إيلاف+

بغداد تفقد شناشيلها وبيوتها الأثرية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

بغداد تفقد شناشيلها وبيوتها الأثرية وتتحول الى مدينة بلا ذكريات


عماد الشرع من بغداد: "شناشيل ابنة الجلبي... ثم تلوح في الأفق... ذرى قوس السحاب وحيث كان يسارق النظرا...شناشيل الجميلة لا تصيب العين الا حمرة الشفق".

تلك هي شرفات بغداد، أو شناشيلها كما تغنى بها الشاعر بدر شاكر السياب. فهو هنا يلتقط أهم ملمح من ملامح المدينة، احد رموزها البارزة بالإضافة الى الأسواق والمكتبات. تلك هي صورة بغداد وروحها منذ أوائل القرن الماضي، وربما منذ قرون، ففي عمقيها المكاني والزمني ينهض البيت البغدادي وشناشيله المطلة من الطوابق العلوية على الأزقة الضيقة. فمناطق مثل الأعظمية والبتاويين والمربعة والحيدرخانة والفضل وباب الشيخ والمهدية وأبو سيفين وسوق حنون في جانب الرصافة، والكاظمية والرحمانية وسوق حمادة والجعيفر في جانب الكرخ شواهد مضيئة على سمات البيت البغدادي ومعماره. وحين تدخل أيا من تلك المناطق يتردد صدى "الجالغي البغدادي"، وتنتشر أنغام القبانجي ويوسف عمر، ورائحة الشاي المهيل، والفتيات الواقفات خلف الشناشيل حيث يرين المارة دون أن يروهن. ومن هناك تسمع وقع الأمنيات والأحلام الصغيرة.

تراث لا يقدر بثمن

تقول المهندسة شروق العبايجي في حديث لـ"نيوزماتيك" إن "قيمة المناطق التراثية ليست في الطابوق والمواد الإنشائية التي بنيت بها، بل بعمرها وبالزمن الذي أنشئت فيه والقيمة الاجتماعية لتلك الفترة، فضلا عن أنها تروي قصصا عن كافة جوانب الحياة".

وتضيف العبايجي إن "التراث العراقي لا يمكن استبداله بأي شي آخر مهما كان متطورا أو يعكس حداثة العالم حاليا لأن ذلك التراث لا يقدر بثمن".

وتعبر العبايجي عن القلق من "رؤية البيوت التراثية وهي تتعرض للإهمال والإضرار لهذا لابد من وجود قانون يحمي هذه المناطق من أي إضرار أو عبث".

وترى العبايجي أن "الحفاظ على العاصمة العراقية بغداد بعمرانها وصورتها التاريخية التي تمتد إلى ألف سنة، يجب أن يكون من خلال الحفاظ على المناطق التراثية فيها دون أي تغيير".

وتعتقد العبايجي بوجود "قصور كبير من قبل المجتمع العراقي تجاه البيوت التراثية وشناشيل بغداد التي تزينها حيث لا يمكن ترك المناطق الأثرية تتحول إلى محال تجارية ومحال لتصليح السيارات ومخازن للمواد الإنشائية"، وتستدرك العبايجي قائلة إن "أصحاب المحال والمخازن التي تستغل المناطق التراثية لم يجدوا بديلا يسمح لهم بترك تلك المناطق، مثل المجمعات الصناعية والتجارية التي تتيح لهم العمل فيها بدلا من المناطق التراثية".

العبايجي تتخوف من بعض الدعوات التي تنادي بجعل مدينة بغداد مدينة حديثة مثل دبي على حساب المناطق التراثية خصوصا في وسط المدينة، قائلة إن" هذا الأمر سيؤدي إلى فقدان التراث البغدادي بشكل كامل".

صورة مشوشة للمدينة

من جانبها تشدد عضو مجلس النواب عن القائمة العراقية المهندسة ميسون الدملوجي في حديثها لـ"نيوزماتيك" على "ضرورة المباشرة بحملة توعية كبيرة من قبل منظمات المجتمع المدني للتعريف بأهمية البيوت التراثية في بغداد باعتبارها إرثا حضاريا كبيرا للعاصمة ولجميع العراقيين".

وتضيف الدملوجي إن "المنازل التراثية في العاصمة بغداد تعد من ابرز مراكز الجذب السياحية للسواح سابقا، فضلا عن أنها تمثل ما تبقى من صورة بغداد القديمة في بداية القرن الماضي".

وتتابع أن "الإضرار التي لحقت بالمنازل البغدادية التراثية من إجراء الإهمال الطويل وتحويل بعضها إلى مخازن أو محال تجارية أدى إلى خلق صورة هندسية مشوشة لمدينة بغداد المعروفة بتاريخها الحضاري".

الأخطر ضياع الهوية

رئيس لجنة الثقافة والإعلام والسياحة والآثار في مجلس النواب، النائب عن الحزب الشيوعي العراقي مفيد الجزائري يؤكد في حديثه لـ"نيوزماتيك" على "ضرورة الحفاظ على البيوت البغدادية التراثية وغيرها من الشواخص الأثرية باعتبارها تمثل موروثا عمرانيا مهما للشعب العراقي".

ويرى أن "الحفاظ على هذا التراث يعني استمرار تواصل المجتمع بين ماضية وحاضره ومستقبله، وان زوال التراث الذي يمثل الماضي بمختلف ثماره سيؤدي إلى عدم فهم الهوية الحقيقية وضياع القيمة الحضارية التي تؤثر في ثقافة المجتمع".

