فلسطين اللاجئة على أرضها تحكي أربع حكايات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
فلسطين اللاجئة على أرضها تحكي أربع حكايات:
هموم على قدر القضية.. وحياة لا تجد من يشبهها
نسرين عزالدين-إيلاف: تتشابه حكاياتهم وإن اختلفت التفاصيل؛ الهوية والوطن والقضية وتفاصيل حياة يومية جعلتهم يختلفون عن أبناء جيلهم. من غزة الى نابلس الى مخيم الدهيشة فالشتات، اربعة فلسطينيين عاشوا خصوصيات وحدتهم وخبروا احداثا فرقتهم كأفراد. يتحدثون عن الاسرائيلي والعربي وعن قضية يؤمنون بها حد الموت الذي يرونه في كل زاوية وفي صباح كل يوم جديد. اما في الشتات فحكاية اخرى عن فلسطينية لم ولن تتحول الى لبنانية على امل عودة لا تراها قريبة ولا تعرف كيف تتعامل معها في حال حدثت.
لو لم أكن فلسطينيا لتمنيت ذلك
يرفضون بحزم امنية الا يكونوا فلسطينيين، لا بل تتوحد اجابة "لو لم اكن فلسطينيا لتمنيت ان اكون كذلك".
"يجمعنا الم واحد اسمه الاحتلال" يقول احمد، فنابلس وان كانت تعيش اوضاعا اقل تعقيدا من غزة واقل اضطرابا من القدس لكنها تسير في ركب المعاناة الاقتصادية والامنية؛ "الحياة هنا جحيم لا يطاق..بتنا عاصمة الفقر بعدما كنا العاصمة الاقتصادية".
وان كان احمد وغيره من سكان المدينة ينامون على مزاجية جنود المعابر واصوات الانفجارات فانهم غالبا ما يستيقظون على حظر التجوال في مدينتهم عقب توغل مفاجئ.
كريم المولود في قرية زكريا التي يسكنها الان مستوطنون يهود من الاكراد العراقيين يعيش في مخيم الدهيشة للاجئين الفلسطينيين، الذي يبعد عن مركز مدينة القدس 7 دقائق تحولت الى اكثر من ساعة بسبب الحواجز والجدران.
"المخيم هوية" يقول كريم، "لا بل هو مثار افتخار غريب وكأن التخلي عن هذه الهوية خيانة".
اما القدس فهي مدينته" التي استكثرها علي العالم،اشعر بانني الغريب الوحيد في القدس، المدينة التي يمكن ان يتجول فيها أي شخص وتمنع عن ابنائها، المحرومين من كل شيء، واحيانا من التنفس".
اما ناديا بنت الجليل الاعلى من قرية الجاعونة (مستوطنة روشبينا ) فتعيش يومها في شتات صنفها وفق كلمة "فلسطيني" وحدد فرص عملها ومستقبلها في اطار ضيق لا يسمح للكثير من الامال. "نعم انا لاجئة وافتخر بذلك اللقب"، انه الانتماء الذي يربطها بفلسطينيي الداخل ويميزها عن محيطها الذي ربطها باللبناني "هنا ولدت وهنا ابني حياتي، من المنطقي ان يجمعني باللبناني اكثر مما يجمعني بالفلسطيني".
الهوية والمستقبل
يختلف ابراهيم عن غيره من ابناء جيله، فغزة المحاصرة لم تترك له خيارات كثيرة. البقاء على قيد الحياة ليس هدفا يسعى اليه، فهو يعلم انه قد يخرج من منزله حيا ويعود اليه ميتا. يفكر بالزواج "لانها سنة الحياة " لكنه يمنن نفسه على أمل تأمين حياة افضل لاولاده من تلك التي عاشها.
العيش في فلسطين هو خيار كريم، فمعظم افراد عائلته يعيشون في الخارج. "فلسطين اكثر من وطن هي مستقبلي مهما كان صعبا".
