البراءة ضحية لآفة الأمية وبعبع الفقر في الجزائر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
البراءة ضحية لآفة الأمية وبعبع الفقر
اتساع ظاهرة عمالة الأطفال في الجزائر إلى حدود المليونين
كامل الشيرازي من الجزائر: كشفت بيانات حديثة لجمعيات الطفولة المسعفة في الجزائر، اتساع ظاهرة عمالة الأطفال في الجزائر إلى حدود المليونين، وقال الأخصائي فتحي بواروي لـ"إيلاف" إنّ تحقيقات ميدانية أفضت إلى إحصاء نحو 1.9 مليون طفل تستوعبه سوق الشغل في الجزائر على نحو غير مشروع مخالف للتشريعات المعمول بها في البلاد، وربط بواروي تطورات الظاهرة بما لا يقل عن ثمانمئة ألف طفل جزائري يظلون خارج المدارس لأسباب متعددة.
وأشار المسح الميداني، إلى أنّ عددا معتبرا من أرباب الأسر المستجوبين، أقرّوا بعلمهم بانخراط أطفالهم في مختلف الأعمال الشاقة التي جرى تبريرها بحتمية "المساعدة المنزلية" وهو ما يعني أنّ هؤلاء معتادون القيام بعدد من الأشغال غير مدفوعة الأجر؛ وعوضا من المغادرة النهائية للمدرسة قبل نهاية التعليم الإلزامي، ترتفع نسبة التغيب المدرسي خاصة في المناطق الريفية وشبه الحضرية، كاشفة عن تشغيل الأطفال بأجور متدنية في مناطق يصعب أن تمتد إليها رقابة الدولة.
كما أوضح خبراء السوسيولوجيا في الجزائر وعلى رأسهم د/ناصر جابي إنّ الأطفال المشغّلين على نحو غير شرعي، اعتبارا لحظر المسألة في مجموع المعاهدات الدولية سارية المفعول، هم في أغلب الحالات أبناء لأمهات ذوات مستوى تعليمي منخفض أو لم يتلقين تعليما على الإطلاق، وأنهم يميلون إلى التركز ضمن الـ 20 % الأكثر فقرا، مع الإشارة إلى المعلومات التي تضمنها تقرير اليونيسيف عن حالة الأطفال المزرية في الجزائر، ومفعول الظاهرة التي ولدّت كليشيهات أخطر في صورة التسرب المدرسي والانحراف الاجتماعي، وما نجم عنهما من ظواهر أكثر ضرراً، وأشد خطورة، على غرار ما يعرف تجاوزا بـ"أطفال الشوارع"، فالطفل الذي خرج من المدرسة أو لم يلتحق بها لا مكان له سوى العمل، أو الشارع، وما يترتّب عنهما من مخاطر اجتماعية وتربوية.
وقسّمت الدراسة ذاتها منظومة تشغيل الأطفال في المنطقة العربية إلى أربع مجموعات، واضعة الجزائر في المجموعة الرابعة التي تضم إلى جانبها كلا من الصومال، جيبوتي، العراق، السودان، فلسطين، ووسمت هذه البلدان بأنها مرّت بظروف استثنائية، كيّفت الوضع كذلك، في حين ربطت ظاهرة تشغيل الأطفال بتقديرات منظمة اليونسكو التي تحدثت قبل أشهر، عن 8 ملايين طفل في سن الالتحاق بالمرحلة الأولى للتعليم، ظلوا خارج المدارس، من بينهم 700 ألف طفل جزائري، وعلى الرغم من "مجانية" التعليم الأساسى، فللفقر دوره، إذ يقترن التعليم بمصروفات مباشرة أو غير مباشرة، إضافة إلى محدودية العائد الاقتصادي، فضلا عما يقتضيه استكمال التعليم الأساسي من "كفاح" الفتيان والفتيات لإعالة أسرهم والوفاء بحاجياتها، في مقابل نيل شهادات تصعب ترجمتها إلى "قيمة" اقتصادية واجتماعية، كما لا تزيد نسبة التحاق الشباب بالمرحلة الثانية للدراسة عن 40 % من الشريحة العمرية التقريبية 18-12 سنة، وبين هذا وذاك فإن ما يقرب من 90 % من التلاميذ يبلغون الصف الخامس من المرحلة الأولى، لكن عدد الذين يستكملون إلى المرحلة الثانية يتقلص، إذ لا يزيد على طالبين من بين كل ثلاثة طلاب في الجزائر.
