إيلاف+

أصعد.. إصعد .. يامعود

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

نيوزماتيك/ البصرة: على الرغم من قدم هياكلها وتهدم أطرافها إلا أن شوارع مدينة البصرة لا تزال تألفها..إنها الباصات الخشبية التي مضى على صناعتها أكثر من نصف قرن دون أن تفقد رونقها الخارجي الذي جعل منها معلماً تراثياً التصق بماضي وحاضر المدينة. والفضل في ذلك يعود لأصحابها الذين يحرصون بشكل مستمر على إخضاعها للإدامة والصيانة في محاولة لإخفاء تجاعيد الزمن وإنعاش محركاتها التي تحتضر من شدة الصدأ.

وأعمال الصيانة لا تقتصر على أصحاب الورش الميكانيكية فحسب وإنما يلقى جانب منها على عاتق النجارين الذين يتفننون بزخرفة وطلاء ألواح الخشب التي تحيط بهياكلها. وعادة ما يستخدم في ذلك الخشب الجاوي، نسبة الى جزيرة جاوة الاندونيسية، في الترميم لصلابته ومقاومته الظروف البيئية القاسية.

لكن انعدام توفر قطع غيار هذا النوع من المركبات وارتفاع أسعار الوقود علاوة على تشديد الاجراءات المرورية بحق أصحاب السيارات القديمة قد يضع نهاية قريبة للباصات الخشبية التي يرفض غالبية أصحابها التخلي عنها. بل أن بعضهم يعبر عن إعجابه بها بعبارات كتبها على بدنها مثل: "قاهرة الزمن" و"قاطعة الصحراء".

يقول إسماعيل عيسى، 35 سنة، وهو مالك باص خشبي ورثه عن ابيه، لـ"نيوزماتيك" إن "الباصات الخشبية دخلت الى العراق عبر موانئ البصرة من قبل تجار هنود في أواخر العقد الخامس من القرن الماضي وكانت مصممة لغرض نقل الحمولات والبضائع لكنها سرعان ما خضعت لسلسلة من التحويرات والتغييرات فغدت مخصصة لنقل الركاب".

ويشير عيسى إلى وجود أكثر من موديل من الباصات الخشبية جميعها مصنعة من قبل شركة شيفروليت الأمريكية وهي ذات مواصفات متشابهه باستثناء بعض الاختلافات في قوة محركاتها التي غالباً ما تكون ذات 6 سرعات".


وبرغم أن الباصات الخشبية تتسع لـ 14 راكباً إلا أنها غالبا ما تحمل ضعف هذا العدد في مشهد يثير الدهشة والاستغراب وامتعاض رجال المرور هو مشهد تشبث الركاب بجوانب السيارة أو الجلوس جماعياً على سقفها للوصول الى المكان الذي يعتزمون الذهاب إليه مقابل أجر زهيد نسبياً.

ويؤكد عيسى أن الباصات الخشبية جابت جميع مناطق البصرة بأقضيتها ونواحيها قبل أن يبلط معظم شوارعها بالإسفلت. وأشار الى أن "بعض سائقي الباصات الخشبية كانوا يلجأون الى وضع سلاسل حديدية حول عجلات مركباتهم بهدف زيادة احتكاكها بالأرض للحد من تعرضها الى الانزلاق أو الغوص في الوحل والطين، لكنهم سرعان ما تخلوا عن هذا الابتكار أمام حركة الإعمار الواسعة التي شهدتها المدينة خلال سبعينيات القرن الماضي والتي أفرزت مشكلة جديدة بالنسبة لهم وهي توقف شركة شيفروليت عن إنتاج وتصدير قطع غيار هذا النوع من المركبات".

واستمرت تداعيات هذه المشكلة في تفاقم الى يومنا هذا حيث يعتمد غالبية أصحاب الباصات الخشبية أسلوب "الترقيع" في تصليح سياراتهم. ومنهم من طور من أساليبه باستبداله الأجزاء القديمة بأخرى جديدة تعود لمركبات حديثة الصنع وشمل ذلك حتى استبدال المحرك بكامل أجزائه وملحقاته بل أن بعضهم لم يبخل على مركبته بإضافة بعض التقنيات إليها كالتبريد والتدفئة وأجهزة عرض الأقراص الليزرية.