هاجر كريم عن "وطنه روحه " لكنه تخلى عن عمل وظروف عيش ليعود لكنه يفضل ان يكون مستقبل ابنائه في مكان اخر. واقعية لا تخلو من رومنسية تجتاحه لدى الحديث عن فلسطين التي يعتبرها "امتدادا لتلك الاساطير والاحداث العظام، التي ابدعها متفردون من حضارات متعاقبة، بصمات كثير منهم لا يعرفها احد غيري، لانني بحثت عنها، وعندما اعثر على شيء منها اشعر وكأنها بقيت مخفية طوال قرون تنتظرني انا، ولا احد سواي".
ناديا لم تملك اي خيار حين وجدت نفسها في لبنان. تحافظ على هويتها بقدر ما تسمح لها انشغالاتها اليومية، تقوم بمهام تطوعية على الرغم من صعوبة وضعها الذي تطلب منها القيام بوظيفتين "للاستمرار لا اكثر".
لا تعرف الكثير عن قريتها الام، ولا تدعي انها خبيرة بتراثها. ترتبط بالفلسطيني بالانتماء وتؤكد انها لم تتحول الى لبنانية خالصة "لن اقبل الجنسية اللبنانية ولو عرضت علي. ففي ذلك تخل عن هويتي ووطني وانتمائي". لا تطالب بالتوطين ولا تريده لكنها تطالب "بابسط الحقوق".
هنا فلسطين وهناك محتل..
لا مكان للرومنسية في غزة، فهي ان لم تحرقها قذائف الاسرائيليين فان رصاص الاقتتال الداخلي يمزقها. ابراهيم فتحاوي ومع ذلك لم يشارك في الاقتتال الذي يعتبره "مرحلة سوداء مزقت القضية اكثر مما كانت ممزقة ".
"لم اشارك في اي كفاح مسلح، وليس المطلوب من كل الشعب ان يحمل بندقية" فاحمد يقوم بدوره من موقعه من خلال عمله، "اعتقد ان المقاومة الشعبية هي افضل " اما ايمانه بقضيته "محتوم " فهو نابع من واقع يعيشه.
كريم من جهته ينشط في شتى المجالات التي استدعت سجنه اكثر من مرة من قبل الاسرائيليين. يؤمن بالقضية حد النخاع "انظر لكل ما يجري بانه كابوس، سأصحو منه لامارس حياتي كما فعل الملايين الذين دبوا على هذه الارض، قبل اسرائيل وقبل اليهود والمسلمين والمسيحيين، وسيستمرون بعدها، انها فلسطين الاكبر من الاسرائيليين العابرين والعرب العاجزين".
في الشتات يتخذ الايمان بالقضية اشكالا اخرى، فالحياة تتخذ مناحيها الطبيعية وان كانت محاصرة بكل انواع الحقوق "المسلوبة "؛ "اؤمن بالقضية، لكن لا اؤمن بتجارها". اما العودة فتبدو بعيدة جدا، تود الذهاب الى فلسطين "لكنني لا اعرف ان كنت اريد العيش هناك، فما يربطني بلبنان حياة كاملة".
الاسرائيلي الاخر..
تختلف نسب التعامل مع الاسرائيلي وفق المنطقة وتتساوى عند المعابر، ابراهيم الغزاوي لا يرى من اسرائيل سوى صواريخها وحصارها. اما عنصرية المعابر فحكاية ازلية.
احمد من جهته لم يختبر اي احتكاك مباشر ومكثف مع الاسرائيلي سوى على المعابر "لا يوجد امر واحد غير مهين على الحواجز العسكرية..مجرد المرور عبرها مهين ".