وتبرز خطورة ممارسة مختلف المهن لا سيما الحساسة على صحة الأطفال، إذ غالبًا ما تكون ظروف العمل كارثية ولا تراعى فيها الشروط والمقومات الإنسانية المطلوبة، وكارثة الكوارث هي المهن التي يتعاطاها الأطفال الفقراء فهي تشكل بالفعل خطرًا كبيرًا على صحتهم البدنية وعلى نموهم العقلي، فاللائحة كبيرة وعليها العمل في الإنشاءات المعدنية، وتركيب الأجهزة الإلكترونية، والعمل في قطع الحجارة ونحتها، والعمل في دهن السيارات والحدادة والنجارة، وكل ما له علاقة بالمواد الكيماوية، التي لو تم تنشقها بشكل مستمر، قد يكون لها تداعيات مخيفة على أجساد لا تزال لينة وغير صلبة، ناهيك عما يتعرض له الأطفال من تعنيف وضرب من قبل أرباب عملهم.
وكانت أحدث دراسة للمنظمة العالمية للطفولة الكائن مقرها في بروكسل، أشارت إلى أنّ منطقة المغرب العربي تحتل صدارة الأطفال العاملين بـ6.2 ملايين طفل، وتأتي الجزائر في مقدمة الدول المغاربية، وقسمت الدراسة ذاتها منظومة تشغيل الأطفال في المنطقة العربية إلى أربع مجموعات، وضعت الجزائر في المجموعة الرابعة التي تضم إلى جانبها كلاً من: الصومال، جيبوتي، العراق، السودان، وفلسطين.
في غضون ذلك، تضمن تقرير نشرته قيادة الأمن الجزائري مؤخرا، أرقاما مخيفة عما صار ينتاب منظومة القصّر في الجزائر، وما يكتنفها من تراكمات بلغت غاية في الكارثية والضياع، وهو ما تشير اليه الأرقام التي تشير إلى ابتلاع الجريمة بمعدلاتها المخيفة لقطاع هائل من الأطفال، وصلت فيه نسبة هؤلاء إلى 90 % يتوزعون بين مذنبين وضحايا، وسجل التقرير أنّ ما يربو على 34 ألف قاصر تورطوا في مختلف أشكال الإجرام وأبرزها السرقة خلال 5 سنوات، كما أحصت قيادة الدرك نحو 1100 اعتداء استهدف الفئة العمرية لما تحت 18 سنة، ولاحظ التقرير أنّ حرمان أكثر من 300 ألف طفل من الرقابة الأبوية، كانت له ولا تزال عواقب وخيمة زادت من حجم الهزال الحاصل في البنية الأسرية والاجتماعية، التي صار معها قصّر لا تتعدى أعمارهم عشر سنوات يتفننون في السطو والجرح العمدي وتوابعهما، بالقدر الذي فرض بعث خلايا خاصة للتدخل خاصة بتقويم انحراف مسار الأحداث.
وشدّد التقرير المذكور، على أنّ الجزائر باتت تعيش في الظرف الراهن وقع إرث اجتماعي واقتصادي جد متدهور، في ظل ما أفرزه شبح انحراف القصّر بجانب ما ولّدته ظواهر البطالة المتفاقمة واشتداد حدة الفقر من إمعان في كارثية مضاعفة مقارنة عما كان الحال في العشريات الأربع المنقضية، فبعد أن كان عدد القضايا التي يتورط فيها القصّر لا يتجاوز 10 آلاف بين 1963 و1968 لترتفع نسبيا إبّان السبعينات، دخل القصّر النفق المظلم منذ نهاية الثمانينات إلى غاية العامين الأخيرين، في صورة أكثر من 65 ألف قضية كان الفاعلون الرئيسون فيها قصّرا، علما أنّ نحو 19 ألف قاصر - ما يعادل 55 في المئة - ارتكبوا جرائم وجنحا خلال الفترة ما بين 1998 و،2003 بينما وقع 45 في المئة من الأحداث ضحايا لعمليات إجرامية، بواقع 15 ألف قاصر كان أكبرها عام 2003 (2500)، وتضع الإحصائيات السرقة في الصدارة حيث تظل الجريمة الأكثر شيوعا ب 44 في المئة، وأكثر من ذلك ارتفعت ب 12 بالمئة عما كان في النصف الثاني للتسعينات، مع الاشارة إلى أنّ الذكور يشكلون الأغلبية الساحقة ب 97 في المئة من القصّر المتورطين، في حين نجد الفئة العمرية الأكثر من 16 إلى 18 عاما بـ9743 على رأس القائمة قبل شريحة 13 إلى 16 سنة،4612 دون إغفال ذوي العشر سنوات الذين وصلت أعداد المذنبين منهم إلى 284 طفلا.