عمار ناصر سائق باص خشبي يمتلكه منذ 10 سنوات قال لـ"نيوزماتيك" "أواجه مشاكل كثيرة مع رجال شرطة المرور فهم غالبا ما يمنعوننا من قيادة مثل هذه السيارات في بعض المناطق التي تشهد ازدحاما في حركة السير". ويؤكد انه دفع "آلاف الدنانير تسديداً لغرامات مالية فُرضت عليه من قبل شرطة المرور".

ويضيف أن "أقراني من سائقي الباصات الخشبية يعانون كثيراً بسبب عدم رغبة سلطات المرور بوجود مركبات قديمة في شوارع المدينة"، مشيرا الى أن

"رجال المرور يستندون على حجج واهية في تبرير ذلك منها أن الباصات الخشبية تتسبب بعرقلة إنسيابية سير المركبات وإنها تفتقر الى أدنى شروط الأمان والسلامة".

وقد نجح رجال شرطة المرور مؤخراً في تضييق الخناق على الباصات الخشبية لتتحدد وجهتها ما بين منطقة البصرة القديمة وقضاء أبي الخصيب حصراً. أما احتجاجات أصحاب تلك الباصات فلم تجدي نفعاً بل غالباً ما يدفعون ضريبتها حفنة من المال مقابل تحرير مخالفات فورية بحقهم تحت طائلة "عدم الالتزام بالضوابط المرورية".

وفي هذا السياق قال ضابط المرور الملازم خلدون محمد لـ"نيوزماتيك" أن "تواجد الباصات الخشبية القديمة في شوارع المدينة يجلب المتاعب لأصحابها وللآخرين"، موضحاً أن "المدينة شهدت الكثير من الحوادث المرورية التي تسببت بها الباصات الخشبية أما لتعطل فراملها بشكل مفاجئ أو لفقدان السيطرة عليها وكانت الحصيلة ارتفاع عدد الضحايا خاصة عندما يسمح السائقون للركاب بالتسلق على سطح المركبة او التشبث بخلفيتها. هذا التقليد سوف نضع حداً له في القريب العاجل لأنه يعرض حياة المواطنين الى الخطر".

وحول ما إذا كانت مديرية المرور تعتزم منع أصحاب الباصات الخشبية من قيادتها بشكل كامل في المدينة قال الملازم محمد "نحن نسعى في سبيل تحقيق ذلك ولكن ليس على حساب إلحاق الضرر بأصحاب تلك المركبات"، منتقدا عدم تخلي أصحابها عنها وقال بنبرة ساخرة إن "تلك الباصات لا تصلح إلا لنقل الجنائز الى المقبرة".

مسؤول قسم النقل في مرآب البصرة القديمة حامد عباس قال إن "أصحاب الباصات الخشبية يجدون متعة حقيقية في قيادتها والعناية بمظهرها الخارجي بالإضافة الى كونها مصدر رزق لهم"، معتبراً إصرارهم على عدم التخلي عنها يعود الى كونها "مركبة تراثية وامتلاكها هواية هناك من يعشقها".

ويضيف عباس أن "الأعوام القليلة الماضية شهدت تراجعاً ملحوظاً في عدد الباصات الخشبية مقدراً عدد ما تبقى منها حوالي مئتي باص"، مستبعدا فكرة اختفائها في المستقبل القريب. وطالب الحكومة المحلية في البصرة التدخل لمنع ما وصفه بـ "المضايقات التي يتعرض لها سائقو الباصات الخشبية من قبل شرطة المرور". واعتبر في حديثه لـ"نيوزماتيك" أن تلك "الباصات ليست وسيلة نقل فقط إنما هي جزء من تراث المدينة".

وأشار عباس الى أن معظم أصحاب الباصات الخشبية الذين اعتزلوا العمل في المرآب العام لنقل الركاب لم يقدموا على بيع سياراتهم، إنما احتفظوا بها ومنهم من استغلها في بيع الوقود في السوق السوداء بسبب كبر خزانات وقودها إذ يشترون البنزين من محطات تعبئة الوقود بأسعار مدعومة ومن ثم يبيعونه في مناطق تشهد شحة مقابل أسعار تجارية مرتفعة.

ومع اتساع رقعة التحديات التي تحاصرها يبدو أن الباصات الخشبية بدأت تدخل المرحلة الأخيرة من رحلتها مع الزمن، وهي رحلة تستحق أن يحتضنها تراث البصرة ويخلدها مثلما خلد بيوت الشناشيل والزوارق النهرية.