كريم وهو الاكثر احتكاكا بالاسرائيلي يصنفه في خانات متعددة وان كانت الصورة الاساسية انه المحتل "هناك الاسرائيلي المفكر والاكاديمي اللامع،، وهناك المستوطن المتعصب القاتل، الذي يصنع جغرافيا جديدة، ولكنه ايضا الذي عرفني، بدون ان يقصد على ملامح في هويتي لم اكن اعرفها قط. وهناك الاسرائيلي المتضامن، والاسرائيلي الصحافي المهني، وهناك الاسرائيلي السياسي الذي يقدم نموذجا داخليا يحتذى، وهناك اولا واخيرا اسرائيل العدوة المغتصبة".
يتحدث كريم عن تحصين عقله مبكرا وبشكل غير واع ضد احتلال استولى على ارضه ولم يدعه يحتل عقله وذاكرته. يتعرض يوميا لمواقف مهينة على الحواجز وفي السجون لكنه يرى ان الاكثر اهانة هو تدمير قرية شخص ما وبناء مستوطنة يهودية مكانها.
عنصرية وتخل.. وشتات
يشعر الغزاوي باستفزاز كبير لدى الحديث عن تطبيع عربي جديد، فان كان الشعور السائد لديه هو انه تم التخلي عنهم فان وضعه في غزة يشعره بعزلة اكبر؛ "في الوقت الذي نعاني فيه الامرين في غزة نجد بعض الدول تسارع لتطبيع علاقاتها مع اسرائيل".
لا يميز نفسه عن اقاربه في الشتات، فهو لاجئ في وطنه ايضا ويعيش في مخيم لكنه يراهم كجزء لا يتجزأ منهم "ابناء وطننا الذين يحرمون من ابسط الحقوق الانسانية".
اما احمد فيرى ان المواقف المنفصلة التي يتخذها العرب تضعف موقفهم "الهدف هو التوصل الى سلام عادل وشامل اما اقامة علاقات بشكل منفرد فهذا يعني الموافقة على قتلنا".
يرى كما ابراهيم انهم تركوا لمصيرهم ولموتهم فلا تحرك حقيقي ولا يصدر عن الحكومات سوى بيانات التنديد. لاحمد اقارب في الشتات يسمع اخبارهم التي لا تكون سارة ابدا، فهم تلك الفئة التي لا تمنح الاحترام التي تستحقه ولا تتم معاملتها وفق ابسط القواعد الانسانية.
لكريم نظرة اخرى حول دور العرب في القضية الفلسطينية، فهو يرى ان الامور كانت لتكون افضل لو بقيت القضية فلسطينية خالصة، ويرى ان العرب لعبوا دورا مأسويا "يشعرني باللامبالاة تجاه اي تحرك سواء اكان حكوميا او شعبيا وعلى المستوى الشخصي لا احترم العرب حكومات او افرادا او شعوبا".
لا يرى اي سلام يلوح في الافق "السلام يعقد بين انداد لذا فهو بعيد"، لا بل ويعتبر ان العرب" لم يفهموا فلسطين يوما ولا علاقة لهم بها ". هم بالنسبة إليه تلك الحكومات التي تتدخل اليوم اكثر من اي وقت مضى وتمعن في عنصريتهم ضد الفلسطينيين "يدخل الاسرائيلي الى مصر معززا مكرما بينما يجر الفلسطيني الى مكتب امن الدولة.. اما في قطر فيسمح لركاب الطائرات الاسرائيلية التي تحط كترانزيت، بالدخول الى الدوحة بينما يحتجز الركاب الفلسطينيون على الطائرة نفسها داخل المطار ".ينشط في متابعة قضية فلسطيني الشتات ويعتبرهم حالة فريدة ولدت خارج الوطن ومع ذلك يبدون اكثر تمسكا واكثر تصميما على اعادة اكتشافها.
اما ناديا فمعاناتها مع عنصرية العربي باتت اشهر من أن تحكى مجددا، " لعل اول حادثة ازعجتني هي منعي من التصويت في انتخابات الجامعة"..وكرت بعدها السبحة حين انطلقت الى سوق العمل كفلسطينية.
