ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي عن رصد ثلاثة مليارات دولار لتمويل مشروع إستثماري في تونس تحت إسم" المرفأ المالي"، سيتمّ تشييده في ضاحية رواد الواقعة شمال تونس العاصمة على مساحة تقدر بنحو 450 هكتاراً.
يقول الفيتوري" نريد ان تصبح تونس ملتقى مالي اقتصادي. و موقع المتحف في شارع محمد الخامس، الى جانب انه جاء على مقربة من مدينة الثقافة التي هي بصدد الإنجاز، يحول المتحف الى حلقة وصل ثقافية. و هي قراء في التاريخ من خلال القطع النقدية. و مطلبنا هو الكشف عن جانب لم يكن ظاهرا للسائح الأجنبي و للعالم العربي و هي في النهاية قراءة جديدة عبر القطع النقدية".

وتبذل تونس جهودا كبيرة من أجل توظيف المخزون الاثرى والتراثي كمنتج جديد للسياحة التي تعرف منافسة حادة من دول حوض المتوسط.

وتغطي السياحة قرابة 75 في المئة من العجز التجاري لتونس وهي المصدر الاول للعملة الاجنبية.

وأكد المشاركون في ندوة تونس الدولية الرابعة لسياسات التنمية الثقافية خلال تعرضهم إلى محور المقاربات الجديدة في التصرف والتسويق للفنون أن للإنتاج الثقافي منحى اقتصادي يندرج ضمن مقاربة جديدة تعتبر الثقافة سندا للتنمية.
وأشاروا ضرورة الاهتمام بالتراث الثقافي للمحافظة على الهوية الوطنية مع العمل على ترويجه من خلال تشجيع السياحة الثقافية.
ودعا متدخلون إلى وجوب إدماج التبادل الثقافي في صلب الحركة الاقتصادية الدولية وذلك من خلال الربط بين الاستراتيجيات الاقتصادية والثقافية وتطوير السياسة التنموية.