وكالة نيوزماتيك

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
حقا تراث
عادل الربيعي -

ان هذه الباصات لها وقع خاص بقلوب البصرين لما لها من امتداد زمني بعيد وهي تجوب شوارع البصرة فتراها تارة مزينة بالوان وعبارات وخاصة في ايام العيد وتنقل الناس من الجمهورية الى العشار وبالعكس والى الخضارة والبصرة القديمة والى ابو الخصيب ---الله ما اجمل تلك الايام- فمن الافضل باعتقادي ان يعود ترميم هذه الباصات لتبقى تجوب شوارع البصرة لانها حقا تمثل منظر تراثي للمدينة فيا حبذا لو وضعوا ورشة خاصة لادامة هذه العجلات بدل منعها من قبل المرور لتبقى علامة من علامات المشاهد المميزة في مدينة البصرة الفيحاء-------

مركبة تراثية
dijla -

يعود الى كونها مركبة تراثية مميزة تجوب شوارع البصرة .

تراث البصرة
albasrawy -

أنها تراث البصرة مثل بيوت الشناشيل والزوارق النهرية.

لله مااجملها
salam al iraqi -

الله مااجمل تلك الباصات الخشبية .تراث مدينة البصرة الفيحاء.

مكانها المتحف
غاندي -

او كل فترة للاستعراض التراثي فقط اما ان تكون وسيلة نقل فلا والف لا!انا كنت من ركابها وعندي عقدة منها فهي غير مريحة والمقاعد خشب مغلف بطبقة نايلون غير مريح والمسافة بين المقعد الوسطي والمقابل له ضيقة جدا بحيث عندم تجلس متقابل تدخل ارجلنا داخل ارجل الشخص المقابل!لكن مع كل ذلك كنا نركض ورائها لنفوز بمقعد بها من قلة المواصلات وختاما ان هذه الباصات لاتصلح للنقل الادمي الان في هذا الزمن المتطور وشكرا

السيارات الخشبيه
m-basrah -

اتذكرها جيدا منذ نهايه الستينيات من القرن المنصرم عندما كنا اطفال في الابتدائيه النموذجيه بالبصره ,كانت الباصات التي تنقل التلاميذ من البيت الى المدرسه وبالعكس ,كانت بالوانها الزاهيه البراقه كالاصفر و الاحمر وغيرها وذات ابواب خشبيه . ايضا كانت تستعمل لنقل الركاب الى المناطق النواحي الشعبيه ثم في السبعينيات اتت سيارات المرسيدس ذو 18 راكب ثم 1980 اسخدمت سيارات الكوستر التويوتا. والله ذكريات جميله جدا .لذا يجب ابقاء ودعم هذه السيارات الخشبيه التراثيه بالبصره لانها فريده من نوعها ومميزه لان لها نكهه وتميزها عن باقي المحافات ولايوجد منها الا القليل القليل في العالم,ثانيا لانها تراثيه تمثل وتعبر عن تراث وتأريخ البصره مثل الشناشيل والزوارق المائيه (البلم) البصري وباقي معالم البصره . وكل الدول تحافظ على تراثها وايضا لجلب السياحه, فلكل مدينه في العالم لها مايميزها وهذا يجذب السواح من الداخل والخارج البلاد. لذا فأنه من الواجب على المسؤليين بالبصره دعم والمحافظه على هذاالأرث التأرخي للبصره للاجيال القادمه وبكل الوسائل الماديه والمعنويه كما في بقيه دول العالم .وشكرا.

قومجية
العراقي -

بينما تنعم مدن الخليج التي ليس لها إلا النفط بأحسن موديلات السيارات يركب البصريون تلك الباصات على الرغم من إمتلاك مدينتهم النفط والماء والتمر وخيرات الأرض. لعن الله 40 سنة من حكم القومجية (العنصري الطائفي) وأثاره الكريهة التي تلاحق العراقيين حتى اليوم. اللهم بارك للبصرة غدها الجديد وأجعلها جميلة كدبي على الأقل (ألا تستحق ذلك).

شكرا لكم على الموضوع
أحمد العبادي -

شكرا لايلاف على هذا التحقيق المميز جدا على هذا الموضوع الرائع لقد كانت لنا ذكريات رائعة مع الباصات الخشبية لكن للاسف يبدو ان الزمن ما عاد يرحم تلك الباصات. أحمد العبادي نقابة الصحفيين في البصرة

i am remembering :)
q8ya -

wow hathi kanat a7la ba9at sheft''ha fe 7ayati :)yarab terja3 el ba9ra 7ilwa methel ma kanat eb 6ebat ahalha oo basa6at''hum