على صعيد العنف المضاد، قالت قيادة الدرك الجزائري إنّ السنتين الأخيرتين عرفتا 1100 جريمة وجنحة ضد القصّر، 26 في المئة منها جريمة جرح عمدي، في وقت استخدمت جماعات الإجرام 500 قاصر في قضايا بيع وتعاطي مخدرات، وتعتبر المناطق الأكبر في الجزائر، وهي ولايات العاصمة ووهران وباتنة الأكثر عرضة للظاهرة - 202 حالة.
ويرى أخصائيون أنّ غياب سياسة وقائية عميقة زاد من اتساع رقعة العنف ضد الأحداث، وأبدت تخوفها من احتمال استفحال حجم النزيف وخشيتها من ابتلاع غول العنف للقصّر في غضون الأعوام القليلة القادمة، علما أنّ السنة الماضية كرّست استمراريّة الانحراف، أين سجّل تورط 3123 قاصرا لجرائم، بمقابل ضلوع 24468 شابا تراوح أعمارهم بين 18 و 29 سنة في الاعتداءات.
ولمجابهة الخطر الداهم، أتت خلايا المتابعة والتي تأسست ثلاث منها على مستوى الجزائر العاصمة ووهران وعنابة بصفة تجريبية في انتظار توسيعها لاحقا، لاستدراك التأخر الحاصل على صعيد الاعتناء بالقصّر، حيث ستعنى خلايا التدخل المذكورة بالتنسيق مع إدارات التعليم والبيئة والشباب والرياضة إضافة إلى الصحة والثقافة والشؤون الدينية، ناهيك عن التكوين المهني والمنتخبين وعموم الجمعيات ووسائل الاعلام، على تحريك حملة تحسيسية واسعة تطال عموم الأطفال والمراهقين، وذلك بالتعاون مع المؤسسات المتخصصة، وسيجري التركيز بصورة خاصة على الأحياء الشعبية التي اشتهرت بكثير من ظواهر الانحراف للقصر، وتستعين القيادة العامة للدرك بمحققين يسعون إلى توظيف مختلف الوسائل البسيكولوجية من أجل تقويم التردي الحاصل في منظومة القصر في الجزائر.
يُشار إلى أنّ بيانات رسمية حصلت "إيلاف" على نسخة منها، تحدثت عن تفاقم ظاهرة "اختطاف الأطفال" التي احتدمت على نحو مريب العام الماضي وأوائل السنة الجديدة، في صورة 841 طفلا تعرّضوا للاختطاف منذ العام 2001، وتتراوح أعمار الضحايا بين 4 و16 سنة.
وصار الأمر مفزعا أكثر خلال الأحد شهرا المنقضية، إثر توارد أنباء عن اختفاءات ملغّزة لما يزيد عن 150 طفلا، عُثر على جثث أغلبهم في حالة تحلل متقدمة بآبار مهجورة، بينما تعرّض قطاع غير يسير منهم إلى اعتداءات جنسية كانت لها انعكسات على هؤلاء الذين تعرضوا لصدمات ليست بالهيّنة.
والغريب أنّ الاختطافات التي طالت الأطفال، لم تتبنها جهات معينة، وظلت مقترنة غالبا بظروف غامضة، وقليلة هي الحالات التي طالب فيها خاطفون من عائلات ضحاياهم دفع فديات، ويربط محققون أمنيون يشتغلون على الملف، بروز هذه الظاهرة الغريبة عن المجتمع الجزائري، بما أفرزته آفة المخدرات وممارسات شبكات الجريمة المنظمة، إضافة إلى ما نجم عن الفكاك الأسري والعنف الدموي الذي جعل من الجزائر أسيرة لمستنقع مزمن.
التعليقات
اسما وعلما لا غير
أبو مالك -قالها ديغول: أعطينا الجزائر اسما وعلما (فقط، ولن نسمح لهم بغير ذلك)!