ويعرب الجزائري عن اعتقاده بأن "إهمال صيانة المواقع التراثية يأتي أحيانا بشكل متعمد أو عفوي بسبب اضطراب الأوضاع في العراق"، مشيرا الى أن "فكرة تطوير مناطق بغداد وهدم البيوت التراثية أو تغيير الواقع المعماري فيها يجب أن لا تكون على حساب الإرث الحضاري".

أما سكان البيوت التراثية في الكاظمية والقشلة والشواكة وشارع حيفا وغيرها فقد عبروا عن تذمرهم من الإهمال الذي أصاب تلك البيوت من خلال تحويلها إلى مقرات حزبية أو مخازن تجارية.

صالح الاسدي، 75 سنة من سكنة منطقة الكاظمية، يقول لـ"نيوزماتيك" إن "هذه المنازل بدأت تختفي من منطقة الكاظمية بسبب هدم بعضها وتحويل البعض الآخر إلى مخازن ومحال تجارية، و ما تبقى منها قليل جدا".

إنهم لا يحبون التراث

ويتابع الاسدي "الحكومة العراقية منذ عقود ولليوم لم تهتم بهذه البيوت التراثية وبالمقاهي التي تمثل بغداد القديمة، فالمسؤولون السابقون لا يحبون التراث والحاليون لا يحبون سوى تطوير وبناء دور العبادة، بل إن بعضهم يرى أنها تمثل فترة مضت ويجب التخلص منها".

ويقول الاسدي إن "الدولة تقوم بإزالة التجاوزات على دوائرها ومبانيها التي يشغلها الفقراء لكنها لم تتدخل لإرجاع شارع الرشيد إلى وضعه السابق"، مؤكدا أن "شارع الرشيد الذي كان مركزا للمقاهي والمجالس الأدبية التراثية خلال خمسينات وستينات القرن الماضي تحول إلى مجموعة من المخازن والمحال التجارية التي خربت كل شيء جميل في هذا الشارع خلال فترة الحكم السابق".

ويعتقد الاسدي بوجود "تعمد من قبل بعض الجهات لتخريب التراث في بغداد وخلق شكل جديد للعاصمة يأتي في سياق التوجهات الدينية والحزبية وليس في سياق تطويرها".

لكن جبار سعد، 60 سنة صاحب مخزن لبيع المواد الإنشائية في شارع الرشيد، يقول لـ"نيوزماتيك" إن "اتخاذ المناطق التراثية أماكن للعمل هو أمر طبيعي ولا يسبب أي ضرر، فأصحاب المحال والمخازن حافظوا على المناطق التراثية، وخاصة شكلها الخارجي، من التدمير أو الهدم خلال سنوات طويلة بسبب عدم وجود اهتمام بها من قبل الدولة فضلا عن الرغبة بإقامة مجمعات تجارية فيها".

ويقول سعد إنه "مستعد لترك البيت الذي يتخذه كمخزن في حال إيجاد بديل لمخزنه في مكان مناسب، ولكن بشرط واحد هو أن تتولى الدولة بنفسها حماية هذه البيوت من خلال إجراءات ملموسة تضمن تحويلها إلى مقاه أو أماكن ثقافية".

رغبة في الانتقام

أما مها مروان، 33 سنة خريجة كلية الآداب في الجامعة المستنصرية، فترى أن "إهمال التراث البغدادي أمر مدبر لإنهاء بناء يرمز إلى تاريخ العاصمة العراقية وتحويلها إلى مدينة بلا ذكريات ولا ارث حضاري".

وتتابع مها "هناك دول تحاول استغلال الوضع الحالي في العراق وتدمر تاريخه وتراثه من منازل وشناشيل وارث سياحي رغبة في الانتقام، كما أن بعض الجهات الدينية الممولة من الجوار تعتبر بقاء الشواهد التراثية في العراق خطرا عليها ومن هنا يأتي إهمال البيوت التراثية".

وتطالب مها مروان الحكومة العراقية بأن توضح موقفها بهذا الأمر لان التاريخ والأجيال القادمة لن ترحم السياسيين إذا تعرض ارث بغداد للانهيار والزوال".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لانريد مدن السمنت
عراقي -

على امين عاصمة بغداد وكل محافظ في المدن الاخرى امانه في عنقه الحفاظ على البناء التراثي العراقي و تحسينه وتجميله وتطويره .لانريد نسخة ثانية من دبي ذات العمارات الشاهقة .اذا فعلنا ذلك نكون قد مسحنا او مسخنا هويتنا .نريد مدننا نظيفة كدبي وتراثها مصان ومطور . لانريد عمارات شاهقة ولا مراكز تسوق فقط .نريد باركات حدائق نخيل نخيل لان النخل هويتنا نريد مسابح نريد مراكز رياضة نريد مكتبات عامة نريد مقاهي في الهواء الطلق نريد نظافة نظافة نظافة وحمامات ومطاعم نظيفة

بغداد الحبيبة
عراقي من أبو ظبي -

أتفق تماماً مع التعليق الأول...هذا التراث العريق أمانة في أعناق المسؤولين وأمين بغداد أولهم.. شناشيل ابنة الجلبي في البصرة وليس في بغداد.. لكن ما الفرق؟؟ العراق جميــــــل من رأسه الى أخمص قدميه...