أربعة فلسطينيين حملوا هم القضية وعاشوا في مجتمعات اختلفت في اطار الوطن، وخارجه. لا تشبه حياتهم الاخرين، ولا تتقاطع اهتماماتهم مع ابناء جيلهم في معظم الاحيان.
ولدوا كفلسطينيين في غزة التي جعلت من ابراهيم شابا لا يأمل بالكثير، وفي نابلس التي جعلت احمد متخوفا من اي مستقبل، وفي قرية زكريا التي حملت كريم مسؤولية لا يريد التخلي عنها.. وفي شتات سلب ناديا كل حقوقها ومنحها قليلا من الهواء للتنفس وكثيرا من المصاعب لتخنقها.
التعليقات
سلمت يداك نسرين
إبراهيم -تقرير اكثر من رائع منك نسرين .. منذ فترة لا نرى ابداعاتك في ايلافالمعاناة التي يعيشها شباب فلسطين لا يمكن وصفها، والظروف التي تواجههم اكبر بكثير من ان يحتمولها، إلا أنهم يثبتون باستمرار انهم متشبثون بوطنهم وباحلامهم مهما حاول المحتل شغلهم عن ذلك.. صحيح ان الكثير من شباب فلسطين يفكر بطرق أبواب الهجرة لعله يغير شيئا من هذا الواقع، لكن هذا لا يقلل أبدا من حبهم لوطنهم وايمانهم بعدالة قضيتهم ... شكرا لك نسرين مجددا
يثبت ما قلته سابقا
نورا -ارسلت تعليقا في احدى المرات على موضوع عن فلسطين وقلت فيه ان عنصرية العرب ضدهم اشد واقصى وافظع من عنصرية الاسرائيلي. وها قد ثبتت وجة نظري من خلال ما قيل في التحقيق .ولكنين استغربت للصراحة ان تكون العنصرية في قطر الى هذا الحد لا اعرف لماذا توقعت ان تكون قطر افضل من غيرها في التعامل مع الفلسطينيين .بشكل عام تحقيق جميل ومحزن في الوقت نفسه .اكثر ما اعجبني هو كريم .مواقفه تنعش القلب والروح وافكاره ملهمة .ولكل من تحدث في هذا التقرير الف تحية وتحية .ولفلسطين حبكم وحبنا جميعا الف تحية .
نقطة مهمة
احمد -لدى الحديث عن ناديا قالت انها تتمسك بحق العودة وتود ان تعود لكنها لا تعرف ان كان بامكانها البقاء في فلسطين لان ما يجمعها بلبنان حياة كاملة . اعتقد ان هذه مشكلة اساسية لدى عدد كبير من فلسطيني الشتات خصوصا الجيل الشاب الذي لا يعرف من فلسطين سوى الاسم .
ماهو المستقبل ؟
نادرالحداد -التحقيق مكرر من ناحية الفكرة ، السؤال الذي لم يطرح ماهو مستقبل هذا الشعب الذي تلاعبات به القوى المسيطرة ، وأكملها أهلهم وبني جلدتهم قبل أن يتعنصر عليهم ماتعتبرونهم إخوانكم بالدم واللغة -كما يدعيه الرد السابق -!القضية الفلسطينية لن يحلها إلا أهلها !من يقول غير ذلك فهو حالم .على أصحاب القرأر والنخب الفلسطينية ، النظر بطريقة أكثر واقعية لقضيتهم والتعامل معها من خلال المعطيات الحالية _ أهل مكة أدرى بشعابها - !
سنرجع يوماً
Mohamad -ولادة الإنتصار تكون من رحم المعاناة، تلك المعاناة التي طالت وستطول مالم نغير ما في أنفسنا حتى يغير الله من أحوالنا. ندعو الله بالهدى والتقى لأولي الأمر منا، وأن يبعث فينا قادة يخافون الله فينا ويعلمون قدر أرض فلسطين ويكونون على قدر الطموحات.